403
Sorry!!
Error! We're sorry, but the page you were looking for doesn't exist.
دول تعليمها بلا كتاب موحد.. سنغافورة أنموذجا
(MENAFN- Al Watan)
حين يصبح الفهم أهمّ من الحفظ، تصعد الأمم... وتجربة سنغافورة دليلٌ على ذلك.
لا ينهض التعليم بقراراتٍ سريعة، أو تجريب مجتزأ، أو شعاراتٍ عابرة؛ إنّما بفهمٍ لمنطقه الداخلي. وبرغم ما نحظى به من دعم حكومي استثنائي ورؤية طموحة، فإنّ مفتاح التحسين يبدأ من تنظيم المنهج. وتجارب الدول المتقدمة تؤكد أن كثرة المقررات و((الكتاب الموحد)) لا تصنع الريادة، بل المنهج الذي يوازن احتياجات المتعلم والمجتمع، ويُقاس بما ينجزه المتعلم لا بما يحفظه.
ولئلا يبقى الكلام عامًا، فهذه قصة سنغافورة بإيجاز تاريخي دقيق. في يونيو 1997 رُفع السقف الفكري برؤية ((مدارس مُفكّرة، أمّة متعلّمة))، فأُعيد تعريف وظيفة المدرسة وغاية التعليم. وفي عام 2005 انتقل الشعار من الورق إلى الصف عبر مبادرة ((نُعلّم أقل ليتعلموا أكثر))؛ تقليص للحشو، وإفساح لزمن التعلم العميق والمهام ذات المعنى، وخُفِّض المحتوى بأكثر من 30%. هكذا تبدّل ((منطق التعليم)) قبل أي زيادة في المنهج.
ثم ثُبّت التنظيم بصورة عملية دقيقة؛ حيث صممت وثائق المنهج الوطنية وفق مجالات التعلم، ومعايير كفايات عابرة للتخصصات، ومصفوفات نواتج واضحة، وتُركت للمدارس حرية التنفيذ بما يضمن التنوع داخل الإطار الوطني الواحد. وهكذا تحققت مقاصد ومعايير موحدة، ووسائط تعليمية مرنة، ومحاسبية على النتائج بدل الاكتفاء بإنهاء المحتوى.
داخل الصف تغيّر السؤال من ((كم صفحة أنهينا؟)) إلى ((أي مهمة أنجزنا؟)). ففي مجال التفكير الكمي أصبح حل المشكلات هو المنظِّم الرئيس للتعلم لا نشاطا هامشيا، وفي مجال الاستقصاء العلمي صارت التجارب المصغرة - التي تضبط متغيرا واحدا وتنتج دليلا قابلا للفحص - لغة الدرس اليومية. ويتكامل ذلك مع التواصل اللغوي حين يكتب المتعلم تفسير البيانات في فقرة موجزة ومقنعة.
ولأن ((التقويم أساس التطوير))، أُعيدت هندسة التقويم. فمنذ عام 2021 تحوّل امتحان نهاية المرحلة الابتدائية إلى مستويات إنجاز تصف ما يستطيع المتعلّم فعلَه، لا موضعَه بين أقرانه، وبحلول عام 2023 أُلغيت الاختبارات النصفية في الصفوف الإلزامية لتحرير زمن التعلّم العميق، وعند عتبة السادسة عشرة طُوي الفرزُ الصُّلب؛ وابتداءً من دفعة عام 2024 طُبِّق التجميع بحسب مجالات التعلّم داخل المدرسة بمستوياتٍ متفاوتةٍ لكلّ مجال، على أن يُتوَّج ذلك في عام 2027 بشهادة وطنية موحدة تُظهر مستوى كل مجال. تلك عدالة مرنة تُكبّر قاعدة الكفاءات الأساسية قبل التخصص، وتمنح كل متعلم تحديا مناسبا لقدراته وميوله.
هل أثمر هذا المسار؟ تتبّع PISA يجيب بوضوح: منذ عام 2009 كانت سنغافورة ضمن النخبة، ثم تقدّمت في عام 2012، وبلغت الصدارة في عام 2015، وحافظت على قربها من القمّة في عام 2018، ثمّ عادت إلى المرتبة الأولى مجدّدًا في عام 2022 في المجالات الثلاثة. كما تصدّرت التفكير الإبداعي في تقرير عام 2024 (PISA 2022). هذا خطٌّ متراكم، لا طفرةً عابرة، ودليل على أن تغيير منطق النظام - مجالات وكفايات ومهام أداء وتقويم وصفي - يسبق تغيير ((غلاف الكتاب)).
وليست هذه خصوصية سنغافورية؛ فأنظمة متقدمة أخرى لا تُقدِّس ((الكتاب الموحد)). فنلندا توحد وثيقة الإطار الوطني على هيئة مجالات وكفاءات، وتُفصّل محليًّا، وإنجلترا تحدّد برامج الدراسة والأهداف، وتترك للمدرسة اختيار الموارد وتنظيم التعلم، وإستونيا تمنح المعلمين استقلالية واسعة داخل إطار وطني واضح. القاسم المشترك: إطار وطني للمناهج، وتنفيذ مرِن تحت حوكمة مُعلَنة، ومحاسبية شفّافة على النتائج.
الخلاصة العملية لتعليمنا الأساسي حتى سن السادسة عشرة واضحة: شدّدوا على وثائق مناهج وطنية مبنية على مجالات التعلم التي تُنمّي شخصية المتعلم (العقلية، والنفسية، والجسمية، والاجتماعية)، وكفاءاتها العابرة، واربطوا كل مجال بخبرات مبنية على قيم تغرس، وأعيدوا هندسة التقويم إلى مستويات إنجاز تُقلّل ثقافة الامتحان من أجل الامتحان، وافتحوا داخل المدرسة مستويات متفاوتة للمجالات تحقق التعلم المتمايز، مع شهادة تظهِر مستوى كل مجال. عندها نخرج من أسر ((محتويات مُجزّأة تُكدّس معرفة))، إلى مجالات تُبنى فيها كفاءات، ويجد الإنفاق مقابلًا تعليميا قابلا للقياس، ونقترب بالفعل لا بالقول من غايات رؤية 2030، وننافس الدول المتقدمة تعليميًا.
لا ينهض التعليم بقراراتٍ سريعة، أو تجريب مجتزأ، أو شعاراتٍ عابرة؛ إنّما بفهمٍ لمنطقه الداخلي. وبرغم ما نحظى به من دعم حكومي استثنائي ورؤية طموحة، فإنّ مفتاح التحسين يبدأ من تنظيم المنهج. وتجارب الدول المتقدمة تؤكد أن كثرة المقررات و((الكتاب الموحد)) لا تصنع الريادة، بل المنهج الذي يوازن احتياجات المتعلم والمجتمع، ويُقاس بما ينجزه المتعلم لا بما يحفظه.
ولئلا يبقى الكلام عامًا، فهذه قصة سنغافورة بإيجاز تاريخي دقيق. في يونيو 1997 رُفع السقف الفكري برؤية ((مدارس مُفكّرة، أمّة متعلّمة))، فأُعيد تعريف وظيفة المدرسة وغاية التعليم. وفي عام 2005 انتقل الشعار من الورق إلى الصف عبر مبادرة ((نُعلّم أقل ليتعلموا أكثر))؛ تقليص للحشو، وإفساح لزمن التعلم العميق والمهام ذات المعنى، وخُفِّض المحتوى بأكثر من 30%. هكذا تبدّل ((منطق التعليم)) قبل أي زيادة في المنهج.
ثم ثُبّت التنظيم بصورة عملية دقيقة؛ حيث صممت وثائق المنهج الوطنية وفق مجالات التعلم، ومعايير كفايات عابرة للتخصصات، ومصفوفات نواتج واضحة، وتُركت للمدارس حرية التنفيذ بما يضمن التنوع داخل الإطار الوطني الواحد. وهكذا تحققت مقاصد ومعايير موحدة، ووسائط تعليمية مرنة، ومحاسبية على النتائج بدل الاكتفاء بإنهاء المحتوى.
داخل الصف تغيّر السؤال من ((كم صفحة أنهينا؟)) إلى ((أي مهمة أنجزنا؟)). ففي مجال التفكير الكمي أصبح حل المشكلات هو المنظِّم الرئيس للتعلم لا نشاطا هامشيا، وفي مجال الاستقصاء العلمي صارت التجارب المصغرة - التي تضبط متغيرا واحدا وتنتج دليلا قابلا للفحص - لغة الدرس اليومية. ويتكامل ذلك مع التواصل اللغوي حين يكتب المتعلم تفسير البيانات في فقرة موجزة ومقنعة.
ولأن ((التقويم أساس التطوير))، أُعيدت هندسة التقويم. فمنذ عام 2021 تحوّل امتحان نهاية المرحلة الابتدائية إلى مستويات إنجاز تصف ما يستطيع المتعلّم فعلَه، لا موضعَه بين أقرانه، وبحلول عام 2023 أُلغيت الاختبارات النصفية في الصفوف الإلزامية لتحرير زمن التعلّم العميق، وعند عتبة السادسة عشرة طُوي الفرزُ الصُّلب؛ وابتداءً من دفعة عام 2024 طُبِّق التجميع بحسب مجالات التعلّم داخل المدرسة بمستوياتٍ متفاوتةٍ لكلّ مجال، على أن يُتوَّج ذلك في عام 2027 بشهادة وطنية موحدة تُظهر مستوى كل مجال. تلك عدالة مرنة تُكبّر قاعدة الكفاءات الأساسية قبل التخصص، وتمنح كل متعلم تحديا مناسبا لقدراته وميوله.
هل أثمر هذا المسار؟ تتبّع PISA يجيب بوضوح: منذ عام 2009 كانت سنغافورة ضمن النخبة، ثم تقدّمت في عام 2012، وبلغت الصدارة في عام 2015، وحافظت على قربها من القمّة في عام 2018، ثمّ عادت إلى المرتبة الأولى مجدّدًا في عام 2022 في المجالات الثلاثة. كما تصدّرت التفكير الإبداعي في تقرير عام 2024 (PISA 2022). هذا خطٌّ متراكم، لا طفرةً عابرة، ودليل على أن تغيير منطق النظام - مجالات وكفايات ومهام أداء وتقويم وصفي - يسبق تغيير ((غلاف الكتاب)).
وليست هذه خصوصية سنغافورية؛ فأنظمة متقدمة أخرى لا تُقدِّس ((الكتاب الموحد)). فنلندا توحد وثيقة الإطار الوطني على هيئة مجالات وكفاءات، وتُفصّل محليًّا، وإنجلترا تحدّد برامج الدراسة والأهداف، وتترك للمدرسة اختيار الموارد وتنظيم التعلم، وإستونيا تمنح المعلمين استقلالية واسعة داخل إطار وطني واضح. القاسم المشترك: إطار وطني للمناهج، وتنفيذ مرِن تحت حوكمة مُعلَنة، ومحاسبية شفّافة على النتائج.
الخلاصة العملية لتعليمنا الأساسي حتى سن السادسة عشرة واضحة: شدّدوا على وثائق مناهج وطنية مبنية على مجالات التعلم التي تُنمّي شخصية المتعلم (العقلية، والنفسية، والجسمية، والاجتماعية)، وكفاءاتها العابرة، واربطوا كل مجال بخبرات مبنية على قيم تغرس، وأعيدوا هندسة التقويم إلى مستويات إنجاز تُقلّل ثقافة الامتحان من أجل الامتحان، وافتحوا داخل المدرسة مستويات متفاوتة للمجالات تحقق التعلم المتمايز، مع شهادة تظهِر مستوى كل مجال. عندها نخرج من أسر ((محتويات مُجزّأة تُكدّس معرفة))، إلى مجالات تُبنى فيها كفاءات، ويجد الإنفاق مقابلًا تعليميا قابلا للقياس، ونقترب بالفعل لا بالقول من غايات رؤية 2030، وننافس الدول المتقدمة تعليميًا.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
نساء المملكة يعمرن أطول من الرجال وحائل تتصدر...
اختتام مؤتمر الخطاب الإعلامي الدولي الثاني في الجامعة الهاشمية...
بدور القاسمي: الشارقة حريصة على تمكين المبدعين...
تحقيق يكشف تصاعد تجارة الأعضاء البشرية في الأردن...