"ريمونتادا" الاتحاد.. وصدارة الإمارات
في عام 1971 وُلدت دولة الإمارات بأقل مما تحتاجه أي دولة حديثة للانطلاق: دستور مؤقت، موارد محدودة، وبنية تحتية ضعيفة. كانت من أواخر الدول العربية التي أعلنت استقلالها، في وقت كانت فيه دول مثل مصر والعراق ولبنان والكويت في طليعة المشهد العربي سياسياً واقتصادياً وثقافياً وتعليمياً.
بكل المعايير العالمية، كانت الإمارات في مراكز متأخرة، ولكن الاتحاد فعل ما تفعله الفرق الكبرى حين تكون في أسوأ حالاتها: قلب النتائج، غيّر قواعد اللعبة، وصنع ((ريمونتادا)) تاريخية أعادت رسم خريطة المنطقة. واليوم، بعد 54 عاماً، لم تعد الإمارات تبحث عن موقع، بل أصبحت في الصدارة، تتصدر المؤشرات، وتلهم النماذج، وتُدرّس تجربتها عالمياً.
إن تأمل تلك البداية يكشف أن معجزة الإمارات لم تكن في الموارد، بل في الفكرة. ففي منطقة مضطربة، جاء الاتحاد قراراً استثنائياً جمع ((الإمارات المتصالحة)) تحت راية واحدة، ووحّد الجغرافيا والإنسان تحت سقف دولة فتية. ورغم إخفاق التجارب الاتحادية العربية السابقة، رفضت الإمارات أن تكون جزءاً من هذا الفشل، وحوّلت الشك إلى يقين، والهشاشة إلى صلابة، والبداية المتواضعة إلى سردية نجاح استثنائية.
كان الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، يؤمن بأن الإنسان هو البوصلة، وأن الاتحاد قدر لا خيار، وأن التنمية تسبق السياسة، والعمل يسبق الادعاء. كانت تلك البذرة الأولى لمشروع وطني يتجاوز الجغرافيا وحدود التوقع.
ومع هذا الإيمان، تشكّل تدريجياً نموذج حكم فريد يجمع بين اتحاد قوي وحكومات محلية مرنة. نموذج لا يشبه الأنظمة الملكية التقليدية، ولا الفيدراليات الكلاسيكية، ولا البرلمانات المعرّضة للشلل بفعل التجاذبات الحزبية، بل صياغة إماراتية خاصة توازن بين المركزية الرشيدة والحكم المحلي الفعّال. لدينا اتحاد يتولى الملفات السيادية الكبرى: الدفاع، الأمن، السياسة الخارجية، العملة، الإطار الاقتصادي العام، ولدينا إمارات تدير شؤونها المحلية بسرعة وجرأة، تبتكر نماذجها في التنمية الحضرية والاقتصادية، وتنافس بعضها على الريادة في إطار روح الاتحاد لا منطق التنافس. وفوق ذلك، قيادة عليا تنظر إلى أبعد مدى، تخطط بأفقٍ طويل لا تقف عند دورة انتخابية، بل عند مشروع وطني ممتد حتى رؤية الإمارات 2071.
ومع هذا النموذج، صعدت الإمارات من دولة محدودة الإمكانات إلى دولة تتصدر مئات المؤشرات العالمية. فبحسب تقارير نهاية 2024: تتصدر الإمارات 223 مؤشراً تنافسياً عالمياً في مجالات تشمل الاقتصاد، الرقمنة، جودة الحياة، الأمن، الكفاءة الحكومية، الجاهزية المستقبلية، والابتكار. وبالإضافة إلى ذلك، تتصدر الإمارات مئات المؤشرات الفرعية في مختلف التقارير الدولية الموثوقة، ما يجعلها الأولى عربياً بلا منازع في معظم المجالات التنموية والاقتصادية والاجتماعية.
لم تعد الإمارات حالة عربية استثنائية، بل أصبحت نموذجاً يُقارن بأعرق التجارب التنموية في العالم. ومن بين كل مفارقات النجاح الجميلة، أن الدولة التي بدأت متأخرة أصبحت اليوم الأسرع تقدماً، والأكثر قدرة على اتخاذ القرار، والأكثر استعداداً للمستقبل.
وكل ذلك لم يكن صدفة؛ فالشرعية الحقيقية في الإمارات ليست خطاباً سياسياً، بل شرعية تنموية تُبنى من جودة التعليم، وكفاءة الصحة، وسهولة الخدمات الحكومية، وكفاءة مؤسسات الدولة، وثقة الناس حين يرون الوعود تتحول إلى حقائق. إنها شرعية صنعها الإنجاز، ورسّخها الأداء، وعزّزتها شجاعة القيادة: شجاعة الحلم حين يخاف الآخرون، وشجاعة القرار حين يتردد الآخرون، وشجاعة التنفيذ حين يكتفي الآخرون بالشعارات.
ونستحضر هنا قوله تعالى: ﴿وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ﴾ آية تذكّرنا بحكمة الله وسننه في خلقه بأن حال الدنيا تداول بين فوز وخسارة، وصعود وهبوط، وأن الأمم لا تُخلَّد على حال، بل تُختبر في قدرتها على الثبات حين تبلغ القمة قبل أن تُختبر في قدرتها على الصعود إليها.
لقد انطلقت الإمارات من مؤخرة الركب، ثم أصبحت في طليعته. الوصول إلى القمة كان صعباً، لكن الحفاظ عليها أصعب. فالقمة ليست موقعاً ساكناً ولا مكسباً مضموناً؛ فالعالم يتغير بسرعة، والسباق التقني يشتعل، والتحديات الجيوسياسية تتزايد، والأصوات المغرضة ترتفع كلما ارتفع النجاح.
إن يوم الاتحاد ليس ذكرى عاطفية نحتفي بها، بل محطة وعي نسترجع فيها معجزة الحاضر، ونستشرف ملامح الغد، ونراجع مسؤوليتنا تجاه هذا النموذج الفريد الذي صعد إلى الصدارة.
ولذلك، فإن مسؤولية القيادات الوطنية، اليوم، ليست فقط في استمرار البناء، بل في حماية المنجز، ومضاعفة الوعي، وتحصين الاتحاد من أي خطر، والرد على التشكيك بالعمل لا بالجدال، وبالنتائج لا بالخطب.
إن ما تحقق خلال 54 عاماً يمكن أن يتراجع إذا غاب الوعي، أو ضعفت المسؤولية، أو ساد منطق الاكتفاء بما هو قائم. فالاتحاد مشروع حي، والقمة ليست مضمونة لأحد؛ إنها تُنتزع كل يوم بالقرارات الصحيحة، والإدارة الحكيمة، والعمل المخلص.
وإذا كانت قصة الإمارات قد بدأت بـ((ريمونتادا)) تاريخية، فإن استدامتها تتطلب وعياً بأن القادم قد يكون أصعب، لكنه سيكون الأجمل بإذن الله، ما دمنا نحمل البوصلة نفسها، ونمضي بالرؤية نفسها، ونعمل بروح القيادة التي لا تتوقف عن التقدم.
ومع قيادة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، ومع إخلاص أبناء الوطن في كل موقع، ستبقى الإمارات في الصدارة.. لا لأن الصدارة هدف بحد ذاته، بل لأنها قدر دولةٍ اختارت أن تصنع مستقبلها بيدها.. وأن تجعل من الاتحاد رهانها الدائم على الغد.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

Comments
No comment