الدبُ الصغير.. بطل قومي في بريطانيا ضد انتحار الذكور

(MENAFN- Al-Bayan) ">في قلب مدينة بريستول، تقف منحوتة صامتة من الخرسانة، تُجسّد رجلاً مُحاطاً بعالمٍ من القلق، لكنه يجد الراحة في دب صغير يواسيه.

بعد مرور خمس سنوات على تثبيتها، لا يزال فنانها المجهول يصر على أن رسالتها حية، وأن "علينا مواصلة الحديث" في وجه أزمة لا تعرف الصمت: انتحار الذكور.

تم تركيب منحوتة "تحملني" (Bear With Me) على طريق "جاكوبس ويلز" في سبتمبر 2020، بمناسبة اليوم العالمي للوقاية من الانتحار.

لكن الفنان، الذي فضل إخفاء هويته، يقول إن معدلات الانتحار بين الذكور لا تزال تمثل مشكلة بنفس الخطورة التي كانت عليها.

"لقد قمت بتركيب هذا التمثال خلال فترة الجائحة، لكن الناس اليوم يعانون لأسباب مختلفة، وبنفس القدر"، هكذا قال في تصريح مؤثر.

قبل حوالي 11 عاماً، حوّل الفنان أولوياته من البحث عن النجاح التجاري إلى صنع بيانات فنية واستفزاز حوارات مجتمعية.

هذا التغيير الجذري دفعه إلى "القيام بعكس ما يُعرف عن الفن تماماً"، وذلك عبر زرع منحوتاته في الأماكن العامة ليجدها الناس بالصدفة، مما يثير لديهم فضولاً وتفاعلاً حقيقياً.

وفقاً لمنظمة الصحة العالمية و مكتب الإحصاءات الوطنية البريطاني (ONS)، الذي يُعد المصدر الرسمي لهذه البيانات.، تُعد معدلات الانتحار بين الذكور أعلى بكثير منها لدى الإناث في معظم دول العالم.

وفي المملكة المتحدة وحدها، تُشير أحدث البيانات إلى أن أكثر من ثلاثة أرباع حالات الانتحار المُسجّلة في عام 2023 تم تسجيل 5,656 حالة انتحار في إنجلترا وويلز، منها 4,188 حالة لذكور، وهو ما يضعهم أمام تحدٍ وجودي مُتفاقم.

يربط الخبراء هذه الظاهرة بالعديد من العوامل الاجتماعية والثقافية. ويُعتبر الضغط المتمثل في "الذكورة السامة" أو "التجلد" من أبرز الأسباب، حيث تُطالب المجتمعات الذكور بكبت مشاعرهم، وتجنب طلب المساعدة، واعتبار التعبير عن الضعف نوعاً من الهزيمة.

هذا الضغط، الذي أشار إليه الفنان بقوله: "يُطلب منا أن نتجلد، ونكون رجالاً، ولا نظهر مشاعرنا"، يُصبح عبئاً نفسياً هائلاً يثقل كاهلهم.

في عالم تغلبه الأرقام، تبرز أعمال فنية مثل "تحملني" كأداة قوية لكسر حاجز الصمت. فقد أشار الفنان إلى أن المنحوتة، التي يرى فيها الراحة التي توفرها ألعاب الطفولة، لا تزال تحصل على اهتمام كبير على وسائل التواصل الاجتماعي، حتى من أشخاص حول العالم. هذا التفاعل الواسع يُثبت أن الفن قادر على الوصول إلى قلوب وعقول الناس بطرق تفشل فيها الحملات التقليدية.

فالمنحوتة تُجسّد فكرة أن "كونك ضعيفاً هو قوة حقيقية"، وأن الاعتراف بأنك "لست بخير" هو الخطوة الأولى نحو الشفاء.

وقد وصل تأثيرها إلى حد تلقي الفنان رسالة من شخص كان على وشك إنهاء حياته، لكنه توقف عندما شاهد المنحوتة، في دليل على أن رسالة بسيطة يمكنها أن تُنقذ حياة.

على الرغم من أن الفنان ليس "متفائلاً جداً بأن الأمور ستتحسن"، إلا أنه يرى في استمرار الحديث بصيص أمل. فالأزمة التي بدأت خلال الوباء لم تنتهِ، بل تحورت إلى أشكال جديدة من الضغوطات الاقتصادية والاجتماعية التي تؤثر بشكل خاص على الرجال.

تُشير التقارير إلى أن الحل يكمن في إنشاء مساحات آمنة يستطيع فيها الرجال التعبير عن مشاعرهم دون خوف من الوصمة الاجتماعية.

إن دعوة الفنان إلى "مواصلة الحديث" هي في جوهرها دعوة لإعادة تشكيل المفاهيم المجتمعية حول القوة والضعف، وتحويل الاهتمام الذي حظيت به منحوتته إلى حركة حقيقية تدعم الصحة النفسية للرجال وتُقلل من معدلات الانتحار.

MENAFN10092025000110011019ID1110045333

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.