بول بيا رئيس الكاميرون.. كيف أصبح الأطول حكماً في العالم؟

(MENAFN- Al-Bayan) شهدت قرية ((موفي ميكا)) الغافية بين غابات الكاميرون الجنوبية، ميلاد بول بيا، في 13 فبراير 1933، الرئيس الأطول حكماً في العالم حتى الآن، بعد أن فاز بفترة رئاسية ثامنة ينتظر أن تنتهي بعد سبع سنوات، ويكون حينها قد شارف على 100 عام من عمره.

درس بيّا في مدارس كاثوليكية محلية، ثم أكمل دراسته في باريس، حيث نال شهادة في العلاقات الدولية، ثم دخل الجهاز البيروقراطي لجمهورية الكاميرون إثر استقلالها عن فرنسا عام 1961 برئاسة أحمد أهيدجو.

تدرّج في المناصب حتى أصبح رئيساً للوزراء عام 1975، ثم خلف الرئيس أهيدجو في 6 نوفمبر 1982، بعد استقالته بشكل مفاجئ، ليصبح ثاني رئيس في تاريخ البلاد منذ استقلالها وحتى الآن، وأقدم رئيس دولة منتخب في العالم.

وعلى مدى أكثر من أربعين عاماً، همش بيّا المعارضة بشدّة، وألغى حدود الولاية الرئاسية عام 2008، ليضمن لنفسه طريقاً مفتوحاً نحو إعادة انتخاب فترة بعد أخرى.

فصل جديد

ليس مفاجئًا لأحد أن يُعلِن المجلس الدستوري في الكاميرون إعادة انتخاب الرئيس بول بيا، البالغ من العمر 92 عامًا، كأقدم رئيس دولة في العالم، لولايةٍ ثامنةٍ متتالية.

وسط شائعات عن نتيجة متقاربة، وادعاءات بالنصر من خصمه الرئيسي وزير الحكومة السابق عيسى تشيروما بكاري، سادت أجواء من الترقب والتوتر قبيل إعلان النتائج يوم الاثنين، وارتفعت الآمال مؤقتًا بحدوث مفاجأة انتخابية.

لكن النتيجة الرسمية، بفوز بيا بنسبة 53.7% مقابل 35.2% لتشيروما بكاري، كانت مخيبة لآمال كثير من الكاميرونيين الذين شعروا بأن ما جرى لا يعدو كونه فصلًا جديدًا من النمط المعتاد.

قرار بيا بالترشح مجددًا لولاية تمتد سبع سنوات أخرى، بعد أكثر من 43 عامًا في الحكم، أثار جدلاً واسعًا - ليس فقط لطول بقائه في السلطة، بل أيضًا بسبب أسلوبه الغامض في الحكم.

فإقاماته الطويلة في الخارج، خصوصًا في فندق“إنتركونتيننتال” بمدينة جنيف، أو في أماكن أكثر عزلة على ضفاف بحيرتها، أشعلت تساؤلات متكررة حول مدى ممارسته الفعلية للسلطة، وهل هو حقًا من يدير البلاد أم أن القرارات تُتخذ فعليًا من قبل رئيس الوزراء أو الأمين العام للرئاسة فردينان نغوه نغوه.

العام الماضي، بعد إلقائه كلمة في فرنسا خلال احتفال بذكرى الحرب العالمية الثانية، ثم مشاركته في قمة الصين-أفريقيا في بكين، اختفى الرئيس لستة أسابيع كاملة دون إعلان أو تفسير، ما أثار موجة من التكهنات حول وضعه الصحي.

وبينما أكّد بعض المسؤولين أنه“يعمل من جنيف كالمعتاد”، لم يظهر للرأي العام إلا عند عودته إلى العاصمة ياوندي، حيث استُقبل بهتافات مؤيديه.

ظلّ حاكم

يصف الخبراء أسلوب بيا في القيادة بأنه غامض ومتحفّظ إلى حد الجمود؛ فهو نادرًا ما يدعو لاجتماعات حكومية موسعة أو يخاطب الأمة بشأن القضايا المعقدة.

ورغم أن وزراءه ومسؤوليه التقنيين يديرون برامج تنموية متعددة، يبقى غياب الرؤية السياسية الشاملة واضحًا.

وفي مشهد مألوف، تفرّق قوات مكافحة الشغب المتظاهرين في دوالا بعد إعلان النتائج، فيما تحدثت تقارير عن إطلاق نار في مدينة غاروا شمال البلاد. وتقول المعارضة إن الانتخابات“مزورة”، وإن“الانتصار سُرق” من تشيروما بكاري.

قمع وتوازن

رغم سجل حكومته في قمع الاحتجاجات واعتقال المعارضين، يرى مراقبون أن بقاء بيا في الحكم لا يفسَّر بالقوة وحدها.

فهو أيضًا لعب دور“الميزان” في بلدٍ متعدد الأعراق واللغات والانتماءات، يجمع بين الجنوب الاستوائي والشمال السافاناوي، وبين الغالبية الناطقة بالفرنسية والمنطقتين الناطقتين بالإنجليزية.

وفي بلدٍ شهد في بداياته صراعًا حول شكل الدولة ووحدة النظام الفدرالي، حرص بيا على تشكيل حكومات تضم أطيافًا متعددة من المكونات الاجتماعية.

كما نجحت حكوماته – ولو بضغط من صندوق النقد الدولي – في تفادي أزمة ديون كبيرة، وتحقيق بعض الاستقرار المالي.

لكن خلال العقد الأخير، بدا بيا أقرب إلى ملك دستوري رمزي من كونه رئيسًا فعّالًا، إذ يُقال إنه يترك معظم الملفات بيد وزرائه، ويكتفي بالتوقيع على القرارات الكبرى.

صراع الخلافة

مع تقدّمه في السن، يتجنّب بيا تعيين وريث سياسي واضح، ما جعل حزب الحركة الديمقراطية الشعبية الحاكم يعيش تنافسًا داخليًا مكبوتًا.

وفي غياب خليفة معلن، تتكرر التكهنات حول ابنه فرانك بيا، رغم أنه لا يُبدي اهتمامًا يُذكر بالسياسة.

ورغم غنى الكاميرون بمواردها الطبيعية، يواجه الرئيس تحديات تنموية وأمنية خطيرة، خاصة في المناطق الناطقة بالإنجليزية التي شهدت منذ عام 2016 احتجاجات تحولت إلى تمرد مسلح.

كان بيا بطيئًا في الاستجابة للأزمة، وحين دعا إلى“حوار وطني”، كانت دوامة العنف قد تجاوزت قدرة التسوية.

ومنذ إعادة انتخابه في 2018 على حساب المعارض موريس كامتو الذي سُجن لاحقًا ثمانية أشهر، استمرت معادلة“الانتخابات بلا تغيير”.

لكن ترشّح تشيروما بكاري في 2025 أعاد بعض الأمل، خاصة أنه استقطب دعمًا عابرًا للمناطق واعتذر علنًا في مدينة بامندا عن دوره السابق في قمع المتظاهرين هناك.

ومع إعلان النتيجة هذه المرة، انفجرت حالة من الإحباط والغضب الشعبي، ترافقت مع قمع أمني واحتجاجات في كبرى المدن.

ويقول محللون في تشاتام هاوس إن إصرار بيا على ولاية ثامنة يحمل مخاطر جسيمة على استقرار البلاد، إذ“قد تُفضي الشيخوخة السياسية إلى أزمة شرعية عميقة”.

MENAFN30102025000110011019ID1110272749

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.