الأخبار الأكثر تداولاً
هل بدأ البشر يميلون للتحدث إلى الآلات الذكية بدلاً من بعضهم البعض؟
في ((دردشة جانبية)) ضمن مؤتمر استضافه مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي هذا الصيف، أشار سام ألتمان الرئيس التنفيذي لشركة ((أوبن ايه آي)) تحديداً إلى موظفي خدمة العملاء كإحدى المهن التي يعتقد أنها ((ستختفي تماماً)) بسبب الذكاء الاصطناعي.
قال إنه مع ((روبوتات دعم العملاء التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، تتصل مرة واحدة فقط وينتهي الأمر)). ونتيجة لذلك، قال: ((لا يزعجني على الإطلاق أن يكون هذا ذكاءً اصطناعياً وليس شخصاً حقيقياً))، لكنه رأى التفاعل مع الأطباء بشكل مختلف، وقال: ((ربما أكون من فصيلة منقرضة هنا، لكنني لا أريد حقاً أن أعهد بمصيري الطبي إلى ((شات جي بي تي)) دون وجود طبيب بشري في العملية)).
هذا صحيح بالنسبة لكثيرين، فمعظم الناس مستعدون للتحدث إلى آلة لأغراض مثل خدمة العملاء، لكن ليس عندما يتعلق الأمر بأمور بالغة الأهمية وشخصية مثل صحتهم. وفيما يتعلق بمراكز الاتصال، هناك بالفعل بعض الدلائل على أن الذكاء الاصطناعي يحل محل العاملين؛ فقد وجدت ورقة بحثية عنوانها ((طيور الكناري في مناجم الفحم)) أجراها فريق إريك برينجولفسون في مختبر الاقتصاد الرقمي بجامعة ستانفورد، أن التوظيف لمن هم في بداية حياتهم المهنية لأدوار خدمة العملاء انخفض بنحو 10% بين أواخر عام 2022 ويوليو 2025، لكن جوناثان شميدت، المحلل في شركة الأبحاث جارتنر، يقول إن البعض ((حاول جاهداً تغيير الوضع تماماً، في حين أن الواقع هو أنه -ببساطة- لا يستطيع ذلك. فالعمليات والهياكل -ناهيك عن توقعات العملاء- لا تدعم الأتمتة الكاملة للذكاء الاصطناعي في جميع التفاعلات)).
كذلك، لا تعتقد جارتنر أن أياً من شركات فورتشن 500 ستقوم بأتمتة كاملة لخدمة العملاء بحلول عام 2028، وتعتقد أن نصف المؤسسات التي توقعت ((تقليصاً كبيراً في قوة العمل الخدمية لديها بسبب الذكاء الاصطناعي)) ستتخلى عن هذه الخطط بحلول عام 2027.
فلماذا يصعب التخلي كلياً عن البشر حتى في خدمة العملاء؟ قد يستخدم الذكاء الاصطناعي لأتمتة استفسارات العملاء المباشرة، ولكن عندما يتعلق الأمر بالقضايا الأكثر تعقيداً، فستوجد قيود تقنية وتنظيمية. وغالباً ما يتطلب حل المشكلات المعقدة معرفة ضمنية بالمؤسسة ونقاط الصعوبة، بالإضافة إلى إمكانية الوصول إلى بياناتها، كما قد يتطلب الأمر قدراً من التشاور والتواصل لمساعدة بعض العملاء على توضيح ماهية المشكلة فعلياً.
وهناك تفضيلات العملاء، فقد وجدت إحدى الدراسات البحثية أن الناس يقيّمون الروبوتات بشكل أكثر سلبية من البشر حتى مع تطابق الخدمة المقدمة. وعزا الباحثون هذه الاستجابة إلى اعتقاد هؤلاء العملاء بأن الشركة تستخدم الأتمتة لخفض التكاليف بدلاً من تحسين الجودة.
إنك عندما تتصل بخط خدمة العملاء، فغالباً ما تكون منزعجاً بالفعل، خاصة أن ذلك يتم لأن الأسئلة والأجوبة على الموقع الإلكتروني وروبوت الدردشة النصية لم يتمكنا من مساعدتك. وبالإضافة إلى الرغبة في حل المشكلة، فإنك قد ترغب أيضاً في التنفيس عن غضبك لشخص ما والشعور بأنه قد تم الاستماع إليك، لذا يقول عدد كبير من موظفي مراكز الاتصال الآن إنهم غالباً ما يحرصون على إقناع العملاء الغاضبين بأنهم بشر حقيقيون وليسوا روبوتات ذكاء اصطناعي.
في المقابل، وجدت ورقة بحثية للخبير الاقتصادي برايان جاباريان من كلية شيكاغو بوث، وزميله لوكا هينكل، أن الاستعانة بوكلاء من الذكاء الاصطناعي لإجراء مقابلات عمل يُمكن أن يُحقق نتائج واعدة في بعض الظروف.
وركزت دراستهما على عملية التوظيف في شركة خدمة عملاء في الفلبين، ووجدت أن المقابلات التي تُدار بواسطة الذكاء الاصطناعي لم تكن فقط أكثر احتمالاً لأن تُسفر عن عروض عمل وبدء وظائف جديدة مقارنةً بالمحادثات التي يقودها مسؤولو التوظيف، بل أدت أيضاً إلى نتائج أفضل على المدى الطويل من حيث الاحتفاظ بالموظفين، ما يُشير إلى أنها تُنتج بالفعل توافقاً جيداً بين المرشحين وأصحاب العمل. من المثير للاهتمام أن معظم المتقدمين اختاروا أيضاً إجراء المقابلات بواسطة الذكاء الاصطناعي بدلاً من البشر عندما أُتيحت لهم الفرصة.
السبب الرئيسي لهذه النتائج بسيط: تتميز مُقابلات الذكاء الاصطناعي بالاتساق، في حين لا يتمتع البشر بذلك. وبينما التزمت مقابلات الذكاء الاصطناعي عموماً بإرشادات المقابلة وغطت جميع المواضيع الرئيسية، غالباً ما كان المُحاوِرون البشريون يتخذون مساراً أكثر تعقيداً، وكانوا أقل قدرة على الخوض في جميع الأسئلة. ونتيجةً لذلك، مالت مقابلات الذكاء الاصطناعي إلى جمع معلومات أكثر صلة من المُتقدمين، لذلك قيّم مراقبو التوظيف المقابلات التي يقودها الذكاء الاصطناعي بشكل أفضل من تلك التي أجروها بأنفسهم.
كانت هناك محاذير عدة في هذه الدراسة -ليس أقلها صعوبة تعميمها على مجالات أخرى- لكن هناك اعتقاد بالنتيجة التي مفادها أنه في بعض البيئات ذات الأخطار المنخفضة ((مثل التوظيف في بعض الوظائف التي تتطلب مهارات أقل))، فإن قدرة الذكاء الاصطناعي المُولّد على إجراء محادثة مثمرة مع اتباع الإرشادات باستمرار لديها القدرة على توفير قدر كبير من وقت العاملين البشريين، والذي يُمكن استغلاله في مهام أكثر قيمة.
وهناك مجال مختلف تماماً -وبالتأكيد ذو أخطار عليا- نرى فيه بعض النتائج المثيرة للاهتمام في محادثات الذكاء الاصطناعي هو الرعاية الصحية. قد نتخيل مواضيع طبية حساسة، وأن ضرورة الحصول على مشورة الخبراء تجعل هذا المجال آخر نطاق يمكن فيه العثور على فوائد الذكاء الاصطناعي، لكن الأبحاث الحديثة تشير إلى أن الكثير من المرضى باتوا يفضلون مناقشة المشكلات الصحية مع روبوتات الدردشة الذكية مقارنةً بالدردشات مع ممارسي الرعاية الصحية.
وتتجلى النتائج الواعدة بدرجة كبرى في مجال الصحة النفسية، حيث تشير الدراسات باستمرار إلى أن الناس لا يعبرون فقط عن مستويات عالية من الرضا عن روبوتات الدردشة، بل يظهرون أيضاً انخفاضاً بأعراض الاكتئاب مقارنةً بمجموعات المراقبة الأخرى.
ويبدو أن هناك آليتين رئيسيتين وراء ذلك. وقد تفاجئك الأولى حيث يفيد المستخدمون باستمرار أن الذكاء الاصطناعي متعاطف للغاية -أكثر في الواقع من ممارسي الرعاية الصحية المنخرطين في محادثات نصية مماثلة. وبينما يمكن أن يكون البشر متقلبين، أو متعبين أو متوترين، يحتفظ الذكاء الاصطناعي بشخصية هادئة ومتفائلة. الثانية هي أن الإحراج غالباً ما يُشكل عائقاً أمام مناقشة الناس مواضيع صحية حساسة، وخاصةً في بعض الثقافات، في حين يشعرون براحة كبرى عند الانفتاح على الذكاء الاصطناعي.
وهكذا، من المثير للاهتمام حقاً أننا نعيش في عالم يضغط فيه الناس على زر الصفر بغضب وبشكل متكرر في مكالمة خدمة العملاء لأنهم يريدون التحدث إلى شخص طبيعي بشأن عطل في النطاق العريض لديهم، في حين قد يفضلون التحدث إلى آلة بشأن صحتهم العقلية. وبالطبع، قد لا يكون هؤلاء الأشخاص هم المجموعة نفسها.
هناك أدلة مثبتة على أن روبوتات الدردشة الذكية قادرة على تخفيف مشكلات الصحة النفسية لدى أشخاص عدة قد لا يتمكنون من الحصول على المساعدة لولا ذلك، ولكن في الوقت نفسه، تم تسجيل حالات قليلة مثيرة للقلق لأشخاص ينتهجون سلوكيات مزعجة بعد محادثاتهم مع ((شات جي بي تي))، ومن ذلك ظهور ((ذهان الذكاء الاصطناعي)) إلى جانب حادثة لانتحار مراهق.
لا شك في أن جهوداً جبارة ستُبذَل لإضافة وتوفير ضمانات لعدم تكرار مثل هذه النتائج المتطرفة، لذلك قد يبقى التحدث إلى الذكاء الاصطناعي محفوفاً بالأخطار بالنسبة لبعض الفئات.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
Comments
No comment