فوز ممداني.. هل يؤسس لكسر احتكار الثنائية الحزبية في أمريكا؟

(MENAFN- Al-Bayan) فوز زهران ممداني بمنصب عمدة نيويورك، ليس حدثاً محلياً عابراً في أكبر مدينة بالولايات المتحدة، بل انعكاس لتفاعل نوعي مؤثر في الحزب الديمقراطي الأمريكي، ومحاولة لتجاوز جمود المشهد الأمريكي المستمر منذ عقود.

حيث يحتكر حزبان التداول على السلطة، في ظل فروق لا ترى بالعين المجردة بينهما، بخاصة في السياسة الخارجية.

كثيرون يركزون على كون ممداني أول عمدة مسلم ومن أصول جنوب آسيوية يفوز بهذا المنصب في تاريخ المدينة، باعتبار أن الفوز مع هذه المواصفات، يحمل رمزية لتنوع التمثيل السياسي في الولايات المتحدة، لكن توجهات الرجل الاجتماعية، هي الدلالة الأعمق.

فالأصل الديني لا يترجم إلى سياسات، خصوصاً إذا كان تصنيفاً في البطاقة الشخصية والمولد، وليس أداة فكرية وعقائدية. وبهذا المعنى، فإن ممداني مسلم وليس إسلامياً، والفرق كبير.

ما يبرز هنا في سياق هذا الفوز، الذي يمكن اعتباره زلزالياً، أنه يضع الحزب الديمقراطي أمام اختبار داخلي حقيقي، يتعلق بقدرته على استيعاب تيار تقدمي يزداد اتساعاً.. فممداني يمثّل نموذجاً ليسار أمريكي يعيد التموضع، خلافاً للحزب الشيوعي الأمريكي، الذي لم يجد مكاناً واضحاً في المشهد السياسي.

هذا التيار يربط العدالة الاجتماعية بالسياسات اليومية للناس، من السكن إلى النقل العام، من الضرائب إلى معالجة كلفة المعيشة، لكنه يستفيد من ويتجنب في نفس الوقت، الأيديولوجيا التي اعتاد الخطاب الرأسمالي على تخويف الناس منها، في أمريكا وغيرها.

وكما جاء في تقرير لصحيفة ((الغارديان)) البريطانية، أمس، فإن الخطاب الجديد لهذا التيار، يعيد الحزب إلى جذوره التاريخية، التي كانت تهتم بالطبقة العاملة والمهاجرين، بعد أن انجرف نحو الطبقة الوسطى العليا ومؤسسات المال.

هذا المزيج بين المصداقية الاجتماعية والفاعلية، يجعل ممداني أكثر من مجرد شخصية رمزية، بل تجربة قيادية يُمكن أن تغيّر مسار الحزب، إذا تم تطبيق سياساته محلياً.

في المقابل، يشير تقرير لـ ((أسوشيتد برس))، إلى أن هذا الاتجاه يولد توتراً محتملاً مع التيار الوسطي داخل الحزب الديمقراطي، الذي ظل يركز على جمهور الطبقة الوسطى العليا والليبراليين.

وقد يظهر الانقسام أكثر وضوحاً عند محاولة ممداني تنفيذ سياساته الاجتماعية بشأن الضرائب والسكن، وهو ما قد يواجه مقاومة داخل المؤسسات التقليدية للحزب.

تعميق فارق

وإذا أمعنا النظر في المشهد الأمريكي خلال السنوات الأخيرة، ورغم الصعود الآني للتيار الشعبوي في الحزب الجمهوري، يتضح أن صعود ممداني يُعمّق الفارق الأيديولوجي بين الحزبين، بحيث يلمس الأمريكيون اختلافاً جوهرياً في البرنامج الاقتصادي والاجتماعي، بدل الاختلافات الشكلية البعيدة عن الجوهر.

لقد طبع الجمهوريون مفاهيم مثل الحرية والقوة بصبغة محافظة، في حين يحاول التيار التقدمي وضع هذه المفاهيم في قوالب مختلفة، حيث تعني الحرية في جوهرها التحرر من الفقر والديون والاستغلال، فيما تعني القوة العدالة الاجتماعية، لا الهيمنة العسكرية.

وكما يرى تقرير لوكالة رويترز، فإن نجاح ممداني في ترجمة هذه الرؤية إلى سياسات قابلة للتطبيق، سيكون اختباراً حقيقياً لقدرة الديمقراطيين على تقديم اختلاف واضح وملموس عن الجمهوريين، وليس مجرد تبادل شكلي للسلطة.

لكن ينبغي الحذر في رفع سقف التوقعات حول تأثير الفوز على السياسة الدولية، حتى لو أن خطابه يعكس ميلاً إلى إعادة ترتيب أولويات السياسة الأمريكية داخلياً، وتقليص ازدواجية المعايير في بعض قضايا العالم.

ويلقي تقرير لصحيفة ((نيويورك تايمز)) نشرته أمس، الضوء على هذا النقطة المحورية، بإشارة مهمة، وهي أن البنية العميقة للدولة الأمريكية، بما فيها لوبيات السلاح والطاقة، تجعل تطبيق هذه التغيرات دونها عقبات كأداء، إذا لم تتعاظم الضغوط الشعبية.

ويتسع هذا التيار التقدّمي المختلف نوعياً. فهل يفتح فوز ممداني الباب لجعل تداول السلطة في الولايات المتحدة ذا معنى حقيقي، بحيث تصبح الانتخابات الديمقراطية أداة تغير نوعي، لا مجرد تبادل رمزي للأدوار؟

MENAFN05112025000110011019ID1110302303

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.