نجوم الغانم لـ" البيان": الشعر والسينما والفن ينابيع تصب في بحر واحد

(MENAFN- Al-Bayan) تشكّل شخصيتها الثقافية نموذجاً فريداً لامتزاج الآداب والفنون المتنوعة؛ ولذا فإنها لا ترى الحدود النمطية بين الأشكال الإبداعية، بل تنفتح على مفاهيم الروعة والجمال الحافلة بالخيال، ولعل هذا ما حفزها على التجريب وطرْق أنواع متباينة من المغامرة الفنية.

إنها الشاعرة والفنانة والسينمائية الإماراتية نجوم الغانم التي اختارت ((البيان)) أن ترحل معها في عوالم الشعر، لتتعرف إلى رؤاها وتصوراتها التجديدية فيه.

وتناقش أسباب ميلها إلى قصيدة الزن في ديوانها العاشر والأخير، وتتبين ملامح العلاقة لديها بين الإبداع الشعري والفنون الأخرى. وأكدت أن الشعر والسينما والفن ينابيع تصب في بحر واحد.

وأوضحت نجوم الغانم أن ديوانها الأخير ((البحر والأفق في ممر ضيق)) هو محاولة لاختبار المساحات الصامتة في اللغة، والإنصات إلى ما وراء الكلمات، وأن شعر الزن ليس نوعاً جديداً بالمعنى الشكلي، بل هو مقاربة فلسفية تقوم على التبسيط والاختزال والالتقاط اللحظي للجوهر.

مشيرةً إلى أن الزخرفة اللفظية تتراجع في هذا الشكل ليعلو الحضور التأملي، وأن الفارق الجوهري بينه وبين قصيدة النثر يكمن في تركيزه على لحظة وعي مكثفة تشبه الومضة الروحية، بينما قصيدة النثر قد تنفتح أكثر على السرد وتعدد الأصوات.

وقالت نجوم: ((إن هذا المشروع لم يأتِ مصادفة، بل بدأ التفكير فيه منذ وقت مبكر، نحو عام 2016، إذ أردت أن يكون ضمن سياق عمل يجمع بين الفن البصري والشعر معاً)).

لافتة إلى أن ما دفعها فعلياً إلى هذه المغامرة الإبداعية تجربة الشاعر الياباني العظيم ماتسوو باشو، الذي قرأت له كثيراً خلال دراستها الجامعية، وكانت معرفتها الأولى به عبر ترجمات إنجليزية فهمت من خلالها القوانين التي تقوم عليها قصيدة الهايكو.

وأضافت: ((بما أنني أكتب بالعربية، شعرت أن محاكاة الهايكو قد تُفهَم على أنها ممارسة شكلية؛ لذلك اخترت أن أطلق على نصوصي ((شعر زن))؛ إذ إن الزن هو الفلسفة والممارسة التي سار عليها باشو، وهو الأفق الذي يفتح مساحة للتأمل والانضباط بقدر الإمكان))، موضحةً أن ما جذبها أيضاً إلى هذه التجربة هو الصرامة في التكثيف والطريقة النظامية في الالتزام بخلق علاقة بين الموضوع واللغة.

طاقة شعورية

وبينت أن قصائد الهايكو تدور كلها حول الطبيعة بكل تبايناتها، وتقوم أيضاً على بناء محدد يُلزم الشاعر بصرامة هيكلية (5-7-5)، حيث تتجاور صورتان متناقضتان، ويدخل عليهما ((القطع)) الذي يخلق الإحساس بالمفارقة والدهشة وربما يحرّك الطاقة الشعورية الذاتية للشاعر.

منوهةً بأنها حاولت الالتزام بالبنية من حيث الشكل، ووزعت القصائد ضمن فصول تتناغم مع مفهوم فصول الطبيعة (الشتاء، والصيف، والخريف، والربيع) المتحققة في شعر الهايكو، مع إضافة سياقات مرتبطة برؤيتها الشخصية وخبرتها الفردية، بحيث يتجاور العام مع الحميمي، والكوني مع الذاتي، في تجربة واحدة.

وعن رؤيتها لواقع المشهد الشعري الإماراتي خصوصاً، والعربي عموماً، في ظل اختلاف الأنواع الشعرية: البيتي والتفعيلة وقصيدة النثر، أكدت أن التجربة الذاتية تبقى في إطارها الفردي وإن كانت جزءاً لا ينفصل عن التجربة الجمعية ضمن المكان والزمان، وأنه بالنسبة إلى المشهد الشعري الإماراتي فقد أصبح أكثر تنوعاً وانفتاحاً وتسامحاً فيما يتعلق بتقبُّل الأشكال المختلفة.

