اعتراف بلجيكا بفلسطين: دعم رمزي أم تحول دبلوماسي؟ محمد زيات

(MENAFN- Palestine News Network ) أعلنت بلجيكا نيتها الاعتراف رسمياً بدولة فلسطين خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة للأمم المتحدة، مصحوبة بفرض 12 عقوبة على إسرائيل، من بينها منع استيراد منتجات المستوطنات ومراجعة التعاون الاقتصادي، تأتي هذه الخطوة في سياق تصعيد دبلوماسي غربي يهدف إلى ممارسة ضغط على إسرائيل، وسط خلافات دولية حول جدوى الاعتراف الأحادي وشرعيته.

من المعروف أن 147 دولة من أصل 193 في الأمم المتحدة تعترف اليوم بفلسطين كدولةمستقلة، لكن أن تأتي هذه الخطوة من دولة أوروبية مثل بلجيكا فهذا يختلف، لأن أوروباتاريخياً ترددت في تجاوز الخطوط التي تضعها واشنطن، وبروكسل هنا حاولت أن تقول: كفى، الجمود لا ينفع ولو بشكل رمزي ومع ذلك، لم يكن اعترافاً مطلقاً، بل مشروطاًبإطلاق سراح الرهائن وانسحاب حماس من مناطق معينة، الشرط وحده يكشف أنالقرار ليس بعيداً عن حسابات السياسة الغربي.

بلجيكا وفلسطين: تاريخ من المواقف المتذبذبة

الموقف البلجيكي ليس جديداً بالكامل إتجاه القضية الفلسطينية، فمنذ سبعينيات القرن الماضي، لعبت بروكسل أدواراً متباينة تراوحت بين دعم القرارات الأممية لصالح الفلسطينيين، وبين الحذر من تجاوز الخطوط الحمراء التي تضعها الشراكة مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، كما برزت بلجيكا، بحكم استضافتها مؤسسات الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو، كمساحة اختبار لمواقف أوروبية جماعية، ما جعلها أكثر تردداً في اتخاذ خطوات منفردة.

العلاقة مع إسرائيل: مصالح اقتصادية وحدود سياسية

رغم الانتقادات البلجيكية المتكررة للاستيطان وسياسات الاحتلال، إلا أن العلاقات الاقتصادية بين بروكسل وتل أبيب بقيت قائمة، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والماسوالتجارة البحرية عبر ميناء أنتويرب ومجالات عديدة أخرى، وتخشى بعض الأوساط البلجيكية أن يفتح الاعتراف بفلسطين باب توتر اقتصادي وسياسي مع إسرائيل، التي عادة ما ترد على مثل هذه المبادرات بسلسلة ضغوط دبلوماسية وإعلامية، ومع ذلك فإن فرض عقوبات اقتصادية مثل منع استيراد منتجات المستوطنات قد يشير إلى استعداد بلجيكي لتجاوز الحسابات التجارية لصالح موقف أخلاقي وقانوني، وفي نفس الوقت تطمئن بلجيكا إسرائيل باعترافها المشروط وكأنها تقول (نحن مع فلسطين، لكننا لا نريد قطع الجسور كلياً)

الانقسام الأوروبي: بين المبادرة والجمود

الاعتراف البلجيكي لا ينفصل عن السياق الأوروبي الأوسع، فالاتحاد الأوروبي يعاني منذ سنوات من انقسام حاد حول كيفية التعامل مع الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي،فبعض الدول مثل السويد وإيرلندا ومالطا أقدمت على الاعتراف الرسمي بفلسطين، بينما بقيت قوى كبرى مثل ألمانيا وفرنسا مترددة، خوفاً من تأثير ذلك على العلاقات مع إسرائيل والولايات المتحدة، ومن هنا يُنظر إلى المبادرة البلجيكية كاختبار جديد لإمكانية تحريك الموقف الأوروبي الجماعي باتجاه أكثر جرأة نحو الاعتراف بدولة فلسطينية.

البعد الفلسطيني: دعم معنوي لا يعالج الانقسام

على المستوى الفلسطيني الداخلي، يمثل اعتراف بلجيكا مكسباً معنوياً للسلطة الفلسطينية التي تعاني من تراجع الدعم الدولي والإقليمي بالسنوات الأخيرة، فتارةً تراجع هذا الدعم بسبب حسابات سياسية واقتصادية لهذه الدول، وتارتاً أخرى جاءالضغط الدولي على السلطة الفلسطينية لتنفيذ اجندات معينة، مما جعل هذا الدعم مشروط بتنفيذ هذه الأجندات، وعودتاً لهذا الاعتراف فإنه لن يكون قادراً وحده على معالجة الانقسام بين غزة والضفة، ولا على تقديم حلول عملية للتحديات السياسية والأمنية، ويبقى السؤال حول مدى قدرة القيادة الفلسطينية على استثمار هذا الاعتراف لتقوية منصتها الوطنية وتعزيز خطابها الدبلوماسي والذي تحاول جاهدتا العمل عليه على مدار السنوات السابقة في كل المحافل الدولية.

الموقف الإسرائيلي: بين الرفض والتصعيد

من المتوقع أن تواجه بلجيكا رفضاً إسرائيلياً حاداً، إذ اعتادت تل أبيب النظر إلى مثل هذه الخطوات على أنها محاولات لنزع الشرعية عنها أو كما تطلق عليه“مكافأة لحركة حماس” وقد تلجأ الحكومة الإسرائيلية إلى تقليص التعاون الاقتصادي أو التصعيد الإعلامي ضد بروكسل، في محاولة لردع دول أوروبية أخرى عن السير في المسار نفسه، ويبقى السؤال هل تنجح إسرائيل عبر أدواتها الإعلامية وضغوطها السياسية في كبح السيل الأوروبي من أجل منع هذا الاعتراف وخاصة بعد اعلان دول مركزية في الاتحاد الأوروبي مثل فرنسا عن نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية؟

أبعاد قانونية ودبلوماسية

من الناحية القانونية، يشكل الاعتراف البلجيكي إضافة مهمة إلى سجل الاعترافات الدولية التي تمنح فلسطين زخماً أكبر في المحافل الأممية، لكنه في الوقت نفسه مشروط بإطلاق سراح الرهائن وانسحاب حماس من مناطق الحكم، ما يثير تساؤلات حول مدى استقلالية القرار البلجيكي عن الحسابات السياسية الغربية، ومدى واقعيته من الناحية العملية في ظل التعقيدات الميدانية الحاصلة في هذه المرحلة.

ما بعد بلجيكا: هل يتوسع الاعتراف الأوروبي؟

يبقى السؤال الأساسي: هل تمثل هذه الخطوة محطة رمزية فقط، أم مقدمة لتحول أوسع في السياسة الأوروبية؟ فلو تبعت دول مثل فرنسا أو بريطانيا أو كندا الخطوة البلجيكية، فإن ميزان الضغط الدولي على إسرائيل قد يتغير فعلاً، أما إذا بقيت المبادرة معزولة، فقد ينتهي الأمر باعتبارها مجرد موقف رمزي جديد في سجل طويل من البيانات الأوروبية غير الملزمة.

وفي الختا في النهاية، يحمل الاعتراف البلجيكي بفلسطين دلالات متعددة تتراوح بين الرمزية والدبلوماسية، والنجاح الحقيقي للإعتراف لن يُقاس بالتصريحات وحدها، بل بمدى قدرة الفلسطينيين على استثماره، وبمدى استعداد أوروبا لتوحيد موقفها تجاه حل الدولتين،وبينما يبقى المشهد معقداً ومفتوحاً على احتمالات عديدة، فإن الخطوة البلجيكية أعادت على الأقل طرح القضية الفلسطينية في قلب النقاش الأوروبي والدولي من جديد، مما يشجع على حذو الكثير من الدول سواء على مستوى دول الإتحاد الأوروبي او دولاً أخرى نحو الإعتراف بدولة فلسطينية شريطة ان تتوافر النوايا الأخلاقية لدى هذه الدول على تنفيذ مثل هذه الخطوة

MENAFN12092025000205011050ID1110053403

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

آخر الأخبار