البودكاست.. منافس رقمي يعيد تشكيل المشهد الإعلامي بالتأثير والبساطة والمرونة

(MENAFN- Kuwait News Agency (KUNA)) من عمار لاري (تقرير)
الكويت - 6 - 10 (كونا) -- يشهد العالم الرقمي تغييرات كبرى على الصعيد الإعلامي وأهمها وآخرها انتشار ظاهرة المقابلات المطولة (البودكاست) حيث يلتقي مذيعو المنصات الإعلامية في الفضاء الرقمي مع ضيوفهم وسط أجواء تتسم بالأريحية مغايرة تماما للطرق التقليدية في المقابلات الرسمية والبرامج الحوارية.
للوهلة الأولى يجد المتابع لهذا النوع من المقابلات نفسه أمام مدة زمنية أطول نسبيا من البرامج الحوارية المعتادة وبعيدا عن رتابة الاستوديوهات التقليدية إذ تتجه تلك المنصات نحو نوع من البساطة في طريقة تقديمها للجمهور مع الحرص على توفير كل وسائل الراحة للضيف وخيارات الأثاث والإضاءة وما شابه.
أضف إلى ذلك ما ينطوي عليه هذا النوع من المقابلات المطولة من المرونة التي يفتقدها المجال الإعلامي التقليدي إذ يستطيع المتابع اختيار الوقت والمكان المناسبين لاستكمال برنامجه دون الحاجة للارتباط بتوقيت بث معين خلافا للبرامج التقليدية على الإعلام المتلفز والمسموع.
وفي سياق الانتشار المحتوى الرقمي في عالمنا الراهن ووفق الشركة الألمانية (ستاتيستا statista) المتخصصة بجمع وتحليل وتقديم الإحصاءات فإن هناك ما يقارب من 5ر3 مليون برنامج بودكاست حول العالم وأكثر من 175 مليون مقابلة متاحة للمتابعة حاليا فيما تشير الإحصاءات إلى أن عدد المستمعين لهذه البرامج قد يتجاوز 600 مليون شخص بحلول العام 2026.
ولظاهرة البودكاست أيضا جانب اقتصادي مهم جدا فبرامج البودكاست تستقطب العديد من المعلنين نظرا إلى حجم قواعدها الجماهيرية وأعداد المستمعين حيث تتوقع شركة (ستاتيستا) بلوغ عائدات الإعلانات العالمية للبودكاست 46ر4 مليار دولار عام 2025 مع إمكانية نمو سنوية تصل إلى 7ر4 بالمئة لتصل إلى حوالي 36ر5 مليار دولار بحلول عام 2029 مما يعتبر عاملا أساسيا لاستقطاب المستثمرين والمعلنين على وسائل البث التقليدية.
وعلى الصعيد السياسي وصفت شبكة الأبحاث والإحصاءات الرقمية (إديسون Edison research) انتخابات الرئاسة الأمريكية الأخيرة بأنها "انتخابات البودكاست" إذ ظهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على 20 برنامج بودكاست منذ يوليو 2024 حتى موعد الانتخابات ليصل لأكبر عدد ممكن من قواعده الانتخابية فيما ظهرت غريمته في السباق الرئاسي حينها كامالا هاريس على 8 برامج فقط.
وذكرت الشبكة ذاتها أن عدد مرات ظهور المرشحين في مثل تلك البرامج كان عاملا مهما للوصول إلى جمهور الناخبين مشيرة بصراحة إلى أن تلك الانتخابات قد تكون "أول انتخابات بودكاست حقيقية".
وبالأرقام وحسب الشبكة ذاتها فقد تخطى الرئيس ترامب حاجز 23 مليون مستمع أسبوعيا لمداخلاته على تلك البرامج فيما لم تتمكن غريمته هاريس من الوصول لأكثر من 4ر6 مليون مستمع مما يدلل على الدور الكبير والمحوري لهذا النوع من البرامج الإعلامية في صياغة المشهد السياسي.
وتنطوي ظاهرة البودكاست على جانب آخر بجعل عملية التعرف على شخصيات المسؤولين السياسيين أكثر نضجا واتساعا بالنظر إلى ما توفره من بيئة تواصل مريحة وعميقة علاوة على اتساع مدة الحوار التي تسمح للضيف بشرح أعمق لوجهات نظره ومختلف أفكاره.
وفي موازاة ذلك انعكست الاستقلالية من القيود التحريرية المعتادة في المقابلات على سلوك المذيعين أنفسهم وأصبح من الطبيعي إبداء الرأي دون تحفظ في شتى المواضيع على عكس السياسات التقليدية للمؤسسات الإعلامية التي تصر غالبا على مبدأ الحياد وعدم الانحياز في المقابلات الرسمية.
وبذلك لم يعد مذيعو البودكاست ناقلين للأحداث فحسب بل أصبحوا في معظم الأحيان صناعا للخطاب وموجهين للرأي العام ومؤثرين في مواقف جمهورهم والمستمعين وسط استقلالية تترجمها طريقة تجاوب المحاورين مع ضيوفهم السياسيين التي تتميز بالودية البعيدة عن الطرق التقليدية والأسئلة المباشرة عن مختلف مواقفهم في شتى القضايا السياسية والاجتماعية ما يجعل البودكاست ظاهرة إعلامية حديثة ضامنة لهامش كبير من الحرية والوقت لتبادل وجهات النظر والإحاطة والإلمام بالموضوعات بأقصى حد ممكن.
وعن هذه الظاهرة أكد الرئيس التنفيذي لمجموعة (سرد) ومحاور بودكاست (بدون ورق) فيصل العقل لوكالة الأنباء الكويتية (كونا) اليوم الاثنين سهولة الوصول إلى الجمهور عن طريق برامج البودكاست بعدما تولت التكنولوجيا الحديثة والمنصات الرقمية تذليل الصعوبات كثيرا أمام هذه المهمة.
وأضاف العقل أن الجمهور كان سابقا يعتمد حصرا على الإذاعة والتلفزيون في الاطلاع على آخر مستجدات الحياة العامة والأخبار اليومية بينما توفر المنصات الرقمية مرونة وتعددية أكبر لمصادر المعلومات وتندرج برامج البودكاست في هذا السياق وتشبه المظلة العامة للعديد من المواضيع المتشعبة منها العلمية والثقافية والاجتماعية والسياسية وغيرها.
ورأى أن برامج البودكاست تعتبر امتدادا للإعلام التقليدي مع بعض الاختلافات الجوهرية بين التجربتين نظرا إلى طبيعة البودكاست المتحررة من بعض القيود التحريرية التي يلتزم بها الإعلام التقليدي.
وعن الجانب الاستثماري في عالم البودكاست أفاد مؤسس ومدير عام شركة (حيات فيجن) للدعاية والتسويق الإلكتروني خليل حيات لـ(كونا) أن استراتيجيات التسويق على برامج البودكاست تختلف باختلاف البرنامج والجمهور المستهدف مؤكدا أهمية الأخذ بعين الاعتبار انسجام المنتجات المعلنة مع طبيعة البودكاست والمواضيع المطروحة من خلاله.
وأشار حيات إلى تنوع طرق التسويق منها الرعاية المتكاملة المباشرة للبرنامج حيث تقدم الشركة كراع رسمي للبودكاست أو الدعاية التقليدية المتمثلة بقراءة المحاور لرسالة إعلانية أو إدراج فواصل صوتية أو مرئية قصيرة وأخيرا طريقة التكامل مع المحتوى أو ما يطلق عليه (الدعاية الانسيابية).
وقدم مثالا على ذلك إبراز منتجات الشركة الراعية أثناء الحوار بشكل طبيعي (أكواب - أجهزة - ملابس) أو دمج رسائل العلامة التجارية ضمن سياق البرنامج بما يخدم تجربة المستمع وتعتمد هذه الطريقة أساسا على مهارة المحاور في إدارة الحديث وتقديم المنتجات بطريقة لا تخل بانسيابية الحوار أو بقطع حبل أفكار الضيوف.
وأفاد أن برامج البودكاست ليست بمعزل كامل عن سائر البيئة الرقمية إذ يمكن للشركات المعلنة أن تجتزئ دعاياتها على البودكاست وتقوم بإعادة نشرها على شكل مقاطع قصيرة يمكن استخدامها على مختلف المنصات الرقمية مما يخلق منظومة استثمارية متكاملة تتجاوز الإعلان المباشر وتبني قيمة طويلة المدى.
من جانبه قال الأستاذ في قسم الإعلام بجامعة الكويت الدكتور محمد العتيبي لـ(كونا) إن (البودكاست) لم يعد مجرد صيغة إعلامية بديلة أو مساحة للترفيه بل تحول إلى رافعة حقيقية للتأثير في مختلف المجالات وضامنا لحرية الطرح والقدرة على تجاوز قيود الزمان والمكان مما منحه مكانة متميزة في المشهد الإعلامي وجعل منه جسرا يصل مباشرة بين صانع المحتوى وجمهوره دون وسيط تقليدي.
وأضاف العتيبي أنه مع استمرار تطور التكنولوجيا وتوسع قاعدة المستمعين عالميا "يبدو أن البودكاست لن يكتفي بدور المكمل للإعلام التقليدي إنما سيتحول تدريجيا إلى أحد أعمدته الأساسية واضعا حجر الأساس لمرحلة جديدة من الإعلام الرقمي القادرة على صناعة وقيادة الرأي العام في آن معا".(النهاية)

ع ل / ت م


MENAFN06102025000071011013ID1110154452

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.