بشار عبدالله.. أسطورة في ذاكرة الكرة الكويتية
حين يُذكر اسمه يتبادر إلى الأذهان فوراً مشهد المهاجم الذكي الذي لا يخطئ الطريق إلى الشباك، واللاعب الذي جمع بين الموهبة الفطرية والانضباط التكتيكي، ليصنع لنفسه مكانة استثنائية في تاريخ الكرة الكويتية والخليجية، لم يكن مجرد هداف، بل كان قائداً داخل المستطيل الأخضر، وصاحب بصمة واضحة في كل فريق ارتدى قميصه.
قصة
في عالم كرة القدم، تصنع الأرقام المجد، لكن خلف كل رقم قصة، وخلف كل هدف رحلة طويلة من العرق والتحدي والصبر، بشار عبدالله ليس مجرد هدّاف تاريخي أو مهاجم بارع مر على الملاعب الكويتية، بل ظاهرة رياضية اكتملت ملامحها عبر سنوات من العطاء، واجه خلالها المجد والإصابة، التصفيق والنقد، النجاح والانكسار، دون أن يفقد يوماً هدوءه أو احترامه للعبة.
بداية
بدأ مسيرته الكروية مع نادي السالمية الكويتي سنة 1994، في سن مبكرة، وهناك بدأت ملامح موهبته تتضح، إذ كان لاعباً سريع الحركة، يمتلك حاسة تهديفية نادرة، ويجيد قراءة مسار الكرة قبل وصولها، وظهرت موهبته مبكراً كمهاجم يمتلك حاسة تهديفية عالية وقدرة مميزة على التحرك داخل منطقة الجزاء، بعدما نجح في تسجيل هاترك ضد نادي خيطان، وسرعان ما لفت أنظار الجهاز الفني للمنتخب الكويتي في تلك الفترة، ليحجز مقعده ضمن كتيبة الأزرق في فترة شهدت منافسة قوية، لكنه أثبت نفسه بجدارة ليصبح أحد أبرز المهاجمين في تاريخ المنتخب. شارك في بطولة كأس الخليج عام 1996 في سلطنة عُمان، وأسهم في الفوز على قطر في المباراة الأخيرة، بعد تسجيله هدفاً مهماً، ثم قاد الكويت إلى الظفر بلقب بطولة الخليج عام 1998، وقد مثّل الأزرق من 1996 إلى 2007، خاض خلالها 134 مباراة، أحرز خلالها 75 هدفاً، وهذا جعله أفضل هدّاف في تاريخ المنتخب الكويتي بنسبة تهديفية 0.56 هدف في كل مباراة دولية، هذا الرقم يوضح قدرته الفائقة على استغلال الفرص أمام المنافسين وتسجيل أهداف بالجملة حين تتاح له الفرصة، وخلال مسيرته الاحترافية خاض تجارب عربية مميزة، أبرزها مع نادي الهلال السعودي، ونادي العين الإماراتي، والغرافة القطري، وكان في كل محطة يترك أثره كلاعب حاسم لا يحتاج سوى فرصة واحدة لتغيير مجرى اللقاء.
ماكينة أهداف
يُعد بشار عبدالله الهدّاف التاريخي للمنتخب الكويتي لفترة طويلة، حيث سجل عشرات الأهداف الدولية في البطولات الخليجية والآسيوية والتصفيات، وتميز بأسلوبه الهادئ أمام المرمى، وقدرته على استغلال أنصاف الفرص، وكان يتميز بقراءة ممتازة لتحركات المدافعين، وتمركز مثالي داخل منطقة الجزاء، وتسديدات قوية بالقدمين، مع إجادة الكرات الرأسية رغم قصر قامته نسبياً، وكان دائم الحضور في المباريات الكبرى، حيث كثيراً ما ارتبط اسمه بالأهداف الحاسمة في اللحظات الفاصلة.
موهوب
الإحصائيات تُبرهن أن بشار عبدالله لم يكن مجرد مهاجم موهوب، بل كان هدّافاً تاريخياً من الطراز الرفيع، فالأرقام تؤكد أنه ترك بصمة لا تُمحى في سجلات الكرة الكويتية، سواء مع الأزرق أو مع الأندية التي مثّلها، ومنذ بدايته في السالمية حتى تجاربه الاحترافية، رسم بشار عبدالله مسيرة رياضية تليق بلقب ((أسطورة)).
عند تحليل أسلوبه داخل الملعب لا يمكن تجاهل العامل الأهم، وهو الذكاء الكروي، فهو لاعب لا ينتظر الكرة، بل يتحرّك لصناعتها، يراقب خطوات المدافعين، ويختار اللحظة المناسبة للانقضاض، بين القدم والرأس، بين التصويب القريب والبعيد، بين الهدف السهل والهدف المستحيل، تنوّعت بصماته التهديفية لتجعل منه مهاجماً متكاملاً لا يعتمد على نمط واحد.
الإصابات
لم تكن مسيرة بشار عبدالله خالية من العثرات، فقد تعرض لعدة إصابات أثرت في استمراريته في بعض الفترات، خصوصاً إصابات العضلات والركبة التي أبعدته عن الملاعب لفترات متقطعة، ورغم ذلك أظهر روحاً قتالية عالية في العودة، حيث كان ينجح دائماً في استعادة بريقه والعودة بنفس الروح والعزيمة، مؤكداً أن النجومية الحقيقية تقاس بالقدرة على النهوض بعد السقوط.
زملاء الملعب
تميّز بشار عبدالله بعلاقاته القوية داخل غرف الملابس، إذ عُرف عنه الاحترام والتواضع وروح الفريق، ولم يكن صاخباً أو مثيراً للجدل، بل كان مثالاً للاعب المحترف الذي يقدّم الدعم لزملائه داخل الملعب وخارجه، وكان دوره يتجاوز تسجيل الأهداف إلى تحفيز اللاعبين الشباب، وتوجيه المهاجمين الصاعدين، وخلق أجواء إيجابية في الفريق، مع المساهمة في بناء روح جماعية قوية، ولهذا بقي محبوباً من الجماهير وزملائه على حد سواء، حتى بعد اعتزاله.
مدربوه
مدربوه يتذكرون لاعباً هادئاً، قليل الكلام، لكنه حاضر دائماً حين يحين وقت الحسم، لم يكن من أصحاب المهارات الاستعراضية، لكنه عرف كيف يختصر المسافات بينه وبين الشباك بأقل مجهود وأكبر تأثير، ومع تألقه في الدوري المحلي، كان الانتقال إلى صفوف المنتخب الكويتي مسألة وقت لا أكثر، كان أحد مدربيه يقول عنه إنه لا يحتاج إلى عشر فرص ليسجل، يكفيه نصف فرصة ليصنع الفارق.
ارتدى بشار عبدالله قميص ((الأزرق)) في مرحلة دقيقة من تاريخ الكرة الكويتية، مرحلة شهدت تحوّلات فنية وتجديداً في الدماء، فكان جزءاً من جيل حاول استعادة الهيبة التي صنعتها الأجيال الذهبية السابقة، وسرعان ما فرض نفسه مهاجماً أساسياً بفضل ثبات مستواه وقدرته على التسجيل تحت الضغط، وهدوئه أمام المرمى، وحسه التكتيكي العالي، ليرتبط اسمه بعدد من الأهداف الحاسمة في البطولات الخليجية وتصفيات كأس العالم وكأس آسيا، ليصبح مرجعاً هجومياً لكل من جاء بعده، ولم يكن يعتمد على القوة البدنية بقدر ما كان يعتمد على الذكاء والتمركز، وهو ما جعله خطراً دائماً على أي دفاع يواجهه.
القائد
بعيداً عن الكاميرات، كان بشار عبدالله لاعباً مختلفاً لم يكن من محبي الأضواء أو التصريحات المثيرة، بل فضّل دائماً أن يتحدث بأدائه داخل الملعب، فزملاؤه وصفوه بأنه صديق قبل أن يكون نجماً، ومستمع جيد، وداعم للشباب، وحريص على وحدة الفريق، وكان يلعب دوراً مهماً في تهدئة الأجواء في اللحظات المتوترة، ويحرص على زرع الثقة في نفوس زملائه، خاصة المهاجمين الصاعدين الذين كانوا يرون فيه قدوة ونموذجاً.
علاقة احترام
رغم شهرته الكبيرة، حافظ على علاقة متوازنة مع الإعلام والجماهير، فلم يدخل في صراعات مفتوحة، ولم ينجرف خلف الاستفزازات، وهو ما أكسبه صورة اللاعب المحترف الهادئ الذي يحترم جمهوره كما يحترم قميصه، وكان اسمه دائماً حاضراً في ذاكرة المشجع الكويتي كونه رمزاً للثبات والالتزام قبل النجومية.
بشار عبدالله ليس مجرد اسم في سجلات الأهداف، بل قصة كفاح ونجاح ووفاء لكرة القدم الكويتية، مسيرته تلخّص معنى الالتزام والاحتراف، وتؤكد أن الهدّاف الحقيقي لا يصنعه الحذاء فقط، بل العقل، والقلب، وروح اللاعب، سيبقى بشار عبدالله علامة مضيئة في تاريخ الكرة الكويتية، ونموذجاً يُحتذى للأجيال القادمة من المهاجمين.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment