هل بقيت أي سيطرة للعالم المادي في عصر الثورة التكنولوجية؟

(MENAFN- Al-Bayan) تطلق الثورة التكنولوجية التي نعيشها العديد من التحذيرات حول سرعة استبدال الجديد بالقديم. وقبل عقد من الزمان، كان المتنبئون على يقين من أن العالم الرقمي والافتراضي ينذران بنهاية التناظري والمادي: ستقضي الكتب الإلكترونية على المطبوعات.

وسيفرغ التسوق عبر الإنترنت المتاجر التقليدية من محتواها، وستجبر أساطيل سيارات الأجرة الكهربائية ذاتية القيادة محركات الاحتراق على التوقف عن السير، وفي أحدث السيناريوهات انخفضت مبيعات سيارات البنزين الخاصة في الولايات المتحدة إلى الصفر - بحلول عام 2024.

لكن إذا عدنا إلى يومنا هذا، ففي كل من هذه الحالات وأكثر يصمد القديم بشكل مدهش أمام الجديد، بل ويزدهر. قد تتطور التكنولوجيا بوتيرة متسارعة، لكن البشر لا يسارعون دائماً إلى تبني الجديد.

ففي ظل نشأتهم وتطورهم في العالم المادي لا يزال العديد من المستهلكين يشعرون براحة أكبر مع الأشياء التقليدية. في الولايات المتحدة وجد استطلاع ((هاريس)) أن ثلثي المشاركين تمنوا لو استطاعوا العودة إلى زمن لم يكن فيه الجميع ((متصلين بالإنترنت)).

بحلول أوائل العقد الماضي كان من المتوقع أن يتخلى القراء عن الكتب لقراءة مقتطفات قصيرة على وسائل التواصل الاجتماعي، وأن تأتي الكتب الضخمة المتبقية بشكل رقمي في الغالب، ولا بد أن يوهانس غوتنبرغ، مخترع الطباعة في القرن الخامس عشر، كان يتقلب في قبره كلما سمع ذلك.

لكن على مدى السنوات العشر الماضية لم تفسح مبيعات الكتب المطبوعة المجال للبدائل الرقمية، ولا تزال تسيطر على 80% من السوق الأمريكية، وفقاً لجمعية الناشرين الأمريكيين.

كما استمر إجمالي مبيعات الكتب في النمو، وتجاوز العام الماضي 3.1 مليارات نسخة، أي تسعة كتب لكل شخص في البلاد، ما يشير إلى أن الأمريكيين ما زالوا يقرؤون الكتب، ومعظمها في شكلها المادي.

وإذا نظرنا إلى سيارات البنزين فقد حاولت الحكومات المهتمة بتغير المناخ إزاحة محركات الاحتراق الداخلي من خلال دعم السيارات الكهربائية، وتوقع المحللون ((نهاية عصر محركات الاحتراق الداخلي)).

لكن الآن، في البلدان التي تنتهي فيها آليات دعم هذا التوجه، مثل الولايات المتحدة، تتوقع شركات صناعة السيارات الكبرى انخفاضاً حاداً في مبيعات السيارات الكهربائية، حسبما ذكرت شركة جنرال موتورز مؤخراً.

وتقول شركة جنرال موتورز إن ((ذيل محرك الاحتراق الداخلي أصبح الآن أعرض وأطول مما توقعه أي شخص))، كما تقول شركة فورد إن حصة السيارات الكهربائية من مبيعات الولايات المتحدة ستنخفض بمقدار النصف العام المقبل إلى ما يقرب من 5%.

وستظل ((أصغر - أصغر بكثير - مما كنا نعتقد)) في المستقبل المنظور، لذلك تواصل تويوتا بناء أسطولها على افتراض أن العديد من السائقين ما زالوا يفضلون هدير ورائحة سيارات البنزين على البديل الصامت عديم الرائحة.

وبعدما ارتفع التسوق عبر الإنترنت في وقت مبكر من الجائحة، فإنه استقر على مدى السنوات الخمس الماضية عند حوالي 20% من مبيعات التجزئة الأمريكية، ويذهب الباقي إلى المتاجر الفعلية، والتي شهدت خلال الفترة نفسها عدداً من الافتتاحات يفوق عدد الإغلاقات بحوالي 2000 سنوياً منذ عام 2021.

وحتى ذلك العنصر الأساسي في الضواحي، وهو المركز التجاري، يظهر علامات على مواصلة الحياة، ونجد المراكز التجارية الكبيرة الفاخرة، بصفة خاصة، تعيد ابتكار نفسها لجذب الأجيال الشابة، وهي تقدم خدمة استلام المشتريات عبر الإنترنت من الموقع ليتمكن المتعاملون من تجربة البضائع.

كما تحل محل المتاجر الكبرى متاجر أصغر وأكثر عصرية تحقق إيرادات أكبر في مساحة أصغر، كما يتم تطوير ساحات الطعام، وتنظيم المزيد من الفعاليات الاجتماعية. وكما بدأ قطاع التجزئة التقليدي بالاستقرار في الولايات المتحدة.

كذلك - وربما ليس من قبيل الصدفة - بدأ استخدام النقد المادي بالانخفاض، وكان متوسط عدد المدفوعات النقدية التي يقوم بها الأمريكيون شهرياً في انخفاض حتى عام 2021، عندما استقر عند سبع معاملات، ولا يزال الأمر على حاله.

وغالباً ما يقود الشباب المواطنون الرقميون هذه الاتجاهات القديمة، ويرتاد مراكز التسوق بشكل أكبر الأمريكيون الذين تقل أعمارهم عن 35 عاماً. ويعيد المتعاملون الأصغر سناً، الحريصون على التخلص من شاشات الهواتف المحمولة، اكتشاف التقنيات القديمة من الهواتف ذات الغطاء القابل للطي إلى الأقراص المدمجة، ويشتري الآباء الأصغر سناً الذين يتطلعون إلى حماية أطفالهم من إدمان الإنترنت نسخاً جديدة ملونة من الهاتف الأرضي القديم.

كما ينعش الحنين إلى الماضي ((نهضة الفينيل))، ويعود تاريخ أسطوانات الفينيل إلى ثلاثينيات القرن الماضي، لكن مبيعاتها تضاعفت بأكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقد الماضي لتصل إلى ما يقرب من 50 مليوناً.

هذه ليست ألبومات البيتلز القديمة المستعادة من علية المنزل، بل هي أسطوانات جديدة مضغوطة لنجوم مثل تايلور سويفت، يقول المشترون إنهم ينجذبون إليها لأسباب ملموسة قديمة: فن الغلاف، وصوت الإبرة. باختصار، إنها هروب آخر من الجدب الافتراضي.

لا يوحي أي من ذلك كله بأن الثورات التكنولوجية لن تحدث المزيد من التغيير، وأن الواقع الافتراضي لن يتعدى على الحياة اليومية أكثر. فقط هذه إشارة إلى بعض الحواجز الطبيعية، مع بعض المقاومة البشرية التي تبطئ هذا التقدم، وربما تحد منه، وبالفعل يظهر العالم المادي قدرة على الصمود تفوق توقعات الكثيرين منا.

MENAFN03112025000110011019ID1110289816

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.