كيف يُسهم "إرثنا" في تأهيل غابات القرم في قطر لمواجهة التحديّات المناخية؟

(MENAFN- qf) الدوحة، قطر، 20 أغسطس 2025: وسط حرارة الشمس والبيئة الصحراوية في قطر، حيث تتحدى الشمس النباتات والحياة اليومية، أصبح التكيف مع هذه الظروف البيئية والحفاظ على التنوع البيولوجي بمثابة طوق النجاة.
من النباتات الصحراوية الصامدة، مثل كف مريم، التي تُدعى ب "أناستاتيكا هيروشونتيكا" وتمتاز ببقائها مغلقة وجافة لسنوات من أجل حماية بذورها، إلى أشجار المانجروف (غابات القرم) التي تنمو في المناطق الساحلية، يُشكّل النظام البيئي في قطر مثالاً حيًا في القوة والقدرة على التكيف.
مع ذلك، يُمكن القول بأن حتى أقوى الأنظمة مهددة بالضغوط البيئية. وللمساعدة في حمايتها، أطلق "إرثنا: مركز لمستقبل مستدام"، عضو مؤسسة قطر، بالتعاون مع شركائه، مشروعًا يمتد على مدار خمس سنوات ويهدف إلى تأهيل أشجار المانجروف، وحماية الموائل الساحلية الحيوية، وزيادة أعداد أشجار المانجروف المحلية (القرم) المعروفة أيضًا ب "أفيسينيا مارينا". تجمع هذه المبادرة بين البحث العلمي والمشاركة المجتمعية والزراعة اليدويّة لضمان استمرارية النظام البيئي الحيوي في جميع أنحاء المنطقة على المدى البعيد.
تقول سارة عبد المجيد، أخصائية في التنوع البيولوجي ومديرة مشروع استعادة غابات القرم لدى "إرثنا": "تُعتبر أشجار المانجروف فريدة من نوعها لأنها الأشجار الوحيدة في قطر التي يُمكنها البقاء على قيد الحياة في منطقة المد والجزر، حيث تغمرها مياه البحر مرتين يوميًا".
تُضيف: "في حين أن معظم النباتات لا تتحمل ملوحة التربة أو المياه، إلا أن أشجار المانجروف تستطيع أن تتكيف مع تلك الظروف من خلال تصفية نسبة كبيرة من الملح بواسطة جذورها، من ثم توزيعه على الجانب السفلي من أوراقها. وتساعدها هذه العملية على التكيف مع الملوحة. كما تعتبر أشجار المانجروف موطنًا للأسماك واللافقاريات، حيث توفر لها جوًا مناسبًا، وغذاءً، ورواسب ومغذيات".
وتُتابع: "إليكم معلومة شيّقة عنها، تستطيع هذه الأشجار أن تحمي رمال السواحل من التآكل، وتعمل كحاجز طبيعي ضد حركة الأمواج التي تُشكّل الشاطئ، وتساعد في التخفيف من آثار ارتفاع منسوب مياه البحر".
أُطلق المشروع عام 2023 بدعم من مؤسسة "أم أس سي" ، وبالتعاون مع وزارة البيئة والتغيّر المناخي في قطر، وجامعة قطر، و"أغريكو" ، وهي مزرعة محلية قائمة على الإنتاج الزراعي العضوي. ويهدف المشروع إلى استعادة وزراعة 40 هكتارًا من الساحل بأشجار المانجروف – أي حوالي ما يعادل مساحة 56 ملعبًا لكرة القدم.
وعليه، تقوم كلٌ من "إرثنا" و"أغريكو" بجمع بذور هذه النبتة في شهري سبتمبر وأكتوبر، حيث نجحتا بجمع 28 ألف بذرة خلال عام 2023، بينما جمعتا 97 ألف بذرة عام 2024. ثم تُزرع الشتلات في مشاتل "أغريكو" التي أُنشئت من أجل زراعة أشجار المانجروف قبل نقلها إلى وجهتها النهائية – على السواحل، وذلك تحت إشراف الدكتورة أسبا تشاتزيفثيميو، عالمة إيكولوجية ومسؤولة عن الأمور العلمية للمشروع .
تقول سارة عبد المجيد: "يجب التعامل مع بذور المانجروف بحذرٍ شديد، إذ تُجمع البذور يدويًا وبعناية، ثم تُفرّز وتُقاس كُتلتها، وأخيرًا تُنقع في مياه البحر لمدة تصل إلى 48 ساعة، ثم تُزرع على الفور. فإذا جفت، تُصبح غير قابلة للحياة. تتطلّب عملية الزراعة جهدًا كبيرًا، ولكن بمجرد نمو بذورها، تصبح أشجار المانجروف مكتفية ذاتيًا".
من بين أصعب التحديات التي واجهها فريق المشروع كان إيجاد بيئة تحاكي بدقة موطن أشجار المانجروف الطبيعي. وبدلاً من الاعتماد على الري التقليدي بالمياه العذبة أو المالحة، اختار الفريق أسلوبًا مبتكرًا، وهو غمر أحواض الشتلات بمياه آبار مالحة لمدة ستة أيام في الأسبوع، ما منحها قوة تحمّل مذهلة رفعت نسبة نجاتها إلى 98%.
وعندما تمتد براعمها لتصل إلى ارتفاع 50 سم، يبدأ العد التنازلي، حيث تُنقل الشتلات إلى وجهتها النهائية في جزيرة العالية، أو على السواحل القريبة من منتجع زلال الصحي، أو في الرويضة، لتواصل رحلتها هناك والمتمثّلة في حماية الشواطئ ودعم التنوع البيئي.
ومع أن دولًا عدة في المنطقة بادرت سابقاً إلى تأهيل أشجار المانجروف، فإن "إرثنا" تحمل رؤية تتجاوز حدود التجربة المحلية. فهي لا تكتفي بإطلاق مشروع ناجح على أرض قطر، بل تطمح إلى وضع دليل عملي لأفضل الممارسات، يكون بمثابة خريطة طريق يُمكن أن تلهم دولاً أخرى – خاصة تلك ذات الأراضي القاحلة – لتكرار التجربة وتحقيق أثر بيئي طويل الأمد.
تُحذّر سارة عبد المجيد من مخاطر إهمال النظم البيئية بقولها: "كل كائن حي في النظام البيئي هو عبارة عن نبضة حياة للكوكب، عندما نهمل التنوع البيولوجي، سينعكس هذا علينا سلبًا حين ترد الطبيعة بقسوة. إذا لم نحافظ على غابات المانجروف ونعيد إليها عافيتها، فقد نشهد اختفاء نصف غطائها بحلول عام 2050".

MENAFN20082025007577015000ID1109952945

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.