باحث إسرائيلي وجنرال احتياط: إسرائيل من دون إستراتيجية ولا تميّز بين العدو والصديق
ميليشتاين الجنرال في الاحتياط، ورئيس دائرة البحث في الاستخبارات العسكرية سابقًا، يؤكد أيضًا، في مقال تنشره صحيفة“يديعوت أحرونوت”، أن الاعتبارات السياسية ترافق حروب إسرائيل وتسوياتها السياسية دائمًا، لكن الحرب الأخيرة حطمت أرقامًا قياسية في هذا السياق، فالوزن غير المسبوق للاعتبارات السياسية لا يؤثر فقط في تحديد الأهداف والسياسة المتّبعة ومدة القتال، بل أيضًا في القدرة على التمييز بين الأعداء والأصدقاء، ومثلما هو الحال دائمًا، تتجلى الفجوات أساسًا في القضية الفلسطينية، المتجذرة عميقًا في الخطاب السياسي الإسرائيلي، والمشبعة برؤى أيديولوجية، ونجدها بصورة أقل في المجالات التي يسودها إجماع نسبي، مثل الصراع مع“حزب الله” وإيران.
ميليشتاين: يقول إن إسرائيل تُعتبر طرفًا عنيدًا، غارقًا في الأوهام، يخرج عن توازنه، يتسبب بأضرار لنفسه، مثلما بدا في الهجوم على قطر
ويرى أنه في ظل غياب إستراتيجيا منظمة يُعتبر كلّ مَن ينتقد إسرائيل عدوًا، تلقائيًا، وكل مَن يعارض منتقديها، حتى من دون علاقة مباشرة بإسرائيل، يُعد صديقًا.
ويمضي في توصيف الخلل:“هكذا، فإن مَن اعترف بدولة فلسطينية في أيلول/سبتمبر الماضي يُشتبه فيه، تلقائيًا، بأنه معادٍ للسامية، أو خاضع للإسلام (ولا سيما دول أوروبا)، وكل طرف يعارض منتقدي إسرائيل يُعتبر حليفًا؛ إنها سياسة تفتقر إلى الاتساق والبوصلة الواضحة، وغالبًا ما تُصاغ وفق حاجةٍ آنية، أو بشكل اعتباطي”.
ويقدّم ميليشتاين بعض الأمثلة على رؤيته بالقول إنه في هذا المناخ المشوش والمليء بالتناقضات تُعرّف قطر بأنها دولة“مركّبة”، وبعد وقت قصير تُنفَّذ غارة على أراضيها؛ ويُصوَّر بايدن، الذي أنقذ إسرائيل في بداية الحرب من مواجهة متعددة الجبهات، عبر تحذيراتٍ حادة لإيران و”حزب الله”، على أنه مُعادٍ.
كذلك تُنسَج علاقات بين جهات في الحكومة الإسرائيلية وتنظيماتٍ يمينية متطرفة في أوروبا، من دون تمحيص جدي في أيديولوجيتها وماضيها.
وضمن انتقاداته لحكومة الاحتلال يرى ميليشتاين أنها عمليًا تعمل ضمن هامش مناورة ضيق، محصور بين تهديدات حزب“الصهيونية الدينية” وحزب“قوة يهودية” وبين الخطوط الحمراء التي تضعها واشنطن.
ويمضي في اتهامه لها: بدلًا من بلورة عقيدة أمنية متماسكة ومحدّثة تستند إلى تحقيقٍ نقدي عميق في أحداث السابع من أكتوبر، يسود نمط“إدارة” يعتمد على استخدام القوة واحتلال الأراضي، مع السخرية ممن يطالبون بإستراتيجيا، وتقديم الخطوات المتخذة على أنها تعبير عن“الصحوة”.
ويشير الباحث الإسرائيلي إلى أنه نتيجةً لذلك، تُعتبر إسرائيل طرفًا عنيدًا، غارقًا في الأوهام، يخرج عن توازنه، يتسبب بأضرار لنفسه، مثلما بدا في الهجوم على قطر، لافتًا إلى أن هذه الرؤية تتجلّى في غزة بوضوح، حيث تطالب إسرائيل بحلٍّ شبه طوباوي يتمثل في حكمٍ يستبعد كلاً من السلطة الفلسطينية و”حماس”، وفي نزع السلاح بالكامل، وإزالة التطرف.. والنتيجة تقليص دور إسرائيل في بلورة“اليوم التالي”، حسبما ظهر في عدم دعوتها إلى الاجتماع الذي عقده ويتكوف بشأن القوة المتعددة الجنسيات في القطاع، والذي شارك فيه مسؤولون كبار من تركيا وقطر- الدولتين اللتين لا ترغب إسرائيل في أن يكون لهما نفوذ في المنطقة. وفي الخلفية، تتواصل تلميحات تركية إلى الرغبة في الحضور التركي في غزة، مع غياب توضيحات من الأمريكيين في هذا الشأن.
