"صفقات اضطرارية" أمريكية تضبط الخصومة مع موسكو وبكين

(MENAFN- Al-Bayan) ">تشهد سياسة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تحوّلاً لافتاً في مقاربته للعلاقات مع روسيا والصين، مدفوعاً بحسابات داخلية واقتصادية، ورغبة في تحقيق إنجازات دبلوماسية سريعة، تعزز موقعه داخلياً وخارجياً.

فبعد نهج التصعيد والضغط في بدايات ولايته الثانية، عاد ترامب إلى أسلوب ((الصفقات))، القائم على الدبلوماسية الشخصية، واستثمار علاقاته المباشرة مع الزعماء، في محاولة لاحتواء التوترات، وتقليل كلفة المواجهات العسكرية والاقتصادية على الولايات المتحدة.

ويرتبط هذا التحوّل أيضاً بظروف الاقتصاد العالمي، إذ باتت الضغوط التضخمية، وتعطل سلاسل الإمداد، سبباً مباشراً لدفع واشنطن نحو تخفيف حدة الصراع التجاري مع الصين، والسعي لتجميد النزاع مع روسيا. ومع ذلك، تظل التعقيدات السياسية والعسكرية، خصوصاً في ملف أوكرانيا، عائقاً أمام أي اختراق جوهري، لأن الصراع تجاوز البعد الثنائي، وأصبح جزءاً من توازن القوى بين الغرب وروسيا.

وفي هذا السياق، يقول د. عمرو الديب، الأستاذ المساعد في جامعة لوباتشيفسكي الروسية الحكومية، لـ((البيان)): ((ترامب لم يعدل سياساته، ترامب كما نعرفه دائماً يريد أن يكون في منتصف الصورة في أي حدث أو عملية سياسية أو اقتصادية في العالم. هو فقط يسعى لتأكيد دوره المرتبط بمسألة سعيه للسلام، وقدرته على إنهاء الحروب، أو ما إلى ذلك)).

ويضيف الديب: ((لكن في الحالة الروسية، لا يمكن أن يكون الوضع مشابهاً للوضع في قطاع غزة، أو لأي صراع عسكري آخر، لأن الصراع الروسي الأوكراني، صراع واسع النطاق، وبه العديد من الأمور التي لا أحد يستطيع التحكم بها)).

ويتابع بأن ((سياسات ترامب، أو تغيّر نبراته، مرتبطة برغبته في تأكيد دوره بأنه قادر على إحلال السلام، والتأثير في قرارات الدول الأخرى في العالم، لكن في ما يخص روسيا، فإن الأمر ليس في يده بشكل كامل.

وبشكل عام، إذا كانت هناك قدرة على تجميد هذا الصراع لفترة من الوقت، فسنكون أمام نجاح بالفعل، لكننا نتحدث هنا عن تجميد الصراع، وليس إنهائه، لأن هذا الصراع واسع النطاق، ويتداخل فيه العديد من العوامل، التي لا أحد يتحكم بها، فهو صراع جيواستراتيجي على مستوى العلاقات الروسية الأوروبية والروسية الغربية بشكل عام)).

ويضيف الديب: ((أما في ما يخص الصين، فهي قوة اقتصادية كبيرة جداً في العالم حالياً، والولايات المتحدة لا تستطيع، كاقتصاد، أن تعاقب الصين بشكل كامل، كما تفعل مع دول أخرى، واستمرار سياسة الشدّ تجاه الصين، أمر يرتبط بنتائج سلبية كبيرة، تحدث داخل الاقتصاد الأمريكي، قبل أن تمس الاقتصاد الصيني.

لذلك، فإن تغيير موقف ترامب أيضاً مرتبط بالشد والجذب، وهو كما نعلم يعطي دائماً تصريحات مختلفة واتجاهات متباينة، لكن في نهاية الأمر، يتم الاتفاق على شيء معين)).

انفراجات تكتيكية

ويرى المحللون أن ترامب يعتمد الآن على ((الانفراجات التكتيكية))، كوسيلة لإظهار نجاح دبلوماسي سريع، من خلال هدَن مؤقتة، أو تفاهمات اقتصادية جزئية، لكن من دون القدرة على صياغة حلول استراتيجية شاملة.

الدور الأوروبي أيضاً يبقى حاسماً في تحديد مدى نجاح هذه التحولات، إذ لا يمكن لواشنطن أن تنفذ أي صفقة منفردة، من دون غطاء من بروكسل والعواصم الأوروبية الكبرى. لذلك، يُتوقع أن تبقى الانفراجات المحتملة محدودة ومشروطة، وأن تتراوح السياسة الأمريكية بين الحذر والمبادرات الانتقائية.

تحولات واشنطن

من جانبه، يرى الدكتور ديميتري بريجع، أستاذ العلاقات الدولية ومدير وحدة الدراسات الروسية في مركز الدراسات العربية الأوراسية، أن تعديل ترامب سياسته تجاه روسيا والصين، يعكس تحولاً في أولويات واشنطن، واستعادتها لمفهوم ((الصفقة الكبرى)) في السياسة الخارجية، الذي يوازن بين المصالح الاقتصادية والأمنية. ويشير إلى أن ترامب يدرك أن الصراع المفتوح مع القوتين في آن واحد، ينهك الولايات المتحدة اقتصادياً، ويقوّض مكانتها الدولية.

ويضيف بريجع أن واشنطن تسعى اليوم إلى إعادة صياغة العلاقة مع موسكو وبكين، من موقع القوة التفاوضية لا الصدام. فبالنسبة لروسيا، يدرك ترامب أن المواجهة المباشرة لم تعد مجدية، وأن موسكو يمكن أن تكون شريكاً في ضبط ميزان القوى في أوروبا والشرق الأوسط، لا سيما بعد الإرهاق الأمريكي من حرب أوكرانيا. أما الصين، فيسعى ترامب للضغط عليها تجارياً وتكنولوجياً، دون كسر الجسور السياسية، نظراً لكون السوق الصيني أحد أهم ركائز الاقتصاد العالمي والأمريكي معاً.

ويختتم الخبير الروسي رأيه بالقول إن العالم مقبل على مرحلة ((صفقات اضطرارية لا تحالفات دائمة))، أي تفاهمات مؤقتة، لتفادي الصدام الشامل، وإعادة تشكيل النظام الدولي على أساس تعددية القوى، لا ثنائية القطبية. ويتوقع بريجع أن تشهد المرحلة المقبلة انفتاحاً أمريكياً محسوباً على روسيا، وضبطاً للخصومة مع الصين، مع استمرار الصراع الاقتصادي والتكنولوجي، لكن ضمن أطر تفاوضية جديدة.

MENAFN20102025000110011019ID1110223158

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.