
صدمة الـ 6 تريليونات دولار.. كيف حوّل الذكاء الاصطناعي الفن إلى احتكار وألغى وظائف المبدعين؟
تضع التكلفة الباهظة لتدريب النماذج التوليدية العملاقة، مثل "شات جي بي تي" و"جوجل جيمني"، حاجزاً رأسمالياً هائلاً، مؤكدة أن القوة الاقتصادية في إنتاج الفن لم تعد بيد الفنانين، بل في يد الخوارزميات ورؤوس الأموال التكنولوجية، هذه التحولات الجذرية هي محور الصراع بين الإبداع البشري وقوة الآلة.
فجوة القيمة
في خضم هذه التحولات، أثبت الفن المُعزز بالذكاء الاصطناعي قدرته على خلق قيمة سوقية ضخمة بسرعة غير مسبوقة، مدعوماً بقرارات جريئة من كبرى دور المزادات، ففي فبراير 2025، دخلت دار كريستيز التاريخ بافتتاح أول مزاد مخصص بالكامل للأعمال الفنية المُنشأة بمساعدة الذكاء الاصطناعي، بعنوان "الذكاء المُعزز" (Augmented Intelligence).
ورغم الانتقادات، حقق إجمالي مبيعات بلغ نحو 728,784 دولاراً، مما يمثل دخولاً رسمياً وموثقاً للذكاء الاصطناعي إلى سوق الفنون الراقية.
وقد شهد هذا المزاد أرقاماً فردية قياسية، حيث حقق عمل تحريكي للفنان الرقمي الشهير رفيق أناضول أفضل سعر في المزاد بلغ 277,200 دولار، تكتسب هذه الأرقام أهمية خاصة عند مقارنتها بإجمالي إيرادات سوق الفن العالمي التقليدي، الذي استقر عند 67.8 مليار دولار سنوياً وفقا تقرير "آرت بازل ومناطق يو بي إس" لعام 2024.
هذا التفاوت يسلط الضوء على ما أسماه الخبراء بـ "فجوة القيمة"؛ حيث لا يزال السوق يمر بمرحلة اختبار للتقييم تسبق الاستقرار، إذ لم تُبع 14 قطعة من أصل 34 عُرضت في مزاد كريستيز، مما يؤكد أن قيمة الفن المُنشأ بالذكاء الاصطناعي لا تزال غير مستقرة وتتطلب تثقيفاً أكبر للجمهور.
إن القوة الاقتصادية وراء هذه الثورة تؤكد أن مستقبل الفن لم يعد في يد الرسامين، بل في يد مهندسي الخوارزميات، فبينما تقدر قيمة قطاع الفنون التشكيلية التقليدية بعشرات المليارات، وصلت القيمة السوقية لشركات البنية التحتية للذكاء الاصطناعي، مثل "إنفيديا " و "مايكروسوفت" ، إلى ما يتجاوز 6 تريليونات دولار، وهو تفوق مالي هائل.
هذا التفوق يُترجم إلى تكلفة رأسمالية ضخمة تُرَسِّخ الاحتكار في الإبداع الفني، حيث يكلف تدريب نماذج توليد الصور المتقدمة مئات الملايين من الدولارات في وحدات معالجة الرسوميات (GPUs).
يؤكد هذا الواقع أن غالبية التمويل الخاص العالمي للذكاء الاصطناعي التوليدي، الذي بلغ 33.9 مليار دولار في عام 2024، يذهب نحو الشركات الكبرى التي تستطيع تحمل هذه النفقات، مما يخلق "اقتصاد الذكاء الاصطناعي الثنائي" في الفن وفقا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي، ستانفورد إتش إيه آي 2025.
والأخطر في هذا السياق الاقتصادي هو مفهوم "التكلفة الحدية الصفرية" (Zero Marginal Cost)؛ فبمجرد تدريب النموذج بتكلفة رأسمالية ضخمة، فإن تكلفة إنتاج عمل فني إضافي جديد تقترب من الصفر.
هذا يهدد بـ إغراق سوق الفنون بكميات غير محدودة من المحتوى المُولَّد، مما يخفّض القيمة السوقية للأعمال الفنية التي تتطلب وقتاً وجهداً بشرياً حقيقياً.
صدمة الشرعية
بعيداً عن الأرقام والقوانين، يواجه الذكاء الاصطناعي أزمة شرعية عميقة في صالونات النقد الفني والمعارض الإقليمية الكبرى، وفي هذا الإطار، سلط بابلو ديل فال ، المدير الفني لـ آرت دبي ، الضوء على هذا التحدي قائلاً: "مهمتنا في المعرض لم تعد تقتصر على عرض الجماليات، بل تضمنت مسؤولية التأصيل الأخلاقي للعمل.
وأضاف : الذكاء الاصطناعي يجعلنا نتساءل: هل القيمة كامنة في العملية أم النتيجة؟ سنظل نركز على الأعمال التي تظهر تفاعلاً حقيقياً وملموساً مع الإبداع البشري وليس مجرد مُخرجات آلية."
هذا الطرح يؤكد أن مقاومة الذكاء الاصطناعي في قطاع الفنون ليست مقاومة للتقنية، بل هي دفاع عن المعنى العميق للقيمة الفنية.
التحدي الوجودي
يواجه الفنانون تحدياً مزدوجاً: قانوني ووظيفي. أولاً، في الجانب القانوني، تتركز المعارك القضائية حول التدريب غير المرخص، حيث رفعت شركات إعلامية وفنية كبرى (مثل ديزني ويونيفرسال) دعاوى ضد منصات توليد الصور.
ورغم أن مكتب حقوق النشر الأمريكي يرفض تسجيل الأعمال التي تُنشأ بالكامل بواسطة الذكاء الاصطناعي، فإن أحكاماً قضائية في دول أخرى، مثل الصين، أثارت جدلاً واسعاً بمنحها حق النشر لبعض الأعمال المولدة بالذكاء الاصطناعي شرط وجود تدخل بشري إبداعي واضح.
ثانياً، في مجال الوظائف واقتصاد المبدعين (Creator Economy)، تشير أحدث الدراسات إلى أن وظائف "العاملين المعرفيين" الأكثر عرضة للخطر هي تلك التي تتطلب مهارات فنية وإبداعية.
فقد أفاد تقرير صادر عن مركز أبحاث مؤسسة أكسفورد بأن ما يصل إلى 40% من الوظائف المرتبطة بـ التصميم الجرافيكي، الرسوم المتحركة، والمهام الكتابية الإبداعية معرضة للأتمتة الكاملة أو الجزئية في السنوات الخمس القادمة.
وفي تحليل مالي موازٍ، أفادت تقارير الاستثمار أن الأتمتة الإبداعية قد وفرت على استوديوهات الإنتاج الكبرى ما يقدر بـ 11.2 مليار دولار في تكاليف الأجور السنوية لرسامي الخلفيات والمصممين المبتدئين في عام 2024، مما يبرز الأثر الاقتصادي المباشر على العمالة، بحسب تقرير "ديلويت"، تقرير الإبداع الرقمي 2025.
مع تزايد سيطرة نماذج الذكاء الاصطناعي، يركز البحث في الاقتصاد الإبداعي على التخصصات الناشئة التي لا يمكن أتمتتها بسهولة، وتشير تقارير سوق العمل إلى أن الطلب يرتفع بشكل جنوني على مهارات هندسة التوجيه الإبداعي ، أي فن توجيه نماذج الذكاء الاصطناعي للحصول على نتائج جمالية معقدة.
كما أصبحت وظائف مدقق البيانات الفنية (Art Data Curator) محط اهتمام كبير.
وللتخفيف من أثر الاحتكار التكنولوجي، بدأت الحكومات العالمية تتدخل، أعلنت دول أوروبية وآسيوية في عام 2025 عن خطط تحفيز واستثمار بقيمة تجاوزت 1.5 مليار دولار مخصصة لـ مشاريع البحث والتطوير المفتوحة المصدر (Open-Source R&D) في الذكاء الاصطناعي التوليدي، بهدف كسر هيمنة الشركات الكبرى وتوفير أدوات إبداعية بتكلفة أقل للفنانين والشركات الصغيرة في الاقتصاد الإبداعي ، وفقا لتقرير فاينانشال تايمز
هذا التوجه يسلط الضوء على أن الصراع الاقتصادي لم يعد بين الفنان والآلة، بل بين رأس المال المغلق (Proprietary Capital) والابتكار المفتوح.
ويؤكد ساتيا ناديلا، الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، أن الذكاء الاصطناعي هو "لحظة الأجيال" في تاريخ التكنولوجيا التي تُعيد تعريف كل خدمة تقدمها الشركة ، ما يعكس الإيمان المطلق بالنمو غير المحدود المدفوع بالذكاء الاصطناعي.
وفي الوقت ذاته، تحول سوق الرموز غير القابلة للاستبدال (NFT) من المضاربة الفنية إلى التطبيق العملي في عام 2025، حيث يركز على دمجها في العملة الرمزية للأصول الحقيقية ، مما يمثل خطوة نحو "تنظيف" السوق واستعادة مصداقية هذه التقنية وفقا لتقرير نشر في "كريبتوموس.
و يبرهن هذا المشهد المالي والقانوني بأننا لا نشهد مجرد موجة تقنية عابرة، بل تحولاً جذرياً يهدد الاقتصاد الإبداعي ويؤكد أن رؤوس الأموال التكنولوجية هي من ستحدد هوية "العقل الجديد" للفن.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
تكريم الثقافة الأردنية عبر قطاع الضيافة: رؤية مدير عام فندق سانت ريجيس...
فصل التيار عن مناطق في أغوار الشمال - اسماء...
لقاء ترامب نتنياهو... ما بين الخروج عن المألوف والسيناريو المكرر...
رسالة من المريخ... أوبورتيونيتي تكشف الأسرار التي أخفتها 15 عاماً...
أسعار النفط ترتفع متجهة نحو أكبر مكاسب أسبوعية في 3 أشهر...
مكتبة محمد بن راشد تطلق مبادرة "أفق المعرفة"...