الذئبة الحمراء.. سباق عالمي لفهم "مرض الألف وجه"
ورغم هذا الانتشار الواسع، يبقى التشخيص تحدّياً كبيراً؛ فالأعراض تتداخل وتتبدّل، وغالباً ما يعاني المرضى أشهراً أو سنوات قبل الوصول إلى الإجابة الصحيحة. ومن بين تلك القصص المؤلمة، تبرز تجربة مريضة أميركية تدعى روث ويلسون التي أصبحت مثالاً صريحاً على حجم المعضلة.
فخلال ستّ سنوات كاملة، تنقّلت ويلسون بين الأطباء والتشخيصات الخاطئة، بينما كانت آلامها، وارتفاع حرارتها، وتورّم مفاصلها، تزداد حدّة دون تفسير. وفي إحدى زياراتها لغرفة الطوارئ، كادت تعود إلى المنزل مرة أخرى دون نتيجة، إلا أنها أصرّت على فحص أخير. كانت تلك اللحظة مفصلية؛ إذ كشف التحليل أن كليتيها تقتربان من الفشل الكامل، وأن جهازها المناعي في حالة انقلاب ذاتي، حيث يهاجم أعضاءها الحيوية بصمت.
قصة ويلسون ليست استثناءً، بل مرآة لما يعيشه كثير من المرضى حول العالم، حيث يتخفّى المرض خلف أعراض متفرقة، ويُشخَّص متأخراً، فيما يواصل تدمير الأنسجة والأعضاء دون أن يُكتشف.
رغم غموض أسبابه، يعيش العلم اليوم طفرة غير مسبوقة في فهم أمراض المناعة الذاتية، مستنداً إلى إرث أبحاث السرطان وتجارب جائحة ((كوفيد-19)). وقد أدّت هذه الجهود إلى كشف مسارات بيولوجية مشتركة بين أمراضٍ تبدو متباعدة، في محاولة للانتقال من علاج الأعراض إلى ضرب جذور الخلل المناعي.
الذئبة مثال صارخ على ((النيران الصديقة)) داخل الجسم؛ التهابات تضرب الجلد والمفاصل، تتسلّل إلى الكلى والقلب والدماغ، وتطفئ حياة المصاب بالتدريج.. تقول روث: ((يبدو المريض طبيعياً.. لكن لا أحد يتخيّل حجم الألم)). والعلماء يدقون ناقوس الخطر أمام أزمة صحية ((صامتة)) تتضخم.. لكنهم يؤكدون أن السنوات الأخيرة حملت تقدماً يمكن أن يغير التاريخ الطبي.
الاختراق الأكبر جاء من تقنية CAR-T التي أحدثت ثورة في علاج السرطان، وبدأت الآن تدخل عالم المناعة، ففي ألمانيا، تلقّى أول مريض بالذئبة هذا العلاج عام 2021، ويعيش منذ ذلك الحين بحالة شفاء دون أدوية، وفقاً للباحثين.
وتُظهر عشرات التجارب السريرية حول العالم نتائج مبشّرة في الذئبة والروماتويد وأمراض أخرى، عبر استخدام خلايا مناعية معدّلة تستهدف الخلايا الشاذة التي تشعل المرض.
كما برز دواء ((تيبليزوماب)) بقدرته على تأخير ظهور السكري من النوع الأول لدى المعرضين للإصابة، وهو ما اعتبره ((المعهد الوطني للصحة)) الأميركي اختراقاً طبياً حقيقياً. ويقول الدكتور أميت ساكسينا من مركز "لانغون": ((نحن نعيش المرحلة الأكثر إثارة في تاريخ أبحاث المناعة الذاتية)).
لماذا يهاجم جهاز المناعة نفسه؟تكشف الدراسات أن الذئبة ليست نتيجة عامل واحد، بل حصيلة مزيج معقد يشمل: الاستعداد الوراثي لدى أصحاب الجينات المناعية الحساسة، وعوامل بيئية مثل الالتهابات والتدخين والملوثات، والهرمونات؛ إذ تمثل النساء 90% من حالات الذئبة، إضافة إلى الإجهاد المناعي والتعرض الزائد للشمس، لكن أحد أكثر الخيوط العلمية إثارة يرتبط بنوع من خلايا المناعة يُسمّى (Neutrophils) ويقابلها بالعربية "العدلات".
ففي مختبر ((المعهد الوطني للصحة)) بواشنطن، اكتشف العلماء أن بعض هذه الخلايا تنتج شبكات لزجة تُعرف بـ NETs تؤدي دور ((مصائد)) لقتل الجراثيم، لكن عند مرضى الذئبة تخرج هذه الشبكات عن السيطرة، فتسبّب التهابات خطرة، وتفسّر ارتفاع خطر الجلطات والنوبات القلبية لدى المرضى الشباب.
يعتقد العلماء أن تلك العملية هي الشرارة الأولى للمرض، كما تكشف الأبحاث أن الذئبة ليست ((مرضاً واحداً))، بل مجموعة أمراض متشابهة ظاهرياً لكنها تختلف في جذورها، وهو ما يفتح الطريق أمام العلاجات الدقيقة المصمّمة لكل مريض.. وحتى ذلك الحين، يعيش المرضى بين الألم.. والأمل.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment