الحجاب بين الشكل والمعنى

(MENAFN- Al Watan) في مجتمعاتنا، حيث تختلط التقاليد مع الدين، وتتمازج العادات مع القناعات الشخصية، لم يعد الحجاب مجرد غطاء للرأس، بل تحوّل إلى ظاهرة مركّبة تحمل في طياتها تساؤلات عميقة: هل لا يزال الشعر عنصرًا حاسمًا في تعريف الحشمة؟ أم أن مركز الجاذبية انتقل إلى الوجه بعدما غُيّب الشعر تحت الحجاب؟
اليوم، باتت الزينة الظاهرة على الوجه أكثر حضورًا من أي وقت مضى. في مفارقة لافتة، نجد مجتمعات تُلزم المرأة بتغطية الرأس، لكنها لا تجد بأسًا في التجمّل الصارخ للوجه. العدسات اللافتة، الرموش الطويلة، المكياج الكامل، كلها باتت شائعة، إلى درجة أن الوجه أصبح مركز الجاذبية الأول، لا الشعر.
وهكذا، ظهر ما يمكن تسميته بـ((التجميل التعويضي))؛ فبعد أن مُنع الشعر من الظهور، انتقلت وظيفة الجاذبية إلى الوجه المكشوف، ولكن بصورة أكثر بروزًا وتأثيرًا. الأمر الذي يدفعنا لطرح سؤال جوهري: هل غطاء الرأس كافٍ لتحقيق الحشمة؟ أم أننا أصبحنا نغطي الشكل ونكشف المعنى؟
في الوقت نفسه، ما زال غطاء الوجه (النقاب) حاضرًا في معادلة الحشمة، لكن دوافعه لم تعد دينية فقط. هناك من يراه التزامًا تعبديًا، وهناك من تتخذه درعًا اجتماعيًا لحماية السمعة وتجنّب القيل والقال. بل إن بعض الرجال يخشون كشف وجوه نسائهم لا لاعتبارات دينية، بل خشية أن يُقال عنهم إنهم ((لم يصونوا أهلهُم))، فتصبح الحشمة معيارًا للرجولة الاجتماعية، أكثر من كونها انعكاسًا للإيمان أو السلوك.
لكن الصورة بدأت تتغير تدريجيًا. مع ازدياد مشاركة المرأة في التعليم، وسوق العمل، والمجال العام، تقلّصت سلطة بعض الأعراف القديمة. فلم يعد غطاء الوجه شرطًا أساسيًا للحشمة في الوعي الجمعي، وأصبح من المألوف أن نشاهد نساء ناجحات وقياديات بالحجاب دون النقاب، دون أن يُعدّ ذلك تفريطًا أو انحرافًا عن القيم.
ولعلّ اللافت في هذا التحوّل، أن البعض ينظر بإعجاب وفخر إلى المرأة المسلمة المحجّبة في الخارج، بينما يمارس أقسى الأحكام على المحجّبة في الداخل، خاصة حين تخرج عن القالب التقليدي. وكأن الحجاب هنا يخضع لمجهر اجتماعي، لا ميزان قيمي.
في النهاية، بدأت فكرة الحجاب تتجاوز حدود الشكل. لم يعد مجرد قطعة قماش تُرتدى فوق الرأس، بل أصبح لغةً رمزية تعبّر عن التوازن والنية والسلوك. ومع هذا التحوّل، لم يعد السؤال: هل ترتدي الحجاب؟ بل أصبح: هل يحجب حجابك الجاذبية أم يوجّهها؟ هل يغطي الشكل أم يُجسّد المعنى؟
إننا بحاجة لإعادة تعريف الحشمة، ليس من منطلق الستر فقط، بل من منظور أوسع يشمل القيم، والوعي، والنية، والاعتدال. فالحجاب الذي يفقد معناه، يتحوّل - دون أن نشعر - من ساترٍ إلى مؤطر، ومن حماية إلى تسليط ضوء.

MENAFN03122025000089011017ID1110432952

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث