ماذا يفعل إف بي آي في مفاوضات أوكرنيا؟

(MENAFN- Al-Bayan) ">أدخلت الاجتماعات السرّية بين كبير مفاوضي أوكرانيا للسلام وقادة مكتب التحقيقات الفيدرالي حالة من عدم اليقين مجددا إلى محادثات عالية المخاطر تهدف إلى إنهاء الحرب هناك، وفقا لدبلوماسيين ومسؤولين مطلعين على الأمر.

على مدى الأسابيع الماضية، سافر كبير مفاوضي الرئيس فولوديمير زيلينسكي، روستِم أومروف، ثلاث مرات إلى ميامي للقاء المبعوث الأعلى للرئيس دونالد ترامب، ستيف ويتكوف، ومناقشة مقترح لإنهاء الصراع المستمر منذ نحو أربع سنوات مع روسيا.

لكن خلال وجوده في الولايات المتحدة، عقد أومروف أيضا اجتماعات مغلقة مع مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي كاش باتيل ونائب المدير دان بونجينو، بحسب أربعة أشخاص تحدّث بعضهم لضحيفة واشنطن بوست، بشرط عدم الكشف عن هوياتهم لمناقشة محادثات سرّية.

وتثير الاجتماعات السرّية التي جمعت كبار مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي الأميركي مع كبير مفاوضي أوكرانيا للسلام موجة غير مسبوقة من القلق والشك في العواصم الأوروبية، كما بين الأوساط المؤيدة لأوكرانيا داخل الولايات المتحدة نفسها، إذ تبدو مشاركة الـFBI في ملف سياسي ـ دبلوماسي حساس كهذا خروجاً غير مفهوم عن الأعراف المتبعة، وسبباً لتعميق الغموض حول مسار المفاوضات وتوازن القوى داخلها. وفتح باباً من الأسئلة التي لا تجد إجابات واضحة، خصوصاً أن الجهاز الأمني الأميركي ليست له عادةً أدوار مباشرة في هندسة التسويات بين الدول.

أوروبا، التي تراقب المفاوضات بقلق بالغ على مستقبل الحدود والأمن القاري، ترى في هذه الاجتماعات تحولاً غير مطمئن قد يعني إنشاء ((قناة ظل)) خارج الدبلوماسية الرسمية. أما داخل أوكرانيا، فقد ازدادت المخاوف من أن تكون هذه اللقاءات محاولة للضغط على كييف للقبول بتسوية تنطوي على تنازلات خطيرة، في وقت تمرّ فيه البلاد بأسوأ فضيحة فساد منذ سنوات. فقد قال محققون أوكرانيون الشهر الماضي أنه جرى سرقة 100 مليون دولار من قطاع الطاقة عبر الرشى والعمولات.

وُجهت اتهامات لثمانية أشخاص، بينهم شريك سابق لزيلينسكي، بالاختلاس وغسيل الأموال والتربّح غير المشروع. واستقال كبير مساعدي زيلينسكي، أندريه يرماك، ثاني أقوى شخصية في أوكرانيا، في أواخر نوفمبر بعد أن داهمت السلطات منزله. واتّهمت السلطات الأوكرانية حليفًا سابقًا آخر لزيلينسكي، أوليكسي تشيرنيشوف، الذي شغل منصب نائب رئيس الوزراء، بتلقي 1.3 مليون دولار كعمولات.

قال ترامب للصحفيين هذا الأسبوع: ((هناك وضع فساد ضخم لديهم فعلاً))، مشيرًا إلى أن الفضيحة أثارت مطالبات بإجراء انتخابات في أوكرانيا. وأضاف: ((الناس يسألون هذا السؤال: متى سيجرون انتخابات؟)).

تدور تكهنات داخل وخارج كييف حول ما إذا كان أومروف، الذي يشغل أيضا منصب مستشار الأمن القومي لأوكرانيا، قد يكون ضمن دائرة الاتهام في تحقيق الاختلاس المتوسع، خصوصا مع توسيع مسؤولي مكافحة الفساد تحقيقهم في قطاع الدفاع. وكان أومِروف قد شغل سابقا منصب وزير الدفاع.

في الولايات المتحدة، صدرت إشارات قلق من شخصيات طالما دعمت أوكرانيا بلا تحفظ، إذ تخشى هذه الدوائر أن تتحول مشاركة إف بي آي إلى أداة سياسية في يد إدارة ترامب الحالية، تستخدم لإعادة تشكيل مواقف كييف أو ترتيب أولوياتها تحت تهديد ملفات الفساد أو عبر الإيحاء بوجود مسارات تفاوضية غير معلنة.

ومما زاد الريبة أن باتيل وبونجينو، طرفا اللقاء، معروفان بمواقف نقدية حادة تجاه أوكرانيا، وبخلافات سابقة مع إدارة زيلينسكي، إضافة إلى ارتباط اسميهما بملفات حساسة تعود إلى عزل ترامب الأول، حين اتهم باتيل بفتح قناة غير رسمية حول أوكرانيا. وقد رأت العواصم الأوروبية في إعادة ظهور هذه الشخصيات ضمن اتصالات سرية مع أومروف إشارة تنذر بأن واشنطن قد تكون بصدد تعديل أدوات الضغط على كييف، أو إعادة هندسة مسار المفاوضات بطرق لا تُعرَف نتائجها.

في الوقت نفسه، يشعر الحلفاء الغربيون بأن دخول جهاز تحقيقات أميركي إلى مفاوضات بهذا المستوى قد يشير إلى انقسام داخل المؤسسات الأميركية نفسها حول كيفية إدارة الملف الأوكراني. وقد أثار هذا الوضع مخاوف من احتمال تعدّد مراكز القرار في واشنطن، خاصة مع انخراط عدد متزايد من الشخصيات المقربة من ترامب في القناة التفاوضية، مثل جاريد كوشنر ودانييل دريسكول. هذا التشتّت في خطوط التواصل يخلق حالة من الضبابية حول ما إذا كانت الولايات المتحدة تتبنّى مقترحًا واحدًا، أم أن هناك مسارات متوازية يصعب التنبؤ بنتائجها.

ومع تقدّم القوات الروسية في الشرق وتدهور الوضع العسكري الأوكراني، يرى الأوروبيون أن أي إشارة إلى ضعف الموقف التفاوضي لكييف أو إلى ضغوط أميركية غير تقليدية قد تمهّد لفرض تسوية غير مرغوبة، خصوصاً تلك التي تتضمن انسحابات إقليمية. لذلك، أصبح السؤال المحوري في بروكسل وبرلين وباريس ليس فقط: ما طبيعة المقترح الأميركي؟ بل أيضاً: لماذا يتدخل إف بي آي، ولماذا الآن، وما الذي يُبحث خلف الأبواب المغلقة بعيداً عن القنوات الرسمية؟

تأخذ هذه المخاوف بُعداً إضافياً لأن الالتباسات المحيطة بتاريخ باتيل وبونجينو مع ملف أوكرانيا ليست بسيطة، ولأن أي انطباع بأن الحلول السياسية يجري ترتيبها عبر قنوات أمنية لا دبلوماسية قد ينعكس على معنويات الشارع الأوكراني وعلى استقرار الحكومة وعلى ثقة الحلفاء الدوليين. ومع استمرار التدهور الاقتصادي والعسكري في أوكرانيا، يخشى المؤيدون لها في أوروبا والولايات المتحدة من أن يؤدي هذا الانحراف في مسار المحادثات إلى ترسيخ معادلة تفاوضية تُضعف Kyiv بدل أن تعزز قدرتها على حماية حدودها وسيادتها.

هل أقحم "إف بي آي" نفسه في عملية سياسية قد تغيّر مستقبل الحرب؟ ولماذا يُفتح هذا المسار السري الآن، في لحظة ارتباك داخلي أوكراني، وضغوط أميركية متزايدة، وقلق أوروبي شديد من أي صفقة تتضمن تنازلات إقليمية قد تغير ملامح الأمن الأوروبي بأكمله؟ لغز سياسي ـ أمني حقيقي، فيما يقف مستقبل الحرب رهينة ما يجري في غرف الاجتماعات المغلقة التي لم يعد أحد يعرف تماما من يديرها، ولا إلى أي اتجاه تدفع.

MENAFN12122025000110011019ID1110473912

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث