باحثة: ندرة الموارد والتغير المناخى يعيد تشكيل قطاع الغذاء العالمى

(MENAFN- Youm7)

قالت الدكتورة ناهد الوحش الباحث بـ معهد بحوث تكنولوجيا الاغذية أن قطاع الغذاء العالمى يشهد تحولاً جذرياً مدفوعاً بتحديات الاستدامة وندرة الموارد والتغير المناخي، وفي هذا السياق، تبرز "الزراعة الخلوية" (Cellular Agriculture) كأحد أبرز الابتكارات العلمية في القرن الحادي والعشرين، حيث تقدم مقاربة ثورية لإنتاج مكونات غذائية عالية القيمة، أبرزها الحليب، دون الحاجة إلى تربية الحيوانات التقليدية، هذا التوجه لا يعد مجرد بديل، بل هو نقلة نوعية في علم الأحياء الصناعي وفي مفاهيم الاستدامة وسلامة الغذاء.

تعريف ومقاربة التكنولوجيا

وأضافت الوحش أن الزراعة الخلوي تعرف بأنها نظام إنتاج يعتمد على الاستفادة من خلايا الكائنات الحية أو الميكروبات لإنتاج المكونات الحيوية الغذائية، وفي حالة الحليب، يستبدل القطيع الحيواني بتقنيات بيولوجية دقيقة لإنتاج نفس البروتينات والدهون والسكر (اللاكتوز) الموجودة في الحليب التقليدي. وتعتمد هذه التقنية بشكل أساسي على منهجيتين رئيسيتين: التخمير الدقيق (Precision Fermentation)، وزراعة خلايا الغدد الثديية (Mammary Cell Culture).

المنهج الأول: التخمير الدقيق لإنتاج المكونات الحليبية

يُعد التخمير الدقيق حالياً التقنية الأكثر تقدماً وشيوعاً لإنتاج مكونات الحليب الخلوية، وتعتمد على الهندسة الوراثية الدقيقة، يتم فيها إدخال الجينات المسؤولة عن إنتاج بروتينات الحليب، مثل الكازين وبروتينات مصل الحليب، في كائنات دقيقة آمنة غذائياً مثل الخمائر أو الفطريات.

تبدأ الميكروبات، بعد إدخال الجينات، بالتعبير عن هذه البروتينات المستهدفة خلال عملية التخمير داخل مفاعلات حيوية (Bioreactors) يتم التحكم في حرارتها ودرجة حموضتها بعد ذلك، تستخلص البروتينات من المرق الميكروبي وتنقى للحصول على بروتين نقي مطابق في تسلسله الجيني للبروتين الطبيعي.
مزايا التخمير الدقيق:

كفاءة وإنتاجية عالية: تسمح بسرعة في التحجيم الصناعي.

دقة التركيب: إمكانية التحكم الدقيق في التركيب الجزيئي والنقاء.

استدامة بيئية: تقليل كبير في انبعاثات الكربون واستهلاك المياه بنسبة تصل إلى 90% مقارنةً بالإنتاج التقليدي.

تستخدم هذه البروتينات حالياً في تصنيع الأجبان والمشروبات الغنية بالبروتين وبدائل لبن الأم الخالية من البروتين الحيواني.

المنهج الثاني: محاكاة بيولوجية عبر زراعة الخلايا الثديية
تمثل زراعة خلايا الغدد الثديية النموذج الأقرب بيولوجياً لإنتاج الحليب الكامل، إذ تحاكي الوظيفة الطبيعية للخلية الثديية في الحيوان. تبدأ العملية بعزل خلايا طلائية ثديية أو استخدام خلايا جذعية متعددة القدرات (iPSCs) يعاد توجيهها لتصبح خلايا مفرزة للحليب.

تزرع هذه الخلايا في مفاعل حيوي ثلاثي الأبعاد يحاكي البيئة الفسيولوجية للغدة الثديية، حيث يتم تزويدها بوسط صناعي يحتوي على الجلوكوز، والأحماض الأمينية، والفيتامينات، والهرمونات. بعد التحفيز، تفرز الخلايا مكونات الحليب (البروتينات، الدهون، والسكريات) في الحيز خارج الخلايا، ليتم تجميعه ومعالجته.

أهم المزايا والتحديات:

إنتاج حليب متكامل: يمكن لهذا المنهج إنتاج مصفوفة حليب شاملة بالبروتينات والدهون واللاكتوز بنفس النسب تقريباً، ما يمنحها قواماً أقرب إلى الحليب الطبيعي.

التحدي الاقتصادي: لا تزال التكلفة الإنتاجية للوسط الخلوي مرتفعة، كما أن عملية التحجيم الصناعي تتطلب أنظمة حيوية معقدة للحفاظ على وظيفة الخلايا على المدى الطويل.

على الرغم من التحديات، تشير الأبحاث الحديثة، مثل دراسة (Kwon et al., 2024)، إلى نجاح النماذج التجريبية في إنتاج حليب خلوي بمواصفات قريبة جداً من الحليب البقري في مفاعلات مصغرة، مما يفتح الأفق للتحجيم الصناعي خلال العقد القادم.

تظهر دراسات تقييم دورة الحياة (LCA) أن الزراعة الخلوية يمكن أن تقلل انبعاثات غازات الدفيئة بنسبة 85% واستهلاك المياه بنسبة 90%، مما يجعلها حجر الزاوية في صناعة الألبان المستدامة. يكمن التحدي الاقتصادي الحالي في خفض تكلفة الإنتاج للوصول إلى أسعار تنافسية.

تتجه الأبحاث المستقبلية نحو دمج التخمير الدقيق وزراعة الخلايا لإنتاج "حليب هجين"، وتطوير وسائط نمو منخفضة التكلفة باستخدام مغذيات نباتية. هذا بالإضافة إلى العمل على معالجة التحدي التقني المعقد لتكوين الميسيلات الكازينية التي تؤثر على الخواص الحسية والقوام.

تمثل الزراعة الخلوية لإنتاج الحليب خطوة فارقة نحو بناء نظام غذائي أكثر استدامة وذكاءً. إنها توظف أدوات البيولوجيا التركيبية والتكنولوجيا الحيوية لإنتاج غذاء عالي القيمة دون استنزاف الموارد هذا النهج لا يوفر بديلاً نظيفاً فحسب، بل يفتح آفاقاً لإعادة تعريف مفهوم الغذاء ذاته، مقرباً العالم من عصر تصبح فيه الألبان الخلوية رمزاً للتوازن بين الابتكار العلمي والوعي البيئي، وخطوة واقعية نحو تحقيق أمن غذائي عالمي مستدام.



MENAFN19112025000132011024ID1110370891

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

البحث