المقاهي.. دور ثقافي بارز على مر العصور

(MENAFN- Al-Bayan) من الشائع أن يتعامل عامة الناس مع المقاهي باعتبارها أماكن لقضاء الوقت، والتسلية والدردشة مع الأصدقاء، لكن الحقائق التي يكشف عنها تاريخ هذه المرافق الاجتماعية تقول العكس، فقد لعبت المقاهي منذ ظهورها منتصف القرن السابع عشر، دوراً حاسماً في دفع التطور الإنساني خطوات كبيرة إلى الأمام، إذ احتضنت العديد من الكتاب والمفكرين.

وقال الكاتب والإعلامي ضرار بالهول الفلاسي: ((كانت المقاهي في العالم العربي المكان الذي نشأت فيه الأفكار الأولى لأهم الروايات والقصائد والأعمال الفنية، بل إن كثيراً من هذه الأعمال كتبت في المقاهي، ومنها أعمال لكتاب مرموقين مثل نجيب محفوظ وروايته ((الكرنك)))).

وأضاف: ((إلى حين قريب شكلت المقاهي عناوين مهمة في العواصم العربية، ولعل الجميع يسمعون بمقهى ((ريش)) في القاهرة، ويعرفون دوره الثقافي البارز، أما مقهى ((الهورس شو)) في بيروت فقد رسخت مكانته في التاريخ الثقافي العربي واحداً من أهم المنصات الثقافية، ومسرحاً لحراك ثقافي عربي نشط، وهناك في كل عاصمة عربية مقهى يشكل عنواناً ثقافياً.

وتابع: ((الإمارات ليست استثناء، فقد عرفت العين في عشرينات القرن الماضي مقهى يملكه مصبح بن عبيد الظاهري، وفي دبي كان يوجد مقهى ((كليوباترا))، وكانت له أيضاً رسالة ثقافية، وتميز كلاهما بأنهما كانا يوفران لروادهما فرصة معرفة ما يجري حولهما في العالم، ويتيحان لهم قراءة الصحف والاستماع إلى المذياع)).

وأكد الكاتب والناشر جمال الشحي أن العلاقة بين الطلاب والتعليم من جهة، والمقاهي من جهة أخرى، لا تزال حاضرة إلى اليوم، رغم التحولات الكبيرة التي طرأت على مفهوم المقهى، ولا يصعب رؤية الكثير من طلابنا يجلسون في بعض المقاهي مع كتبهم، وينهمكون في القيام بواجباتهم الدراسية مع فنجان قهوة، بل يمكن ملاحظة أن المقاهي الحديثة تأنس بالأماكن والشوارع القريبة من مقرات الجامعات وسكنات الطلبة.

وأشار إلى أن العديد من التحولات طرأت على شكل المقاهي وتكوينها، لكن لم تسلبها أدوارها الأساسية والأصلية، وأولها القراءة، وتحول العديد منها إلى نوادٍ للقراءة، لذا لم يتراجع دور المقهى، لا يزال موجوداً في الحياة بأشكال وصيغ مختلفة.

من جهته، قال الدكتور صالح حموري من كلية محمد بن راشد للإدارة الحكومية لـ((البيان)): ((إن المقهى بمفهومه المعاصر ظهر مع وصول القهوة إلى إنجلترا خلال منتصف القرن السابع عشر، حيث شاع استهلاكها حينها لخصائص طبية مفترضة، ثم لم يلبث أن تطور الأمر حينما تحولت أماكن احتساء القهوة إلى مرافق اجتماعية عامة، يلتقي فيها الرجال للمحادثة والتجارة، ومعرفة الأخبار اليومية، ومناقشة الأمور ذات الاهتمام المشترك، مثل أحوال التجارة ومجرياتها اليومية، ومتابعة الأحداث الجارية، والتطورات السياسية، ومناقشة آخر صيحات الأزياء، وكذلك المناقشات المتعلقة بالفلسفة والعلوم الطبيعية؛ لذا، غالباً ما يربط المؤرخون المقاهي الإنجليزية، بالتاريخ الفكري والثقافي لعصر التنوير)).

ولفت إلى أن المقاهي الأولى في لندن، لم تكتفِ بعلاقتها بالثقافة، بل أدت دوراً تعليمياً رديفاً لدور الجامعات، ويقول: ((في أوكسفورد بالذات عُرفت المقاهي باسم ((الجامعات الصغيرة))، لأنها قدمت شكلاً بديلاً من التعلم للتعلم الأكاديمي المنتظم، إضافة إلى أن طلاب الجامعات كانوا يترددون عليها بكثرة، بل قيل إنهم كانوا يقضون فيها في بعض الأحيان، وقتاً أطول من الوقت الذي يقضونه في مدارسهم وجامعاتهم، كما كانت المقاهي أمكنة يلتقي فيها العلماء من أصحاب الاهتمامات المشتركة للقراءة والتعلم من بعضهم البعض والمناقشة فيما بينهم.

وتابع: ((على خلاف ما يقال عن المقاهي في حاضر أيامنا وفي حينه، كان يقال إن المقاهي أمكنة للموهوبين والأذكياء، الذين كانوا يحتاجون إلى ما هو أكثر من مجرد مكان للقاء للتواصل الاجتماعي وتبادل الأحاديث، بل إلى أماكن تحتضن مناقشاتهم الجادة والرصينة، والأهم أن كثيراً من تلك المقاهي سعت إلى تلبية احتياجات تعليمية، لا سيما في مجال الفنون والإبداع، فعملت كمراكز بديلة للتعليم الأكاديمي، وقدمت دروساً في اللغات الأوروبية، مثل الفرنسية والإيطالية واللاتينية.

وكذلك الرقص والمبارزة والشعر والرياضيات وعلم الفلك)).

MENAFN05092025000110011019ID1110024325

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.