الكسل آفة الفرد والمجتمع والحضارة
استلهاماً من هذه الثقافة الرائعة، ومن دروس الحياة النافعة خصص صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، الدرس الرابع والعشرين من دروس كتابه الثمين ((علمتني الحياة)) للحديث عن مرض الكسل وكونه آفة من آفات الحياة التي تقتل روح الجد والنشاط والمثابرة، وانتقد بنبرة جازمة كل ما يتعلق بهذا السلوك المناقض لطبيعة الإنسان السوي، حين افتتح هذا الدرس بعبارة عميقة المحتوى أدان فيها سلوك الكسل بقوله: ((علمتني الحياة أنه لا يوجد طريق مختصر للنجاح إلا في أذهان الكسالى، ولا شيء أقوى في تحطيم أحلام الشباب وتضييع الفرص من الكسل))، ففي هذا المقطع من كلام سموه تأكيد أن طريق النجاح في الأصل مفتوح الآفاق رحب المدى، وأن الحديث عن طريق مختصر للنجاح هو من ثمرات العقل الكسول الذي لا يعرف فكرة الطموح فضلاً عن المنافسة، ليؤكد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد أن هذه الثغرة في العقل الإنساني هي المسؤولة عن قتل روح الطموح والإبداع وما يترتب على ذلك من إضاعة آلاف الفرص وتبديد أحلام الشباب الباحثين عن مكان له تحت شمس الحياة المعطاءة.
بعد تقرير ما ينتج عن سلوك الكسل من الخسائر المادية والمعنوية، ينتقل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إلى مستوى أعلى في التحذير من الكسل حين يجعله عدواً للإنسان بقوله: ((الكسل عدو للإنسان، وحتى في ديننا الحنيف نستعيذ منه كل يوم، لماذا؟))، ولا يترك سموه قارئ كلامه في دوامة التخمينات، بل يجيب فوراً وبلغة حازمة قائلاً: ((لأن الكسل تضييع للإمكانات التي وضعها الله فينا، وتبديد للطاقات والقدرات المزروعة في كل واحد منا، الكسل سم بطيء يقتل الروح، ويثبط العزيمة، ويفتح أبواب الحاجة، ويغرس الذل في النفوس))، وواضح ما في كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد من التنديد بمرض الكسل وبمن يتخذه طريقاً للحياة من الكسالى الذين هم عبء على المجتمع، ويقفون دائماً في وجه التقدم وصناعة الحياة، فالكسل بحسب كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هو السبب الأكبر في تضييع كل الإمكانات التي وضعها الله في عباده لإعمار الأرض والقيام بمهمة الاستخلاف، وقد أوقظ صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد إحساساً عميقاً بالنفور من هذا الداء الوبيل حين شبهه بالسم القاتل الذي يقتل أنبل ما في الإنسان من الطاقات والقدرات، ويثبط العزائم المتوقدة، ويبدد الإحساس بالكفاية فضلاً عن الغنى، فيكون البديل هو مد اليد إلى الآخرين على سبيل الحاجة، وكل ذلك بسبب الكسل، ولذلك جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث واحد بين الاستعاذة من العجز والكسل وبين الاستعاذة من غلبة الدين وقهر الرجال، في إشارة نبوية كريمة إلى أن سبب الدَّين وقهر الرجال ربما كان ناشئاً من العجز والكسل الذي يحول بين الإنسان وبين العمل المنتج الذي يصون به نفسه عن مسألة الناس.
ولأن العمل هو نقيض الكسل، وهو الكفيل بتجفيف منابعه، فقد أرشد صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد قارئي كلامه إلى عدم الخوف من العمل لما يجدون فيه من المشقة، وذلك حين قال: ((البعض يخاف من مشقة العمل ويهرب منه، وأقول له: لا تخف من المشقة، بل خف من حياة بغير حلم تطارده، أو هدف تحققه، أو أسرة تسعى عليها، أو نفس تعزها عن مسألة الناس))، ففي هذا الكلام الثمين البديع توجيه رشيد إلى الطريق القويم، وتبديد لكل مشاعر الخوف غير الصحيحة، وأن الخوف يجب أن يكون على الشخص الذي يعيش بلا أهداف يسعى إليها، ولا مهمة اجتماعية يقوم بأعبائها مثل بناء أسرة، أو الانخراط في عمل يبذل فيه جهده ويشعر معه بكرامته حين يعف نفسه عن مسألة الناس ومد يد الحاجة إليهم، ولذلك يشعر سموه بالانزعاج حين يرى منظر الشباب وهم جالسون على هامش الحياة مفضلين لحياة الراحة والكسل على حياة الجد والنشاط والعمل، والنوم على وسادة الأمنيات والهروب من ساحة العمل والإنجازات، ورضي الله عن الصحابي الجليل عمر بن الخطاب حين قال: ((أرى الرجل فيعجبني، فإذا قيل لا صناعة له سقط من عيني)).
ولكي لا تبقى هذه النصيحة في إطار النقد لسلوك الكسل، يتحدث صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد عن قيمة العمل الجاد، وأنه هو الذي يصنع الحياة في مواجهة أفواج الكسالى، فيقول: ((العمل الجاد هو الذي يفرق بين الحياة الفارغة والحياة الغنية، وبين العيش على الهامش أو العيش وأنت تشق طرقاً جديدة في الحياة))، ثم يستلهم سموه الدرس الأعمق من ثقافة الجد حين يقول: ((علمتني الحياة أن العمل الجاد طريق للعظمة والعزة والكرامة، والعمل الجاد هو الذي تبنى به الأمم والحضارات، والعمل الجاد هو الذي يبنى به العز والمجد))، ولكي لا تبقى هذه الكلمات في إطار النموذج المثالي يلفت سموه النظر إلى النماذج العملية التي أنجزت الإنجازات الكبرى بالعمل الجاد، فيقول: ((العمل والتفاني والكدّ والتعب هو الذي صنع نماذج تنموية عظيمة كاليابان والصين وتايوان وسنغافورة وغيرها خلال عقود سريعة، لأنهم غرسوا في أطفالهم منذ نعومة أظفارهم أن العمل الجاد يعطي للإنسان قيمة ومعنى، ومن دونه لا قيمة له، ولا معنى لحياته))، ليشير صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد بعد ذلك إلى نماذج لدول عريقة انتشرت فيها البطالة المقنعة، وجلس شبابها على كراسي المقاهي لتبديد الوقت وقتل الفراغ، فأصبحوا في حالة حضارية يرثى لها وتأخروا عن قطار الحضارة، ليختم صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد هذا الدرس العميق بقوله: ((نعم، الكسل أبو الرذائل، قاتل الوقت، وإذا قتلت الوقت قتلت كل شيء)).
 إخلاء المسؤولية القانونية:
 تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
              وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
              تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
              من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
              يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
              مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
 
 
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
                       
الأخبار الأكثر تداولاً
وزيرة العدل الأمريكية: الهجوم الإرهابي المحتمل الذي تم احباطه في ميش...
عدّ تنازلي لإزالة تشاليح حمدانية جدة...
الرئيس اللبناني : الحوار مع الاحتلال خيار لا مفر منه...
مصر .. إخلاء سبيل الشيخ مصطفى العدوي بعد مهاجمته المتحف الكبير...
اختتام مؤتمر (انتوساي) في شرم الشيخ بمشاركة ديوان المحاسبة الكويتي...
وزيرة إسرائيلية تؤيد ضم الضفة الغربية...