وأردفت: ((هذا بحد ذاته انعتاق من السائد والتقليدي، حيث إن هناك أصواتاً جديدة تختبر الأشكال وتغامر في اللغة، وهذا مؤشر على حيوية التجربة.

أما عربياً، فما زال الشعر حاضراً برغم هيمنة أشكال فنية أخرى كالرواية، والتعدد بين العمودي والتفعيلة وقصيدة النثر هو أيضاً مؤشر على وجود شعراء ينتمون إلى هذه الأشكال، وكذلك جمهور يتذوقها)).

مبينةً أن هذا الأمر يثري المشهد الثقافي؛ لأن الشعر في جوهره ليس وزناً فقط، بل رؤية وقدرة على إعادة اكتشاف العالم مثلما هو الحال بالنسبة إلى اكتشاف الأشكال التعبيرية الأخرى.

آفاق جديدة

ورأت أن الشعر العربي نجح إلى حد بعيد في الانفتاح على تجارب شعرية عالمية، من اليابان والصين إلى أمريكا اللاتينية وأوروبا، دون أن يفقد روحه الخاصة، وأن هذا الانفتاح ساعد على تجديد لغته وفَتْح آفاق جديدة في الإيقاع والصورة والبنية، مضيفةً:

((لكن الأهم في رأيي هو تجربة الشعراء العرب المغتربين؛ فقد كانوا جسوراً حقيقية بين ثقافتين. هؤلاء الشعراء عاشوا في بيئات جديدة، حملوا معهم ذاكرة اللغة الأم.

وفي الوقت نفسه تأثروا بثقافة المكان الجديد، فخرجت نصوصهم أكثر غنى بالمعنى الإبداعي، أي قادرة على أن تقدم رؤى مختلفة وأشكالاً فنية مبتكرة)).

ولفتت إلى أن الشعر العربي أصبح أكثر قدرة على التفاعل مع الآخر، وأكثر استعداداً لتجريب أشكال مثل قصيدة الهايكو أو اليوميات الشعرية أو القصيدة البصرية، وأن أولئك الشعراء أضافوا إلى المشهد الشعري العالمي صوتاً مشبعاً بالتجربة العربية وبالمنفى والحنين والهوية الممزقة بين مكانين.

مشيرةً إلى أن هذا التبادل أوجد فضاءً حوارياً جعل الشعر العربي جزءاً من المشهد العالمي، لا مجرد متلقٍ له، وأن قدرة الشعر على التكيُّف مع الثقافات الأخرى مع الحفاظ على خصوصيته هي ما أبقته حيّاً ومؤثراً، وجعلته يُقرأ اليوم بلغات مختلفة، لكنه يظل محتفظاً بجذوة صوته العربي الأصيل.

وبشأن تنوع اهتماماتها المختلفة بصفتها شاعرة وفنانة ومخرجة سينمائية قالت نجوم الغانم: ((لا أرى الشعر والسينما والفن التشكيلي مجالات متفرقة، بل كأنها ينابيع تصب في بحر واحد.

أكتب القصيدة بالعين التي ترى الكادر، وأصوِّر الفيلم بالأذن التي تصغي إلى الإيقاع الداخلي للجملة الشعرية، ربما أعود إلى الشعر باعتباره الجذر الأول والأعمق، لكن السينما تمنحني أفقاً أوسع للصورة، والفن التشكيلي يعطيني لغة الشكل واللون)).

وفيما يتعلق بطبيعة العلاقة بين الصورة الشعرية والصورة السينمائية ذكرت أن الصورة الشعرية والصورة السينمائية تلتقيان في جوهر الخيال، وأنه في الشعر تكون الكلمة عدسة داخلية، وفي السينما الكاميرا هي عدسة خارجية.

لكن كليهما يسعى إلى إعادة تركيب العالم على نحو مغاير، مؤكدةً أنها تستفيد من طاقة الشعر في تكثيف المعنى، ومن طاقة السينما في تشكيل المشهد البصري، وأنه في تداخلهما تتولد صورة أقدر على ملامسة المعاني بشكل حسي ووجداني في آنٍ واحد.

MENAFN05112025000110011019ID1110302249

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.