
بين الرمزية والواقع: فلسطين تُقتل رغم الاعتراف الدولي بقلم سالي ابو عياش
على الورق، يبدو هذا الحدث مهما، كأنه خطوة نحو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، لكن على الأرض الواقع يجيب بصوت مدوٍ: الاحتلال مستمر، القصف لا يتوقف، المدنيون يُذبحون يوميا، والاستيطان يتوسع بلا هوادة.
بينما تتصدر الأخبار بيانات الاعتراف الدولية، يعيش الفلسطينيون حياتهم اليومية تحت آلة القتل والهدم والتهجير، ويُترك لهم الشعور بالخذلان أمام العالم.
فالمفارقة الكبرى تكمن في الدول التي تُعلن الاعترافبفلسطين وهي معترفة ايضاً ب "دولة إسرائيل"، فريطانيا على سبيل المثال هي الدولة التي فتحت الباب أمام المشروع الاستعماري الإسرائيلي عبر وعد بلفور قبل 77 سنة، لتأتي اليوم وتعلن اعترافاً رمزياً بـ "فلسطين"، وكأنها تحاول غسل يديها من دم التاريخ. ذات المفارقة تنطبق على دول أخرى، مثل فرنسا والدول الأوروبية، بينما دول مثل اليابانوألمانيا لم تعترف بعد دون إعلانها عن أسباب واضحة لذلك هذا التباين يعكس أن الاعتراف الدولي لا يعتمد على العدالة أو الحق، بل على مصالح سياسية واستراتيجيات إقليمية.
فالواقع أن الحرب مستمرة، الاستيطان يتوسع، والمجازر اليومية لا تتوقف، بغض النظر عن الاعتراف الرمزي أو حتى عن رفع الأعلام في الأمم المتحدة.
لكن السؤال الأكثر إلحاحاً يبقى: ماذا يعني هذا الاعتراف عملياً على الأرض؟
الحقيقة الصادمة حتى أن الدول المعترفة عاجزة عن حماية هذا الاعتراف. ففي مجلس الأمن، الفيتو الأمريكي يحجب أي قرار يمكن أن يرفع الظلم عن الفلسطينيين أو يضع حداًللاحتلال والاستيطان والمجازر. الاعتراف إذن يبقى شعارات فارغة، لا يُرجع أرضاً، ولا يوقف الاستيطان، ولا يحمي المدنيين من آلة القتل اليومية. حتى لو أعلن المجتمع الدولي فلسطين دولة، سيظل الفلسطينيون بلا حماية فعلية على الأرض، والاحتلال مستمر بلا توقف.
الفلسطينيون اليوم يعيشون بين ورقة الاعتراف الدولي وواقع الدم والدمار. دولة على الورق، شعب يُقتل على الأرض. والأرض تُبتلع يوميا، والمجازر لا تتوقف.
أذن إن الاعتراف الدولي لم يعد أكثر من شعار سياسي، يزين الصورة أمام الرأي العام الدولي، لكنه عاجز عن حماية شعب يعيش الذل والموت يوميا.
رغم رمزيته الاعتراف إلا أنه يحمل أهمية معنوية للفلسطينيين فعلى الأقل يؤكد أن القضية الفلسطينية ما زالت حاضرة على الساحة الدولية، وأن هناك من يعترف بحقهم في الدولة، حتى لو كان مجرد إعلان رمزي بلا قوة فعلية. هنا يبرز التناقض الكبير: الفلسطينيون يشكرون الدول على هذا الاعتراف، لأنه معنوياً يمنحهم شعوراً بأن قضيتهم لا تُنسى، لكن عمليا، يطرح السؤال مرة أخرى: ماذا سيقدم هذا الاعتراف؟
فالدول الغربية التي تعلن اعترافها بفلسطين هي نفسها التي تقدم الدعم العسكري والاقتصادي لإسرائيل، وتغطي تجاوزاتها، ما يعكس أن الاعتراف مرتبط بالمصالح السياسية أكثر من كونه التزاماً بالقانون الدولي أو العدالة. كل هذه التحركات تكشف أن الاعتراف الدولي ليس عدالة، بل لعبة مصالح سياسية، والرمزية وحدها لا توقف القتل ولا تعيد الأرض ولا تحمي المدنيين من المجازر اليومية.
حتى على مستوى القانون الدولي، يظل الاعتراف بلا تأثير مباشر على الأرض. الفلسطينيون يعيشون ضمن دولة محتلة، لا تمتلك سلطتها الكاملة على أراضيها أو حدودها أو اقتصادها. الاعتراف الدولي، مهما كان واسعا، لا يفرض على الاحتلال احترام أي قرار، ولا يمنع الهجمات اليومية على المدنيين، ولا يوقف تدمير البنية التحتية. كل ما يقدمه هو مجرد شعور معنوي مؤقت، يُسجل في وسائل الإعلام والبيانات الرسمية، لكنه عاجز عن حماية حياة الفلسطينيين وأرضهم.
