تحول كندا نحو الوقود الأحفوري يثير حيرة خبراء المناخ وقادة الأعمال
يقول من كانوا حلفاءً لمبعوث الأمم المتحدة السابق لشؤون المناخ، إن لجوء رئيس الوزراء الكندي مارك كارني إلى الوقود الأحفوري لمواجهة العداء التجاري الأمريكي يقوض إرثه بعد أن كان من أوائل من دقوا ناقوس الخطر المبكر بشأن تغير المناخ.
ومنذ توليه منصبه هذا العام، ألغى كارني ضريبة الكربون على المستهلكين في كندا، وتقرب من قطاع النفط والغاز، وألغى خطة لزيادة مبيعات السيارات الكهربائية بعد الرسوم الجمركية الشاملة التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وخلال الأسابيع الأخيرة، وقع كارني اتفاقية لإنتاج مليون برميل إضافي من النفط الخام يومياً بعد تعهده بمضاعفة إنتاج كندا من الغاز الطبيعي المسال لأسواق جديدة في آسيا.
لذلك، استقال وزير البيئة ستيفن غيلبو من حكومة كارني احتجاجاً، كما استقال عضوان مؤسسان في الهيئة الاستشارية الحكومية الفيدرالية المعنية بصافي الانبعاثات الصفرية.
وقال بول بولمان، الرئيس التنفيذي السابق لشركة يونيليفر، والمدافع عن الرأسمالية المسؤولة: إنه ((ليس من المستغرب)) أن يقدم كارني على هذا التحول كجزء من تسوية سياسية اقتصادية. لكن استراتيجية ((الصناعة الخضراء)) لتحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي الداخلي جاءت على حساب تأخير التغيير الهيكلي الأعمق المطلوب.
ويمثل هذا التحول تناقضاً صارخاً مع ما قام به كارني في سبتمبر 2015، حين حذر، بصفته محافظ بنك إنجلترا، وكان أول شخص غير بريطاني يتولى هذا المنصب التاريخي، في خطاب تاريخي من أن ((تغير المناخ هو مأساة المستقبل)). وحث الحكومات والهيئات التنظيمية على تسهيل الانتقال إلى الطاقة المتجددة لتجنب عواقب ((كارثية)).
وقال أمام تجمع في مدينة لندن: ((بمجرد أن يصبح تغير المناخ قضية محورية للاستقرار المالي، قد يكون الأوان قد فات)).
وقال بن كالديكوت، المدير المؤسس لمجموعة أكسفورد للتمويل المستدام، والذي ساهم في إعداد أول تقرير لهيئة التنظيم الاحترازي في المملكة المتحدة حول تغير المناخ بالتزامن مع خطاب كارني: إن الخطاب كان حاسماً في تغيير الأجندة في المملكة المتحدة وخارجها.
وبحلول عام 2021، وقبل انعقاد قمة الأمم المتحدة للمناخ في غلاسكو التي استضافتها المملكة المتحدة، كان كارني يشرف على استثمارات بمليارات الدولارات في مجال الطاقة المتجددة لدى شركة بروكفيلد لإدارة الأصول، بصفته رئيس قسم الاستثمار في الصناديق البيئية والاجتماعية والحوكمة وصناديق التأثير.
وقد قاد ما يعرف باسم ((تحالف غلاسكو المالي من أجل الحياد الكربوني))، والذي هدف إلى إزالة العوائق أمام استثمارات الطاقة النظيفة وتعزيز الالتزامات المناخية القائمة على أسس علمية، واضعاً هدفاً طموحاً يتمثل في جذب استثمارات بقيمة 130 تريليون دولار من القطاع المالي بحلول عام 2050.
لكن مصير تحالف كارني المالي تم حسمه في عهد ترامب، مع إلغاء أكثر من 70 إجراءً مناخياً حكومياً أمريكياً. وبشكل تدريجي، علقت معظم المجموعات الفرعية في القطاع المالي عملياتها، في ظل إدانة ترامب للطاقة النظيفة. وانضم لاري فينك، الرئيس التنفيذي لشركة بلاك روك، وأحد أبرز الداعمين لمبادرة التمويل، إلى التحول، وأصبح الآن يروج لـ((البراغماتية في مجال الطاقة)).
وتمهد مذكرة التفاهم التي وقعها كارني مع مقاطعة ألبرتا الغنية بالنفط، كجزء من ((صفقة كبرى))، الطريق أمام إنشاء خط أنابيب جديد لنقل النفط الخام إلى الساحل الغربي، في وقتٍ تنتج فيه كندا رقماً قياسياً بلغ 4 ملايين برميل يومياً.
وتمتلك كندا ثالث أكبر احتياطي نفطي في العالم، لكنها تنتج ((أكثر أنواع النفط الخام كثافة للكربون في أمريكا الشمالية))، وفقاً لمعهد ((بيمبينا)) لأن عملية استخراج الرمال النفطية في ألبرتا تصدر كميات من الكربون تفوق ما تصدره عمليات الحفر التقليدية.
وأشادت ليزا بايتون، رئيسة الرابطة الكندية لمنتجي البترول، بالتراجعات التنظيمية، واصفة إياها بأنها ((خطوات مهمة نحو إطلاق العنان لموارد الطاقة الطبيعية الهائلة في كندا، ووضعها على طريق أن تصبح القوة العظمى القادمة في مجال الطاقة على مستوى العالم)).
وفي حين يتضمن اتفاق كارني مع ألبرتا خطة لتأمين تسعير الكربون الصناعي قبل الأول من أبريل، إلا أنه يؤجل هدف المقاطعة لخفض انبعاثات غاز الميثان إلى عام 2035.
ويأتي هذا كله في وقتٍ تتخلف فيه حكومة كارني عن تحقيق أهدافها المتعلقة بالانبعاثات لعام 2030، وفقاً لما توصل إليه مفوض البيئة الكندي. وكان كارني قد صرح في ميزانيته لشهر نوفمبر بأن خطط البلاد للوصول إلى ((صافي انبعاثات صفرية)) تركز على عام 2050. وقال كيان نيمبهارد، المتحدث باسم وزيرة البيئة الكندية جولي دابروسين: إن ((مكافحة تغير المناخ وحماية المجتمعات وبناء كندا)) تعد ((أولويات قصوى)) لحكومة كارني.
وأشار نيمبهارد إلى نظام تسعير الكربون الصناعي في كندا، ولوائح الكهرباء النظيفة وخفض انبعاثات الميثان، والإعفاءات الضريبية للطاقة النظيفة كأمثلة على استراتيجية أوتاوا لخفض الانبعاثات.
وفي إطار المفاوضات التجارية مع واشنطن، أبدى كارني انفتاحه على إعادة إحياء خط أنابيب ((كيستون إكس إل)) الذي يربط ألبرتا بنبراسكا، والذي ألغاه الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن لأسباب بيئية، وذلك لتعزيز أمن الطاقة الأمريكي.
ويتجه كارني، الذي يقول إنه يسعى لإنتاج ((نفط خالٍ من الكربون))، إلى تحالف ((باث وايز))، وهو مشروع ضخم لاحتجاز الكربون وتخزينه، بقيمة 16.5 مليار دولار كندي (12 مليار دولار أمريكي)، اقترحته شركات النفط، لمواجهة الانبعاثات الناتجة عن زيادة إنتاج النفط الخام.
وقال مارك كامبانيل، الرئيس التنفيذي لمبادرة كاربون تراكر، التي وضعت إطاراً للعديد من المخاطر التي تحدث عنها كارني في عام 2015، إن توسيع نطاق مشاريع الطاقة المتجددة لتوفير الكهرباء المجانية خلال النهار - بالاستناد إلى التجربة الأسترالية - سيكون استراتيجية حكومية أفضل من تشجيع التوسع في قطاع النفط والغاز.
وأضاف: ((نشهد حكومات مثل كندا تستثمر أموالاً في مشاريع قد لا تكون مربحة أبداً، وتتعارض مع أهدافها المناخية، وهذا أمر مثير للقلق حقاً)).
وقال، بصفته زعيماً لحكومة أقلية: ((ربما لدى كارني خطة ماكرة... لكن ثمة حالة من الحيرة تسود أوساط المهتمين بالمناخ حالياً)). وهكذا، فإن جهود كارني في مجال العمل المناخي، التي شكلت ركيزة مسيرته المهنية على مدى السنوات العشر الماضية، باتت الآن مهددة بالزوال في غضون عام من انتخابه لقيادة حكومة دولة عضو بمجموعة السبع تواجه تحديات اقتصادية كبيرة.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment