(MENAFN- Al-Bayan) جون ثورنهيل
قال الفيزيائي اللامع ريتشارد فاينمان، ذات مرة، عبارة مفادها أنه ((لا أحد يفهم ميكانيكا الكم))، ويبدو أن وجهة نظر مماثلة قد سادت بين المستثمرين الذين يحاولون جني المال من الطفرة الكمومية الحالية، لكن من السهل جداً أن يتوه كثيرون في تعقيدات الطرق المختلفة التي يتم استكشافها في إطار السعي لبناء حاسوب كمومي، وهل ينبغي على المستثمرين المراهنة على الدوائر فائقة التوصيل، أو الأيونات المحصورة، أو الكيوبتات الطوبولوجية، أو الفوتونيات؟ وهل من الأفضل الاستثمار في الأجهزة الكمومية أم البرمجيات؟ أم في تطبيقات محتملة أخرى، مثل الاستشعار والاتصالات؟

لكن كثيرين ينظرون فقط إلى الأرقام على الرسومات البيانية، ويوزعون استثماراتهم، ويستمرون في الاستثمار، وقد شهد هذا العام ارتفاعاً ملحوظاً في العديد من المؤشرات، حيث ارتفعت قيمة شركات الحوسبة الكمومية المدرجة في البورصة، مثل ((أيون كيو)) و((ريجيتي كومبيوتينج)) و((دي ويف كوانتام))، وإن أعقب ذلك تراجع حاد خلال الأسابيع الماضية.

وتستثمر شركات التكنولوجيا العملاقة، بما فيها ((ألفابت)) و((مايكروسوفت)) و((آي بي إم)) و((هانيويل)) بكثافة في هذا القطاع، الذي تعتبره الأفق الواعد التالي في عالم الحوسبة، كما أبدى مستثمرو السوق الخاص حماساً مماثلاً، حيث دعموا شركات ناشئة مثل ((بي إس آي كوانتام)) و((آي كيو إم كوانتام كمبيوترز))، التي حظيت جميعها بجولات تمويل ضخمة هذا العام.

وبحسب بيانات ((بيتشبوك))، ضخ مستثمرو رأس المال المخاطر 1.7 مليار دولار في 88 شركة ناشئة بحلول منتصف يونيو، ما يضع القطاع على مسار تحقيق عام قياسي. كما تم إطلاق صناديق استثمار متخصصة في الحوسبة الكمومية، ما زاد من سيولة القطاع. وتستحوذ شركات الحوسبة الكمومية الغنية بالسيولة على منافسيها لاكتساب الخبرات والكفاءات، ما يدعم تقييمات الشركات الناشئة.

وفي يونيو، على سبيل المثال، وافقت شركة ((أيون كيو)) على شراء شركة ((أوكسفورد أيكونيكس)) مقابل 1.1 مليار دولار.

وقد دعم هذا الاهتمام الاستثماري التطورات الأخيرة في أبحاث الحوسبة الكمومية، سواء في مجال الأجهزة أو البرمجيات، ما يتيح نشر أجهزة حاسوب كمومية بدائية في العالم الحقيقي. وبفضل عملها بطريقة مختلفة عن أجهزة الحاسوب التقليدية، يمكن استخدامها بشكل متزايد لمعالجة مجموعة واسعة من التحديات في علوم المواد والكيمياء والاتصالات والتشفير والملاحة.

ويقول كالوم ستيوارت، المستثمر في شركة ((بولهاوند كابيتال)): ((لقد وصلت الحوسبة الكمومية إلى مرحلة يمكن فيها مناقشة جداولها الزمنية. إنها لم تعد مجرد مشروع علمي)).

ويبدو أن هذا السوق الصاعد هو نتاج جزئي لازدهار الذكاء الاصطناعي.

ويتزايد ترابط القطاعين مع تسارع التقدم في أحدهما، ما يسرع بدوره التقدم في الآخر.

ويقول بول تيري، الرئيس التنفيذي لشركة فوتونيك الكندية الناشئة، التي تهدف إلى تقديم خدمات حوسبة كمومية قوية عبر مركز بيانات مايكروسوفت في عام 2027، إن أحد التطبيقات الأولى للحواسيب الكمومية سيكون توليد البيانات و((إنشاء نماذج كيميائية)) لشركات الذكاء الاصطناعي. ويضيف أن حقيقة أن بعض الشركات تجني بالفعل أرباحاً من هذه الخدمات تعزز ثقة المستثمرين، حتى وإن كانت الحواسيب الكمومية المقاومة للأخطاء واللازمة للوظائف الأكثر أهمية لا تزال على بعد سنوات.

وعلى سبيل المثال، أعلنت شركة آي بي إم هذا العام أنها حققت إيرادات تراكمية بلغت حوالي مليار دولار من بيع الخدمات الكمومية منذ عام 2017، ويجري قطاع الخدمات المالية تجارب على الحوسبة الكمومية، فبنك ((إتش إس بي سي)) هو أحد البنوك العديدة التي تستكشف كيفية استخدام الحوسبة الكمومية في كشف الاحتيال، والمحاكاة المالية، والتداولات الخوارزمية.

كما هو معروف منذ عام 1994 عندما وضع عالم الرياضيات، بيتر شور، خوارزمية لحاسوب كمومي لم يُخترع بعد، قادر على اختراق أنظمة التشفير غير المتماثل شائعة الاستخدام، فإن التطورات الكمومية قد تشكل تهديداً كبيراً لأمن جميع مستخدمي الإنترنت.

وقدّر استطلاع رأي أجراه معهد المخاطر العالمية العام الماضي، وشمل أكثر من 30 خبيراً بارزاً، أن احتمالية تطوير مثل هذا الحاسوب خلال 10 سنوات تراوح بين 19 و34 %، ولطالما أبدت وكالات الأمن القومي اهتماماً بالغاً بهذا القطاع، كما دعمت الحكومات حلول التشفير ما بعد الكمومية.

وحتى لو بقيت الجداول الزمنية غير مؤكدة، فلا شك أن ثروات طائلة ستُجنى يوماً ما من الحوسبة الكمومية. ويرى البعض في هذا المجال أن تأثيره سيكون أكبر من تأثير الذكاء الاصطناعي، لكن كما هو الحال دائماً في الأسواق المتقلبة، قد يكون من الأسهل جني المال من خلال تحديد المستثمرين الأكثر حماقة من التنبؤ بالعباقرة العلميين العظماء.

MENAFN12122025000110011019ID1110474472