فنون البحر الإماراتية.. أهازيج تصدح بجواهر التراث وشيم الأجداد

(MENAFN- Al-Bayan) يزخر التراث الإماراتي بفنون إبداعية تفيض روعة وجمالاً، وتشرق بإيقاعات نغمية غنية بالطرب والألحان، وتلتحم خلالها كلمات مفعمة بالأحاسيس والمشاعر، استقاها الأولون من حياة البحر المحفوفة بالمعاناة والأهوال والأخطار، فجادت قرائحهم بكثير من الأشعار والأناشيد المؤثرة ذات الحِكم الرصينة والعبارات الأنيقة.

وخلال جلسة حوارية عنوانها ((صوت اليامال))، أقامتها أخيراً هيئة الشارقة للمتاحف في متحف الشارقة البحري، استعرض نخبة من الباحثين والفنانين قضايا مهمة ضمن أسرار الغناء البحري وأهازيج الغوص.

وتحدثوا عن أثر البيئة البحرية في تحديد طبقة الصوت المستخدمة في أداء النهمات المختلفة، وتناولوا بهذا الصدد ألواناً تراثية متشعبة، مثل: فنون اليرار، وتزويد المحمل، والتقصيرة، والخطيفة، واليامال، والهولو، والحدوة، وغيرها، كما اشتملت الجلسة على تقديم نماذج بديعة من الأهازيج لاقت إعجاب الحضور.

خصوصية وتميز

وقال الفنان إبراهيم جمعة، مستشار الفنون بمركز حمدان بن محمد لإحياء التراث، في تصريح لـ((البيان)): إن الفنون الشعبية الإماراتية تختلف عن سائر الفنون الخليجية في لهجتها وبعض طقوسها، وإن ثمة خصوصية تميزها في مصطلحاتها.

مشيراً إلى فن ((العيالة)) الإماراتي مثلاً يشتمل ((سيناريو)) في صورة معركة حربية، وأن هذا التصور يتضح من الفعل ((عال)) المشتق منه مصطلح ((العيالة))، وهو بمعنى: ((بدأ المعركة)).

وبيّن أن الطبول هي التي تقود الفرقة خلال أداء فن ((العيالة))، وأن استخدام العصي يرمز إلى تلك الحرب المتخيّلة بين الفريقين عند الاشتباك والهجوم المتبادل بينهما، في حين تشير الصفوف إلى القبائل، لافتاً إلى أن الحركة المشهورة بهز الرقاب وتمايل الرؤوس تدل على الفرح والإحساس بالانتصار.

وأكد أن فنون الغوص تزخر بكثير من الشلّات البحرية المرتبطة بجر المجداف وخطفة الشراع وغيرهما من الأعمال المتعلقة بتلك المهنة القديمة، منوهاً بأن علاقته الشخصية بهذا الإبداع التراثي ترجع إلى بداياته؛ إذ كان طفلاً يمارس فنون البحر بصورة يومية.

وقال إبراهيم جمعة: ((والدي وأعمامي وأخوالي وإخوتي كانوا جميعاً غواصين، ونسكن في حي الضغاية بدبي، الذي يعني اسمه: صيادي السمك، ومعظم سكانه من البحارة والغواصين والسماكين))، موضحاً أنه تعايش مع تلك الأجواء، بما يحيطها من جمل شعبية وألوان موسيقية، وانتشى بها حتى أصبحت فنون البحر من فنونه الأساسية.

ودعا إلى ضرورة ضخ دماء جديدة في الفن الشعبي المتوارث عن طريق جمعيات الفنون الإماراتية التي ينبغي أن تكون لها ميزانياتها السنوية الخاصة؛ بهدف صناعة جيل صاعد يحمل لواء هذا الإبداع، مشدداً على أهمية استخدام الحوافز المجزية لتشجيع الشباب على ممارسة فنون أجدادهم الأصيلة والحرص على حمايتها من الاندثار.

ولفت إلى أن في الإمارات قامات إبداعية كثيرة من مؤلفين وملحنين ومطربين في مجال الفن الشعبي، لا ينقصهم إلا الدعم السخي لإنتاج أغانيهم، مبيناً أن الفنون الشعبية هي أساس الهوية الإماراتية، وركن رئيس في تكوين الدولة والمجتمع، وبها يُعبَّر عن العادات والتقاليد والتاريخ.

وأكد الفنان والباحث علي خميس العشر، خبير التراث الفني في معهد الشارقة للتراث، مدير فرقة ((زينة الشارقة)) الشعبية، أن الفنون البحرية توحد ثقافات شعوب دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وإن كان للإمارات لونها الذي يميزها في هذا المجال.

موضحاً أن الفنون الإماراتية تختلف كلياً من حيث عدم وجود إيقاعات موسيقية خارجية في معظمها، واعتمادها على براعة الفنان في أداء الإيقاع النفسي بإحساسه الذاتي.

وتطرق العشر إلى الحديث عن فن ((العيالة)) الذي أساسه فن ((العرضة)) أو ((الرزيف)) المعروف لدى عموم أهل منطقة الخليج، إلا أن له شكلاً مختلفاً وأسلوباً مميزاً في الإمارات فيما يتعلق بإيقاعاته وأناشيده وحركاته الفنية، مستشهداً بقصيدة ((طير يا اللي صعد في الجو ما جاها))، وما يعتريها من اختلاف أدائها في اللحن وسرعة الإيقاع، بالرغم من اتفاق كلماتها لدى جميع من يؤديها.

ونوّه بالاهتمام الذي توليه الدولة، ممثلة بشيوخها ومؤسساتها، للفنون الشعبية؛ بغرض تعزيز الحفاظ عليها واستمرار توارثها جيلاً بعد جيل، داعياً إلى تكثيف الجهود لدفع الشباب نحو تراثهم الفني الأصيل بواسطة المكافآت المالية، ولا سيما بالعصر الراهن الذي يصعب فيه اجتذاب النشء المولع بوسائل الترفيه التقنية المتعددة.

واستعرض الإنجازات المتحققة خلال نحو 5 سنوات في سبيل تأسيس فرقته الشعبية ((زينة الشارقة)) التي يديرها، والتي اختار اسمها وتبناها صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مشيراً إلى أنه تم تحويل إدارتها إلى معهد الشارقة للتراث.

همة وحماس

ولفت الباحث التراثي جمعة بن ثالث، رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للغوص، إلى الدور المهم الذي كانت تؤديه الفنون البحرية لزيادة همة البحارة على ظهر السفينة وإشعال جذوة حماسهم.

موضحاً أن هذا الأمر كان السبب وراء تعدد الأهازيج الشعبية التي أنتجها تنوع الأعمال. وقال بن ثالث: ((كان لدى أولئك البحارة آذان موسيقية تحسن تذوق تلك الفنون البديعة؛ لذا كانوا يطربون لكل ما يسمعونه من النهمات.

ومن ثم كانت تلك الإبداعات الفنية تحركهم لأداء أعمالهم على أحسن وجه))، مبيناً أن كثيراً من النواخذة كانوا يمنحون النهّامة أجوراً مضاعفة؛ لما يقومون به من تعزيز نشاط أفراد فريق العمل.

وأكد أهمية حضور المناسبات والاحتفالات الحافلة بألوان شتى من فنون البحر، مشيراً إلى أن الفنون البحرية كانت حافزاً لتوطيد الروابط بين الفنانين بعضهم مع بعض، الذين اشتملت حياتهم على الاشتغال بالعمل في البحر صباحاً، وإطراب الناس بأهازيجهم العذبة مساءً.

ورأى أن الطفرة التقنية، التي نعايشها اليوم على مستوى ما هو مرئي ومسموع، تشكل داعماً لنشر الثقافة بالفنون التراثية إذا أُحسن توظيفها، لافتاً إلى أن منصات التواصل بأشكالها المختلفة يمكن أن تساعد على سهولة الاطلاع على المهرجانات التي تشهدها إمارات الدولة خلال المناسبات المتنوعة.

MENAFN11092025000110011019ID1110051490

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.