403
Sorry!!
Error! We're sorry, but the page you were looking for doesn't exist.
الفقد والادعاء.. حين يساء فهم معنى القوة
(MENAFN- Al Watan)
تأتي على الإنسان ساعاتٌ يخلع فيها الوجودُ ثوبه المزخرف، ويعرِضه على مرآة الحقيقة، فيرى نفسه عاريةً من كل زيفٍ وزينة، فلا يبقى له من مظاهر القوة إلا جوهرها، ولا من دعوى الثبات إلا امتحانها. هي تلك اللحظات التي تنهدّ فيها أركان النفس كما تنهدّ الجبال إذا زُلزلت، حين يُنتزع منها من كان ركنها الوثيق، وسندها الذي لا يميل ولا يلين. إن فقد الوالدين ليس من حوادث الدهر العابرة، بل هو نازلةُ الوجود الكبرى، وانطفاءُ الجذر الذي كان يمدّ القلب بالحياة، وسقوطُ نجمٍ كان يُضيء سماء العمر. هو وجعٌ لا يبرأ بالتصبّر اللفظي، ولا يُرمّم بالمواساة المجلوبة من ظاهر القول.
الأبُ هو الحصن الذي تُشدّ إليه أزرُ العزائم، والظلُّ الذي يقي القلبَ لفحَ الضعف إن ذبلت الأحلام. والأمُّ نبعُ الرحمة الذي لا يغيض، وسرّ الطمأنينة الذي لا يخبو؛ هي أول الدعاء على اللسان، وآخر ما يختبئ في زوايا الحنين.
من فقدهما، فقد وطنين كان يسكنهما، وسماءً كان يستظلّ بها من حرّ الأيام.
فالوالدان ليسا فصلًا من كتاب العمر، بل هما الكتاب كلّه، بهما يبدأ المعنى، وبهما يكتمل الرضا، وبهما يُطبع الوجود بخاتم السكينة.
ومع ذلك، ترى في هذا الزمان من يفاخر بأنه خرج من مأتم أبيه إلى عمله، أو أبرم صفقةً يوم وارى الثرى أمّه، فيعدّ ذلك من مظاهر القوة، كأن الحزن عارٌ يُستر، وكأن الدمع نقيصةٌ تُخفى، وكأن الوفاء ضعفٌ يُستحى منه.
أي بطولةٍ في أن تودّع قلبك إلى قبر أبيك ثم تمضي تساوم على متاع زائل؟
وأي مجدٍ في أن تلبس الصبر ثوب الادّعاء وتتباهى بأنك لم تنكسر؟. إن الحزن على الوالدين ليس انكسارًا، بل وفاءٌ يليق بجلال العطاء. ومن لم يقف خاشعًا أمام غياب من كان سبب وجوده، لم يدرك بعدُ حقيقة الوجود.
القوة ليست أن تُخفي الجرح، بل أن تفهمه؛ ولا أن تكتم الدمع، بل أن تعرف متى تطلقه بعزةٍ وصدق. الذين يربطون الصلابة بالجمود، كمن يظنّ أن الحجر أقوى من القلب، وما دروا أن القلب وحده من ينهض بعد الانكسار، وأنه إذا بكى طَهُر، وإذا حزن أضاء. فالحزن في جوهره وعيٌ بالمعنى، ودليل حياةٍ في القلب، لا علامة ضعف. هو الممرّ الذي يخرج منه الإنسان أنقى نظرًا، وأصفى روحًا، وأوسع صدرًا، كأن الوجع بابٌ يُفضي إلى النور. ومن لم يذق طعم الفقد، لم يعرف بعدُ مذاق الوجود. وليس الحزن خروجًا عن الرضا، ولا خذلانًا للإيمان؛ بل هو من صفات القلوب التي ذاقت العطاء حتى آخر قطرة. قال الله تعالى في شأن نبيّه يعقوب عليه السلام: ((وتولّى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم))، فلم يعب الله عليه حزنه، بل خلّد ذكره، وجعل كظمه له سموًّا في الصبر، وجمالًا في الرضا.
وكذلك بكى نبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم، وقال: ((إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)). فكان في دمعه بيانٌ أن الحزن لا يُنافي الإيمان، بل يُزكّيه، وأن الرجولة لا تنقص بالدمع، بل تزدان به طهرًا ونبلًا. فالعين لا تدمع إلا إذا كان في القلب حياة، ولا يحزن على الفقد إلا من ذاق العطاء كاملًا، وأدرك أن كل حبٍّ صادقٍ لا يُخلف إلا وجعًا جميلًا. الحزن على الوالدين إذًا ليس نواحًا على الراحلين، بل شهادةُ وفاءٍ لجلال المقام وبهاء الأثر. وكفى بهما شرفًا أن الله قرن طاعتهما بعبادته فقال جلّ شأنه: ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا))، فما بعد هذا المقام مقام، ولا بعد هذا القدر قدر.
من بكى عليهما، بكى على جذر أصله، ومن دعا لهما، دعا لنفسه حين كانت في كنف الطهر والأمان. وما أكرم أن يبقى الدعاء لهما لسانَ حال الأبرار، يسقي ذكراهما ماء الوفاء كلّما مرّت نسائم الحنين على قبريهما. إن البطولة الحقّة ليست أن تمضي كأن شيئًا لم يكن، بل أن تمضي ومعك الوجع رفيقًا مطواعًا، تصاحبه بالحكمة، وتغذّيه بالصبر، وتجعل من دمعتك نبعَ فهمٍ لا غرقَ يأس. فمن قال: تألّمتُ، ولكني سأحيا، فقد أدرك سرّ الوجود كما أراده الله:
أن تحزن فتزداد إنسانًا، وأن تنكسر فتقوم على معنى جديدٍ للحياة. وسلامٌ على كلّ أمٍّ وأبٍ رحلا، فبقيا فينا حياةً لا تُرى، ودعاءً لا ينقطع، ورضًا يسكن الأرواح بعد الفقد، ونورًا خفيًّا يهدي القلوب إلى معنى الوفاء كلّما أظلمت دروبها.
الأبُ هو الحصن الذي تُشدّ إليه أزرُ العزائم، والظلُّ الذي يقي القلبَ لفحَ الضعف إن ذبلت الأحلام. والأمُّ نبعُ الرحمة الذي لا يغيض، وسرّ الطمأنينة الذي لا يخبو؛ هي أول الدعاء على اللسان، وآخر ما يختبئ في زوايا الحنين.
من فقدهما، فقد وطنين كان يسكنهما، وسماءً كان يستظلّ بها من حرّ الأيام.
فالوالدان ليسا فصلًا من كتاب العمر، بل هما الكتاب كلّه، بهما يبدأ المعنى، وبهما يكتمل الرضا، وبهما يُطبع الوجود بخاتم السكينة.
ومع ذلك، ترى في هذا الزمان من يفاخر بأنه خرج من مأتم أبيه إلى عمله، أو أبرم صفقةً يوم وارى الثرى أمّه، فيعدّ ذلك من مظاهر القوة، كأن الحزن عارٌ يُستر، وكأن الدمع نقيصةٌ تُخفى، وكأن الوفاء ضعفٌ يُستحى منه.
أي بطولةٍ في أن تودّع قلبك إلى قبر أبيك ثم تمضي تساوم على متاع زائل؟
وأي مجدٍ في أن تلبس الصبر ثوب الادّعاء وتتباهى بأنك لم تنكسر؟. إن الحزن على الوالدين ليس انكسارًا، بل وفاءٌ يليق بجلال العطاء. ومن لم يقف خاشعًا أمام غياب من كان سبب وجوده، لم يدرك بعدُ حقيقة الوجود.
القوة ليست أن تُخفي الجرح، بل أن تفهمه؛ ولا أن تكتم الدمع، بل أن تعرف متى تطلقه بعزةٍ وصدق. الذين يربطون الصلابة بالجمود، كمن يظنّ أن الحجر أقوى من القلب، وما دروا أن القلب وحده من ينهض بعد الانكسار، وأنه إذا بكى طَهُر، وإذا حزن أضاء. فالحزن في جوهره وعيٌ بالمعنى، ودليل حياةٍ في القلب، لا علامة ضعف. هو الممرّ الذي يخرج منه الإنسان أنقى نظرًا، وأصفى روحًا، وأوسع صدرًا، كأن الوجع بابٌ يُفضي إلى النور. ومن لم يذق طعم الفقد، لم يعرف بعدُ مذاق الوجود. وليس الحزن خروجًا عن الرضا، ولا خذلانًا للإيمان؛ بل هو من صفات القلوب التي ذاقت العطاء حتى آخر قطرة. قال الله تعالى في شأن نبيّه يعقوب عليه السلام: ((وتولّى عنهم وقال يا أسفي على يوسف وابيضّت عيناه من الحزن فهو كظيم))، فلم يعب الله عليه حزنه، بل خلّد ذكره، وجعل كظمه له سموًّا في الصبر، وجمالًا في الرضا.
وكذلك بكى نبيّ الرحمة صلى الله عليه وسلم عند موت ابنه إبراهيم، وقال: ((إن العين لتدمع، والقلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب، وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون)). فكان في دمعه بيانٌ أن الحزن لا يُنافي الإيمان، بل يُزكّيه، وأن الرجولة لا تنقص بالدمع، بل تزدان به طهرًا ونبلًا. فالعين لا تدمع إلا إذا كان في القلب حياة، ولا يحزن على الفقد إلا من ذاق العطاء كاملًا، وأدرك أن كل حبٍّ صادقٍ لا يُخلف إلا وجعًا جميلًا. الحزن على الوالدين إذًا ليس نواحًا على الراحلين، بل شهادةُ وفاءٍ لجلال المقام وبهاء الأثر. وكفى بهما شرفًا أن الله قرن طاعتهما بعبادته فقال جلّ شأنه: ((وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا))، فما بعد هذا المقام مقام، ولا بعد هذا القدر قدر.
من بكى عليهما، بكى على جذر أصله، ومن دعا لهما، دعا لنفسه حين كانت في كنف الطهر والأمان. وما أكرم أن يبقى الدعاء لهما لسانَ حال الأبرار، يسقي ذكراهما ماء الوفاء كلّما مرّت نسائم الحنين على قبريهما. إن البطولة الحقّة ليست أن تمضي كأن شيئًا لم يكن، بل أن تمضي ومعك الوجع رفيقًا مطواعًا، تصاحبه بالحكمة، وتغذّيه بالصبر، وتجعل من دمعتك نبعَ فهمٍ لا غرقَ يأس. فمن قال: تألّمتُ، ولكني سأحيا، فقد أدرك سرّ الوجود كما أراده الله:
أن تحزن فتزداد إنسانًا، وأن تنكسر فتقوم على معنى جديدٍ للحياة. وسلامٌ على كلّ أمٍّ وأبٍ رحلا، فبقيا فينا حياةً لا تُرى، ودعاءً لا ينقطع، ورضًا يسكن الأرواح بعد الفقد، ونورًا خفيًّا يهدي القلوب إلى معنى الوفاء كلّما أظلمت دروبها.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
الاحتلال يواصل تحويل منازل في يعبد إلى ثكنات عسكرية لليوم الرابع...
“أجب دون أي تعليق”.. القاضي يوبخ نتنياهو خلال محاكمته بتهم فساد...
الاحتلال يُخطر بهدم سبع غرف زراعية في نحالين غرب بيت لحم...
ألمانيا تطلق "أجندة 2030" لإعادة تنشيط الاقتصاد الوطني...
بعد 30 عاما من الخدمة.. أدرعي يودع الجيش الإسرائيلي...
غزة.. تعثر خطة ترامب يعيد شبح الانقسام...