أما الدول التي تعلن الاعتراف بفلسطين تحت ذريعة جهود حل الدولتين، فهي تطرح شعارات لا علاقة لها بالواقع. السؤال المنطقي هنا: أي جهود لحل الدولتين؟ منذ عدوان أكتوبر 2023 وحتى اليوم، كل جهود المجتمع الدولي لم توقف الحرب، ولم تمنع الاستيطان، ولم تُجبِر إسرائيل على التراجع عن الضم أو العدوان. حتى الدول التي وقعت اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل، مثل الإمارات، أعلنت دعمها لإسرائيل تحت ذرائع وقف الاستيطان في الضفة، لكن إسرائيل ردّت مباشرة بضم 5000 وحدة سكنية جديدة، مستمرة في سياسات الاستيطان، بينما التطبيع الدبلوماسي استمر دون أي ردع.
الواقع على الأرض يكشف أن كل هذه الشعارات والدبلوماسية الرمزية هي مجرد خداع للعين. لا دولة فلسطينية حقيقية، ولا دولتان كما يتحدثون، حتى أن مشروع حل الدولتين مات منذ زمن فقط غطرسة الاحتلال واستمرار المجازر والاستيطان. الشعارات الدولية عن حل الدولتين أو وقف الاستيطان تصبح مضحكة أمام الدماء المهدورة والأرض المحتلة. الفلسطينيون يواجهون الحقيقة اليومية: الاعتراف الدولي والحلول المزعومة بلا أثر على الأرض، بينما الاحتلال يمارس سيطرته بلا توقف.
وعلى الرغم من هذا الواقع القاسي، لا يمكن إنكار بعض الفوائد الرمزية للاعتراف الدولي. إنه يمنح الفلسطينيين شعوراً بأنهم لا يزالون مرئيين على الخريطة السياسية، وأن هناك دولاً لا تزال تعترف بحقهم في الدولة، حتى لو كان ذلك على الورق فقط. لكنه يبقى سؤالهم الأكبر: هل هذا الاعتراف يمكن أن يمنع القصف اليومي، أم أنه مجرد شعارات على ورق تُزين خطاب الدول؟ الإجابة على الأرض واضحة: لا شيء يتغير.
فالاعتراف الرمزي يضع الفلسطينيين في موقف مزدوج. من ناحية، يمنحهم شعوراً بالتمثيل والاعتراف الدولي، وهو معنوياً قوة لدعم صمودهم، لكن من ناحية أخرى، يجعلهم يواجهون حقيقة أن الأرض لا تُسترد إلا بالجهد الشعبي والمقاومة، وليس بالقرارات الرمزية. الفلسطينيون يشاهدون كل يوم قوات الاحتلال تتوسع، المستوطنات تنتشر، الحصار يزداد، والمدنيون يُقتلون، بينما تتكرر الشعارات نفسها عن "الاعتراف الدولي".
في نهاية المطاف، تظل الحقيقة مؤلمة: فلسطين على الأرض ليست دولة حقيقية، بل قضية رمزية تُرفع على المنابر الدولية، بينما الاحتلال يواصل هيمنته. كل الشعارات والبيانات والاعترافات لا تُقابل بأي فعل عملي، والفلسطينيون هم الذين يدفعون الثمن الحقيقي، يوميا وبكل دماءهم.
وفي هذا السياق، يظل سؤالنا مطروحاً بلا إجابة: شو قيمة هالاعتراف؟
الجواب، وفق الواقع، صريح وواضح: على الأقل معنوياًيساعدنا على التمسك بحقنا ووجودنا، لكنه فعلياً لا يقدم لنا شيئا على الأرض.
فهو مجرد شعارات، والفلسطينيون هم الذين يختبرون كل يوم الفرق بين الرمزية والواقع، بين الإعلان على الورق وبين الدماء على الأرض. وفي النهاية، يبقى الشكر المرير على الأقل: شكراً على الاعتراف، معنويا نشكر، لكن فعلياً ماذا قدمتم؟
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
وزيرة التنمية تلتقي مدير عام مركز الفينيق للدراسات وأعضاء من تحالف هم...
الأمن العام: ترفيع الدويري والشرايدة إلى رتبة لواء وإحالتهما إلى ا...
I10 تتألق في فعالية“ودّع الصيف مع هيونداي”...
بريطانيا تضع 3 شروط للاعتراف الكامل بفلسطين: المناهج والرواتب والانتخا...
"آيكوم دبي 2025".. منصة عالمية لتعزيز الحوار العالمي واستشراف مستقبل ...
الرئيس عباس : اشكر دول العالم التي اعترفت بدولتنا وجاهزون للعمل مع ال...