مجتمع خفي يُعيد صياغة علم الأحياء البشري على ارتفاع 13 ألف قدم

(MENAFN- Al-Bayan) كشف فريق بحثي دولي عن دليل علمي حيّ يؤكد أن الإنسان ما زال يخضع للتطور البيولوجي، وذلك من خلال دراسة جديدة رصدت تكيفات فسيولوجية وجينية فريدة لدى نساء يعشن في واحدة من أقسى البيئات على الأرض بالقرب من الحافة الجنوبية لهضبة التبت.

البحث، الذي نُشر في مجلة PNAS العلمية المرموقة، يسلّط الضوء على قدرة جسم الإنسان على الابتكار الحيوي لمواجهة نقص الأكسجين المزمن في المرتفعات العالية.

تجري الدراسة في منطقة أبر موستانغ شمال نيبال، على ارتفاع يتراوح بين 3,600 و4,200 متر، حيث لا تتجاوز مستويات الأكسجين 60% مما اعتاد عليه البشر في المناطق المنخفضة، وفقا لـ ديلي جالكسي.

ورغم هذه الظروف القاسية، التي تصيب الزائرين عادة بالصداع والتعب والغثيان، أظهرت النساء المحليات قدرة استثنائية على البقاء والإنجاب بمعدلات مرتفعة.

شملت الدراسة 417 امرأة تبّتية تتراوح أعمارهن بين 46 و86 عاماً، وتم تسجيل تاريخهن الإنجابي، وقياسات فسيولوجية شملت مستويات الهيموغلوبين وتشبع الأكسجين وبنية القلب، إضافة إلى تحليل عينات DNA.

نتائج تربط الكفاءة التنفسية بمعدلات الخصوبة

أظهرت النتائج أن النساء اللاتي يمتلكن مستويات متوسطة من الهيموغلوبين، بعيداً عن الارتفاع المفرط أو الانخفاض، مع مستويات مرتفعة من تشبع الهيموغلوبين بالأكسجين، هن الأكثر إنجاباً.

وتراوح عدد الولادات بين صفر و14 طفلاً، بمتوسط 5.2 أطفال لكل امرأة، وهو ما اعتبره الباحثون دليلاً مباشراً على فعالية هذه التكيفات في تعزيز النجاح الإنجابي.

كما رصد الفريق ارتفاعاً في تدفق الدم الرئوي واتساعاً أكبر للبطين الأيسر لدى النساء، وهي سمات تعزّز أكسجة الدم دون زيادة لزوجته؛ على عكس ما يحدث عادة في الارتفاعات العالية.

بصمة تطورية تعود إلى البشر الدنيسوفيين

على المستوى الجيني، ركّزت الدراسة على متغير في جين EPAS1 المنظم لإنتاج خلايا الدم الحمراء.

هذا المتغير موجود تقريباً حصرياً لدى التبتيين، ويُعتقد أنه انتقل إليهم عبر التزاوج القديم بين أسلافهم ونوع بشري كان يُعرف بـ الدنيسوفيين قبل أكثر من 50 ألف عام.

وتبين أن النساء اللواتي يحملن هذا المتغير يمتلكن الصفات الفسيولوجية نفسها المرتبطة بزيادة الخصوبة، بما يشمل تحسين توصيل الأكسجين دون الارتفاع الخطير في مستويات الهيموغلوبين، الذي قد يؤدي إلى أمراض قلبية أو رئوية.

مسارات تطورية مختلفة في مواجهة التحدي نفسه

وتقارن الدراسة بين التبتيين وسكان الأنديز في أمريكا الجنوبية، الذين يعيشون أيضاً على ارتفاعات عالية لكنهم طوّروا تكيفاً مختلفاً يقوم على ارتفاع كبير في الهيموغلوبين.

هذا الحل، رغم فعاليته، يسبب زيادة في لزوجة الدم وإجهاداً للقلب، مما يجعله أقل كفاءة من التكيف التبتي الذي يعتمد على تهوية رئوية أفضل، وتدفق دم أعلى، وتنظيم جيني فريد.

ويؤكد الباحثون أن هذه الاختلافات تمثل مثالاً واضحاً على التطور المتقارب، حيث تواجه مجموعات بشرية مختلفة الظروف ذاتها لكنها تطوّر حلولاً بيولوجية مميزة.

تطوّر الإنسان... عملية مستمرة

وقالت الباحثة الرئيسية سينثيا بيل إن الدراسة "تمنح العلماء فرصة نادرة لرؤية الانتقاء الطبيعي وهو يعمل في الحاضر، لا في الماضي فقط"، مشيرة إلى أن هذه النتائج تعمّق فهمنا لقدرة الإنسان على التكيف مع البيئات المتطرفة.

ويشير العلماء إلى أن هذه الاكتشافات لا تقتصر أهميتها على سكان هضبة التبت، بل قد تفتح آفاقاً لفهم مستقبل التكيف البشري في ظروف مناخية أو بيئية قاسية قد يشهدها العالم لاحقاً.

MENAFN23112025000110011019ID1110383985

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث