حين كانت الحياة أبطأ وأجمل.. حكاية جيل الطيبين

(MENAFN- Al-Anbaa) في خضم التسارع التقني والتحول الرقمي المتواصل الذي يطبع ملامح الحياة الحديثة، يلوح في الأفق مصطلح لغوي جميل يردده الكثيرون بشيء من الود والحنين، وهو ما يعرف بـ «جيل الطيبين»، ويقصد به ذلك الجيل الذي عاش في حقبة زمنية معينة مثلت رمزا للأصالة والبساطة في الحياة، قبل أن يبدل الإنترنت إيقاع الحياة ومعانيها، وتغزو الشاشات الصغيرة والهواتف الذكية والتطبيقات الكثيرة والألعاب الحديثة (مثل Play Station) تفاصيل الحياة اليومية، فتعزل الناس عن محيطهم وتطير بعقارب الساعة.
إن جيل الطيبين تحديدا هم أولئك الذين ولدوا وعاشوا بين خمسينيات وتسعينيات القرن الماضي، فعرفوا الحياة الاجتماعية بمفهومها الأصيل، حيث كانت العلاقات الإنسانية متينة، والقيم المجتمعية متجذرة في تفاصيل الحياة في مجتمع تسوده الألفة والتكافل.
وكان من سمات هذا الجيل اتحاد أفراده في تجاربهم الحياتية، ومشاركة هذه التجارب في المدارس والأسواق والمناسبات وأمام شاشة التلفزيون وفي كل مظاهر الحياة، فتكون بينهم قاسم مشترك تمثل في ذاكرة جماعية واحدة. هذه الذاكرة لم تكن مجرد حنين إلى الماضي، بل ظلت عنصرا فاعلا في تكوين هويتهم الاجتماعية، إذ رسخت في أذهانهم أوقاتا وذكريات لطيفة، حملوا معها قيما راسخة ومعاني سامية، فجاء وصفهم بالطيبين، كالصدق والتعاون واحترام الكبير وإجلال العلم وحب لغتهم اللغة العربية، التي كانت تنطق بها كل مسلسلات الأطفال الكرتونية، فالاهتمام السياسي باللغة العربية كان من أبرز وأجمل السمات في هذه الذاكرة الجمعية.
وكان «الطيبون» يعيشون حياة بسيطة، لكنها مليئة بالمعاني، والسعادة الحاضرة في أبسط اللحظات، على سبيل المثال، جلسة عائلية أمام شاشة التلفزيون، انتظار الأطفال المسلسل الكرتوني عصرا، سهرة على ضوء القمر، سفرة الطعام التي تجمع العائلة بأكملها، مرافقة الأب إلى المجالس (الديوانيات)، مساعدة الأم في أعباء المنزل.
ومن اللافت للنظر أن هذه الذاكرة الجمعية ما زالت تشكل اليوم مرجعا ثقافيا واجتماعيا تستحضره الأجيال اللاحقة عند الحديث عن «الأيام الجميلة»، لأن «الذاكرة ليست فردية بالكامل، بل تتكون داخل الجماعة ومن خلالها». موريس هالبفاكس. لذا فهي ليست مجرد سرد لذكريات الطفولة أو نمط حياة قديم، بل تمثل مخزونا وجدانيا يعكس مرحلة نادرة من التوازن النفسي والاجتماعي، حين كانت الحياة تقاس بمعانيها لا بمظاهرها. ومع مظاهر الحداثة والتطور التي نعيشها اليوم، يبقى استحضار تجربة جيل الطيبين ضرورة لفهم جذور القيم التي بنت المجتمع، وكيف استطاع البساط بما فيه من رضا ومودة أن ينتج جيلا متماسكا ترك بصمة لا تنسى في الوجدان الجمعي للمجتمع. لذا، ونحن نمضي نحو المستقبل بخطى سريعة، يبقى الحديث عن «جيل الطيبين» دعوة للتأمل والاتزان، وتذكيرا بأن السعادة لا تحتاج كثيرا من التكنولوجيا.

MENAFN06122025000130011022ID1110446970

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث