عبدالعزيز النمش.. أول من جسد دور المرأة في المسرح الكويتي

(MENAFN- Al-Bayan) كما هو معروف، انطلقت الحركة المسرحية في دول الخليج العربية في بداياتها من مسارح المدارس والأندية الرياضية والأنشطة الكشفية، وواجهتها تحديات كثيرة، كي تثبّت قدمها، وتتمكن من تقديم أعمالها للجمهور، وكان أول التحديات هو صعوبة العثور على عناصر نسائية تجسد الأدوار ذات الصلة بالمرأة، وذلك بسبب العادات والتقاليد السائدة في المجتمع.

وهكذا، كان لا بد من التحايل على هذا العائق بإسناد أدوار المرأة إلى الرجال، بعد إلباسهم أزياء النساء وباروكات الشعر وعمل الماكياج اللازم، وظل هذا معمولاً به لسنوات طويلة، إلى أن تحررت المرأة الخليجية من بعض القيود المجتمعية تدريجياً، ودخلت سوق العمل، وصار ظهورها على خشبة المسرح لا يقابل بالاعتراض والتنديد والاستنكار.

ففي الكويت، مثلاً، التي تعد رائدة في الحركة المسرحية على المستوى الخليجي، لم يظهر العنصر النسائي على مسارحها العامة إلا مع مطلع الستينيات، بظهور الفنانة مريم الصالح، التي كانت قد مثلت على خشبة المسرح المدرسي منذ منتصف الخمسينيات.

أما قبل ذلك، فكانت الأدوار النسائية تسند، كما قلنا، للرجال، على الرغم من تردد بعضهم في قبول الدور، خشية من النظرة المجتمعية، حيث كان المجتمع قديماً ينظر بازدراء إلى من يمتهن الطرب والغناء، فما بالك بنظرتهم إلى رجل يضع المساحيق، ويرتدي الفساتين ويتحرك ويتكلم كالنساء؟

شخص واحد فقط قبل التحدي آنذاك، ووضع نفسه وسمعته في خدمة الحركة المسرحية الكويتية، ورضي أن يجسد أدوار النساء، دون حساسية، وباستمرارية، وهو متيقن أن المسألة وقتية، وأن تغير الحال ليس من المحال، هذا الشخص هو الفنان عبدالعزيز صالح النمش، الذي اشتهر بدور ((أم عليوي)) في معظم أعماله، وقام بدور الأرملة ((أم سعد)) (والدة اليتيمين سعد الفرج وعبدالحسين عبدالرضا)، في مسلسل ((درب الزلق)) الخالد، ولم يظهر كرجل إلا في عملين نادرين من أعماله (أولهما في الستينيات في أحد الأعمال الدرامية، وثانيهما في أوائل الثمانينيات، عندما لعب دور الرجل في مسرحية ((حكمة محكمة السلطان))، لفرقة المسرح الشعبي، من إخراج نجم عبدالكريم).

نجح الرجل في كل أعماله المسرحية والدرامية، وحصد شهرة فنية واسعة على المستويات الكويتية والخليجية والعربية، بسبب تجسيده لدور المرأة بحرفية، وتنوع ومعايشة وإجادة للمفردات الشعبية الخاصة بالمرأة الخليجية، إلى درجة جعلت بعض زميلاته يغرن منه.

دعونا نقرأ، في هذا السياق، ما كتبه الناقد والباحث السعودي أحمد الواصل في صحيفة ((الرياض (28/8/2009)، من أن ميزة النمش لا تتمثل فقط في تجسيد شخصية المرأة بإتقان رفيع، وإنما تتمثل أيضاً في ميزات ((الوقفة المتناسقة ذات الشموخ، والتحكم في النفَس، سواء في حركة المشي والرقص أو الجلوس والوقوف أثناء الكلام، وتلوين الصوت بدرجات النبر المتنوعة، على المفردات والجمل في بدايتها وختامها، وتوظيف أعضاء الجسد (تعابير الوجه الزاخرة)، وحركة الذراعين واليدين، ومرونة الجذع في الانحناء والميل)).