ويرى ميليشتاين أن الفراغ الذي نشأ في المكان، الذي كان يُفترض أن يخضع لإستراتيجيا، يملؤه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي يتخذ قراراتٍ عديدة، نيابةً عن إسرائيل، ولا سيما في ما يتعلق بالقضية الفلسطينية. وفي غزة برزت قراراته بشأن إنهاء الحرب، على الرغم من أن ردّ“حماس” لم يلبِّ مطالبه، ولا مطالب إسرائيل؛ وإصراره على الحفاظ على وقف إطلاق النار، رغم الانتهاكات المتواصلة من جانب“حماس”؛ ودفعه نحو المرحلة الثانية من الاتفاق رغم الفجوات العميقة (رفض“حماس” نزع سلاحها وعدم إعادة جثمان الأسير الأخير)؛ وعلامة الاستفهام التي ظهرت بعد اغتيال رائد سعد، بشأن قدرة إسرائيل على تنفيذ خطوات مماثلة مستقبلًا.
ويشير إلى بروز الرفض القاطع للرئيس ترامب حيال مَن يتمسكون بالتصور الجديد القائل إن الرئيس الأمريكي سيسمح لإسرائيل بضم أراضٍ في الضفة؛ إلى جانب إدراج مصطلح“الدولة الفلسطينية” في القرار الذي مرّره في الأمم المتحدة وموافقته على بيع السعودية طائرات متطوّرة، حتى دون موافقتها على تطبيع مع إسرائيل.
ويتابع:“في الخلفية، تظهر قضايا إضافية تعكس الفجوات بين إسرائيل والولايات المتحدة: الدفع نحو تسويات في سوريا (وتجنُّب الضربات ضد نظام الشرع)، وكذلك في لبنان؛ تعاظُم العلاقة بين ترامب وأردوغان؛ توقيع اتفاق دفاع إستراتيجي مع قطر، بعد وقت قصير على الغارة الإسرائيلية الفاشلة على الدوحة (فضلًا عن إلزام نتنياهو تقديم اعتذار).
ميليشتاين: بدلًا من بلورة عقيدة أمنية متماسكة ومحدّثة تستند إلى تحقيقٍ نقدي عميق في أحداث السابع من أكتوبر، يسود نمط“إدارة” يعتمد على استخدام القوة واحتلال الأراضي، مع السخرية ممن يطالبون بإستراتيجيا
رغم هذا الكم من الفجوات المقلقة، يروّج مسؤولون في إسرائيل ادّعاءً غريبًا، مفاده بأن الوضع الإستراتيجي الدولي لإسرائيل ممتاز، وأن الانتقادات هامشية”.
وطبقًا لميليشتاين، يبرز الخلل في آلية تمييز الصديق من العدو أيضًا في العداء المتنامي حيال مصر، وفق المصادر الغامضة والمريبة، والمرفق بادّعاءاتٍ من جهاتٍ في الائتلاف تفيد بأن القاهرة تخطط لهجومٍ على إسرائيل، وهنا أيضًا يتدخل ترامب لفرض خطوات على إسرائيل عندما يرى أنها تضرّ بمصالحها، وبمصالحه. ويقول هنا إنه في هذا السياق، تبرز القمة التي يُخطط لعقدها قريبًا بين نتنياهو والسيسي (والتي كان يجب، في وضعٍ طبيعي، أن تكون مصلحة إسرائيل واضحة) ولهذا الغرض، ضغط ترامب على نتنياهو لتوقيع اتفاق الغاز مع المصريين.
ويستذكر ميليشتاين المقولة الشهيرة لوزير الخارجية الأمريكي من أصل يهودي هنري كيسنجر:“إن إسرائيل ليس لديها سياسة خارجية، بل سياسة داخلية”، معتبرًا أنها صحيحة في جوهرها، لكن ما يحدث منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر هو تصعيد مُقلق لهذه الظاهرة القديمة ويسبب ضررًا استراتيجيًا، ويمسّ بصورة إسرائيل كدولة تتصرف وفق إستراتيجية منظمة وبحكمة.
ويعلل ميليشتاين توصيفه بالقول إن“القيادة التي ترفض التحقيق في الماضي، وتنتهج نهجًا مضادًا متعاليًا يعتبر أنها على حق دائمًا تقريبًا، وأن كلّ نقدٍ موجّه إليها نابع من دوافع سياسية، ما يخلق دورة تدميرية من بلورة تصوراتٍ جديدة لا تؤدي سوى إلى مزيدٍ من الأضرار”.
في سياق متصل، توجه صحيفة“يديعوت أحرونوت” العبرية، اليوم الإثنين، إصبع الاتهام لإسرائيل بأنها تسعى لإعاقة المرحلة الثانية من الاتفاق حول غزة، ويقول محللها العسكري أفي زيتون إنه فيما يتحدث ترامب عن ريفييرا في غزة فإن حكومة نتنياهو تتباطأ وتتلكأ عمدًا، لكنه يتهم“حماس” بذات التهمة، ويعتبر أنها هي الأخرى تتباطأ في التقدم للمرحلة الثانية لحساباتها هي، زاعمًا أن قوتها تتعاظم يومًا بعد يوم.
من جهتها تكشف صحيفة“هآرتس” العبرية اليوم عن أن جيش الاحتلال يواصل هدم بيوت الفلسطينيين داخل المنطقة الواقعة تحت سيطرته في القطاع، وفق ما تؤكده صور الأقمار الاصطناعية.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment