الأخبار الأكثر تداولاً
رفع العقوبات عن سوريا.. اتجاهات متناقضة داخل أمريكا
فبينما تتعامل الإدارة الأمريكية مع سوريا بصفتها ملفاً مفتوحاً على مرحلة جديدة، يتجه جزء من المؤسسة التشريعية إلى إعادة تعريف البيئة السورية من زاوية أمنية بحتة، الأمر الذي يجعل مسار العقوبات ساحة صراع داخلي بين رؤيتين متعارضتين.
تجلّى هذا التناقض بوضوح في التعديل الذي مرّره مجلس النواب الأمريكي، بتوجيه من النائب مورجان لوتريل، والذي يلزم وزارة الأمن الداخلي بإعداد تقييم شامل للتهديدات الإرهابية المحتملة القادمة من سوريا، حتى بعد سقوط النظام السابق ورفع التصنيفات عن القيادة الجديدة.
ورغم أن لغة التعديل لا تعترض على مبدأ الانفتاح تجاه دمشق، إلا أنها تُعيد فرض شرط أمني يتطلب وقتاً ومداولات وتقارير استخبارية، وهو ما يعني عملياً إبطاء أي مسعى لرفع العقوبات أو تعديل التشريعات المتعلقة بها، مثل قانون قيصر.
فمنذ سقوط النظام السابق، تمسكت واشنطن برؤية مفادها، أن المرحلة الانتقالية السورية تحتاج إلى مزيج من الأدوات السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وأن العقوبات الشاملة لم تعد قادرة على مواكبة الديناميكيات الجديدة التي تتشكل. وتحولت هذه الرؤية إلى خطوات ملموسة، من بينها رفع بعض التصنيفات الإرهابية عن سوريا الجديدة، وإعادة فتح النقاش داخل صندوق النقد الدولي حول برامج التعاون مع دمشق، وحتى دراسة إعفاءات مرتبطة بالبنية التحتية والطاقة والحدود. كل هذه الخطوات عكست توجهاً تنفيذياً يريد التحرك بمرونة.
في المقابل، يتزايد حضور اتجاه آخر داخل الكونغرس، خصوصاً في لجان الأمن القومي والاستخبارات، يرى أن انتهاء النظام القديم لا يكفي لإزالة المخاطر المحتملة التي قد تنشأ من الجغرافيا السورية. ويعتبر هذا الاتجاه أن سوريا ما زالت بيئة معقدة تضم مجموعات غير منضبطة، وشبكات عابرة للحدود، وتحولات ميدانية لم تصل بعد إلى مرحلة الاستقرار الدائم.
ومن هذا المنطلق، يدفع هذا التيار باتجاه تثبيت العقوبات، أو إعادة تكييفها بدلاً من رفعها، ويرى أن أي خطوات نحو الانفتاح، يجب أن تمر أولاً عبر بوابة تقييم أمنية تعمل كخط دفاع أمامي قبل اتخاذ أي قرار سياسي أو اقتصادي.
وفي اللحظة الراهنة، تبدو الإدارة الأمريكية مستعدة لإعادة هندسة نظام العقوبات بما يتناسب مع مرحلة ما بعد الأسد، بينما يبدو الكونغرس أكثر انقساماً تجاه سوريا. التعديل الذي قدمه لوتريل يُقرأ بدقة داخل هذا السياق.
وتترتب على هذا التناقض آثار مباشرة على الملف السوري. فمن جهة، يستمر البيت الأبيض في منح الإشارات السياسية المتدرجة للحكومة الجديدة وتشجيع خطواتها، سواء عبر التعاون الأمني، أو عبر الانفتاح الاقتصادي. ومن جهة أخرى، يفرض الكونغرس شروطاً أمنية تجعل رفع العقوبات عملية بطيئة وأكثر تعقيداً.
والنتيجة أن سوريا تجد نفسها أمام مسارين متوازيين أمريكياً: مسار تنفيذي منفتح، ومسار تشريعي متحفظ، وكل منهما يسحب الملف باتجاه مختلف. هذه المعضلة قد تتحول إلى تحدٍ حقيقي أمام أي خطة لإعادة دمج سوريا في النظام الإقليمي والدولي.
فالإدارة الأمريكية قد تمتلك الرغبة السياسية في تخفيف القيود، لكن من دون أرضية تشريعية مستقرة، سيظل الانفتاح الخاضع للعقوبات رهينة تقارير أمنية ومداولات داخل اللجان. وهذا يعني أن القرارات الكبرى المتعلقة برفع قانون قيصر أو تعديل منظومة العقوبات ستبقى معلّقة إلى حين ظهور تقييمات استخباراتية ترضي الجناح التشريعي الأكثر تشدداً، والذي يعيق عملية نهوض سوريا، سواء بقصد أو من دونه.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
Comments
No comment