ومما يلاحظ في هذا السياق أن بعض الذين تقمصوا الأدوار النسائية في السينما والمسرح، خليجياً وعربياً، في حقب معينة، قبلوا بذلك على استحياء، والبعض الآخر قبل، ثم سرعان ما انسحب، مثل الفنانين داوود حسين وحسن البلام، والبعض القليل قبِل واستمر، من منطلق أن الممثل عليه أن يتقمص مختلف الأدوار، ومن ضمن هذا البعض الأخير، الفنان النمش، وزميله الفنان الكويتي عبدالناصر درويش، وزميلهما السعودي محمد المزيني.

نستعين في عملية التوثيق لسيرة ومسيرة هذا الفنان القدير بالعديد من التحقيقات الصحافية والحوارات التلفزيونية والمواقع الإلكترونية الفنية، لا سيما الكويتية منها، على اعتبار أنها الأعلم بتاريخ الرجل ومساهماته.

ولد عبدالعزيز صالح محمد النمش المطيري في 24 أغسطس من عام 1931، بحي ((الجبلة)) من العاصمة، ابناً لعائلة ((بن نمش))، التي صار اسمها ((النمش)) لاحقاً، طبقاً لما ورد في موقع تاريخ الكويت. وهذه الأسرة نزح بعض أفرادها إلى الكويت ما بين عامي 1820 و1850، قادمين من بلدة شقراء النجدية (على بعد نحو 185 كم شمال غربي الرياض)، والبعض الآخر منها نزح إلى كل من القصيم والأحساء، لذا فهي منتشرة ما بين القصيم والكويت والأحساء.

في الكويت، سكن آل النمش منطقتي المرقاب والجبلة، ممارسين التجارة وأعمالاً أخرى، كقيادة حملات الحج والعمرة، وتصاهروا مع العديد من الأسر الكويتية المعروفة، مثل: الراشد والحوطي والرفاعي والجناعي والنواخذه والمذكور والمراغي والزايد والبدر والإسماعيل والقعود والثويني والجيران والشطي والعميري والسريع، وكانت لهم سكة باسمهم في المرقاب، تعرف بـ((عاير بن نمش))، وهي اليوم مكان المواقف المقابلة للمتحف العلمي.

عشق النمش فن التمثيل منذ طفولته، ومارسه أثناء سنوات دراسته، من خلال المشاركة في المسرحيات المدرسية، ضمن هواة التمثيل بمدرسة الخليل بن أحمد الليلية بكيفان، وكان معه آنذاك سيف عباس وعبدالعزيز المسعود ودخيل العسعوسي وسليمان الفهد وأحمد الصالح، الذين أرادوا تقديم عمل مسرحي، ولم يعثروا على فتاة تشاركهم، فأسندوا المهمة إلى النمش، الذي أبدع.

لم يكمل النمش تعليمه، واضطر لدخول سوق العمل مبكراً، فعمل لدى بعض التجار في وظائف بسيطة متنوعة، وامتهن أيضاً في هذه الفترة من حياته قيادة الشاحنات الثقيلة، ما بين منطقتي الأحمدي والشعيبة. وبسب عمله الأخير، انتقل مع أسرته للسكن في الشعيبة، كما عمل في الفترة ما بين عامي 1951 و1961 في دائرة المالية لحكومة الكويت، التي تحولت بعد الاستقلال إلى وزارة المالية، ومنها انتقل للعمل بوزارة الأشغال العامة. وبعد افتتاح تلفزيون الكويت الرسمي في عام 1961، التحق به كعامل فني، ثم ترقى تدريجياً، فعمل في أقسام الإنتاج والمشتريات والتصوير والإضاءة، وظل كذلك حتى إحالته للتقاعد في عام 1984.

في عام 1974، شارك مع آخرين في تأسيس فرقة ((المسرح الحر))، لكن نجاحه الحقيقي كان من خلال العمل مع ((المسرح الشعبي)) و((المسرح العربي)) و((مسرح الخليج العربي))، ومن خلال الظهور في الأعمال الدرامية من إنتاج تلفزيون الكويت.

ففي عام 1964، قدم أول أعماله المسرحية بظهوره في دور ((الملاية مكية)) في مسرحية ((سكانه مرته)) الكوميدية، من إخراج عبدالرحمن الضويحي، وبطولة عبدالعزيز المسعود ومريم الغضبان ومريم الصالح وطيبة الفرج.

وفي العام نفسه، أدى دور ((سعيدة)) في مسرحية ((غلط يا ناس))، من إخراج عبدالرحمن الضويحي وبطولة عبدالعزيز المسعود، لكن الحدث الأهم في حياته في تلك السنة هو أداؤه شخصية ((أم عليوي)) في المسلسل التلفزيوني الكويتي ((يوميات أم عليوي))، بمشاركة الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا، الذي أدى دور ((بوعليوي))، علماً بأنهما ظهرا معاً مرة أخرى بنفس الأدوار والتسميات في عام 1968، حينما شاركا في مسلسل ((الصبر مفتاح الفرج)).

واصل النمش مسيرته الفنية، فشارك في عام 1965 بمسرحية ((الجنون فنون)) الكوميدية، مؤدياً دور السكرتيرة، ثم لعب في العام نفسه دور البطولة في مسرحية ((اصبر وشوف)) الكوميدية، للمخرجين عبدالرحمن الضويحي وحمدي فريد. وفي العام التالي قدم شخصية ((أم عنبر)) في مسرحية ((كازينو أم عنبر))، مع عبدالعزيز المسعود، وأتبعها بالمشاركة في بطولة مسرحية ((يمهل ولا يهمل))، مع إبراهيم الصلال ومريم الغضبان وجاسم النبهان وأحمد الصالح.

أما في عام 1967، فقد قدم أعمالاً عدة، لعل أهمها مسرحية ((حرامي آخر موديل))، في دور ((جواهر))، ومسرحية ((انتخبوني)) في دور ((دانة))، ثم شارك في عام 1969 في مسلسل ((قحصة ملحة))، مع عبدالحسين عبدالرضا ومحمد جابر، وفي مسرحية ((صاده ما صاده))، ليأتي عام 1970 ويقدم شخصية ((فاتن بوحقب)) في مسرحية ((كاوبوي بالدبدبة))، مع عبدالعزيز مسعود وأحمد الصالح وخالد العبيد وإبراهيم الصلال وابتسام حسين.

وفي العام التالي شارك في مسرحية ((عائلة بوصعروره))، وفي عام 1973 أدى دور ((أم هيلان)) في التمثيليات التي حملت عناوين ((زوجتي وأمها))، ((زوجتي وأختها))، ((زوجتي والسيارة))، ((زوجتي والزيارات))، ((زوجتي والكلب))، وأمثالها. كما شارك في تلك السنة في مسرحية ((إبراهيم الثالث)) بدور ((نرجس)) مع المسعود والصلال والغضبان وأحمد الصالح وزينب الضاحي.

وفي عام 1975 شارك في مسرحيات عدة، منها ((ضحية بيت العز)) مع عبدالحسين عبدالرضا وسعد الفرج واستقلال أحمد وماجد سلطان، ومسرحية ((يلعب على الحبلين))، مع محمد جابر وعائشة إبراهيم وزينب الضاحي وصالح حمد (إمبريك).

وفي العام التالي ظهر في مسرحية ((العانس))، وفيلم ((الصمت))، ومسلسل ((الركادة زينة))، ليأتي عام 1977، الذي قدم فيه الدور الذي سيخلده في قلوب المشاهدين في الخليج والعالم العربي، وهو دور الأرملة ((أم سعد))، في مسلسل ((درب الزلق))، التي تعاني من مشاكل ابنيها، وتعشق جارها بائع الثلج ((بوصالح))، الذي أدى شخصيته بإتقان شديد الفنان خالد النفيسي.

عدا ((درب الزلق))، شارك النمش في العام نفسه في مسرحيات ((ريال نساي)) بدور ((موزة أم راشد))، مع محمد جابر وعبدالله خريبط وفوزية المشعل. وفي عام 1978 قدم مسرحية ((العمارة رقم 20))، مؤدياً دور ((أم عذاري))، ومسرحية ((بيت بوصالح)) في دور ((مضاوي أم صالح))، ومسلسل ((حريم بوهلال))، ومسلسل ((طريق الشوك)) (في دور ((أم جاسم))).

وفي عام 1979 ظهر في عملين فقط، هما: مسلسل ((الجفاف يقتل الندى))، ومسرحية ((حريم سعادة الوزير)) (كضيف شرف بدور العمة ((ميثة))). أما في عام 1980، فقد جسد شخصية ((أم إبراهيم)) في مسلسل ((الدانة))، وشخصية ((أم لهب)) في مسرحية ((ممثل الشعب)).

وفي عقد الثمانينيات، كانت له إسهامات مهمة في جملة من الأعمال المسرحية، مثل مسرحيات: ((3 في 3))، ((يا معيريس))، ((صارت نشب))، ((حكمة محكمة السلطان))، ((فرسان المناخ))، ((توم وجيري، عفوا جسوم ومشيري))، ((دقت الساعة))، ((هالو بانكوك))، ((المدرسة العجيبة))، ((أرض وقرض))، ((الكرة مدورة))، ((الكماشة))، ((رجل مع وقف التنفيذ))، ((الجنس الخامس))، و((من أجل حفنة دنانير)). كما كانت له إسهامات في الأعمال الدرامية، اشتملت على مسلسلات: ((الجوهرة))، ((الأقدار))، ((الإخوة الثلاثة))، ((فايز التوش)) (الجزءان الثاني والثالث)، و((سوالف أم هلال)).

واختتم النمش مسيرته الفنية بتقديم عملين في التسعينيات، هما: مسرحية ((عالمكشوف)) في عام 1996، التي أدى فيها دور ((أم سامي))، مع سعد الفرج وطارق العلي وأحمد الصالح وحسن البلام وحسين المنصور، ومسرحية ((يا غافل لك الله)) في عام 1999، مع عبدالناصر درويش وولد الديرة وسيار الكواري.

أما آخر أعماله الدرامية، فقد كان مسلسل ((الوفاء)) في عام 1989، من إخراج أمير الشايب، وصُوّر في مملكة البحرين، وظهر فيه النمش بدور ((المطوعة))، وشاركه في العمل مريم الغضبان وإبراهيم الصلال وعائشة إبراهيم وحمد ناصر وجاسم الشريدة وأحمد الهزيم وعبدالله وليد.

تم تكريم النمش مرات عدة بسبب دوره المؤثر وأعماله التي جسدت تاريخ التحولات في المجتمع الخليجي، وأبرزت واقع المرأة فيه، حيث كرمته فرقة المسرح الشعبي بمناسبة احتفال الفرقة بمرور 40 عاماً على تأسيسها، في عام 1995، وكرم في المهرجان المسرحي الخامس لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في الكويت خلال الفترة من 17 مارس إلى 3 أبريل 1997، وفي 23 سبتمبر 1998 تم تكريمه من قبل المجلس الوطني للثقافة والفنون بالكويت في الموسم الثقافي.

عانى النمش من المرض منذ عام 1995، وأجريت له في خارج الكويت على نفقة وزارة الدفاع، وبدعم من الشيخ سالم الصباح، عملية جراحية ناجحة في القلب، وأخرى ناجحة لعلاج شلل أصيب به، لكنه عاد وعانى من أمراض الشيخوخة والضغط والسكري، الذي أثر في نظره، فآثر أن ينعزل ويبتعد عن الناس.

وفي يوم الأربعاء 22 مايو من عام 2002 جاءته المنية إثر نوبة قلبية أصابته داخل سيارة الإسعاف، أثناء نقله إلى المستشفى، فصلي عليه ودفن بمقبرة الصليبيخات، بحضور رواد المسرح الكويتي، ومنهم عبدالحسين عبدالرضا وإبراهيم الصلال وخالد النفيسي وخليل إسماعيل.

وهكذا رحل الفنان الذي لا يضاهيه فنان آخر، لجهة إخلاصه لعمله، وتفانيه في إتقان أدوار المرأة في حنانها وجبروتها وضعفها ومشاكساتها وتسلطها، واستمراره في تلك الأدوار، حتى بعد حضور المرأة ودخولها المجال الفني، فقد تورط فيها وعشقها، ولم يرضَ الجمهور بانصرافه عنها، ولم يستغنِ المخرجون عنه كركيزة في أعمالهم.

MENAFN07122025000110011019ID1110448913

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث