"برود أمريكي" و"عجلة أوروبية" بحثاً عن حل لأزمة أوكرانيا

(MENAFN- Al-Bayan) ">بينما تتواصل تداعيات الحرب الأوكرانية للعام الثالث على التوالي دون أفق تسوية واضح، تتكشف ملامح اختلاف في الإيقاع بين واشنطن وأوروبا أكثر من كونه خلافاً في الهدف، فبينما تسعى العواصم الأوروبية إلى حل سريع يوقف نزيف الاقتصاد، ويخفف ضغط اللاجئين والطاقة، تتعامل الولايات المتحدة مع الأزمة كونها ملفاً استراتيجياً طويل المدى، تديره وفق مصالحها العالمية والداخلية.

وبين ((التعاون الضروري)) و((التنافس الخفي)) تتقاطع المواقف الأمريكية والأوروبية حول كبح النفوذ الروسي، لكن بمقاربات متباينة في الأدوات والسرعة والغايات، أوروبا في سباق مع الزمن لتجنب الكارثة، وواشنطن تمضي بحساب بارد نحو تسوية تخدم نفوذها العالمي.

المشهد العام يعكس شراكة متوترة أكثر منها تنسيقاً متكاملاً، فالأهداف واحدة - منع روسيا من التمدد والحفاظ على أمن أوروبا - غير أن الوسائل والإيقاع مختلفان. أوروبا المتضررة مباشرة من الحرب تبدو في سباق مع الزمن لإنجاز تسوية تنهي أعباءها الداخلية، بينما واشنطن توازن بين الضغط والدعم دون استعجال، مستفيدة اقتصادياً من تصدير الطاقة والسلاح إلى القارة العجوز.

إلحاح أوروبي

وبحسب الخبراء، فإن أوروبا تبدو أكثر تضرراً وعاجزة عن تفادي التأثر المباشر بالأزمة، لذلك هي الأكثر إلحاحاً على حل يحد من الهزات الاقتصادية، ويفك تبعية الطاقة؛ وتأثير أسعار الطاقة وضرورة حماية الاقتصادات والشعوب تجعل من إصلاح الوضع أو البحث عن مخرج سياسي أولوية أوروبية يومية. هذا الحرص يظهر في سياسات أوروبية تسعى لتعزيز الاكتفاء الطاقي، وتسريع الانتقال للطاقة المتجددة كجزء من الاستجابة للأزمة.

ويؤكد الخبراء أن قادة أوروبا منفتحون على إنهاء الأزمة، لكن بشرطين واضحين، هما الحفاظ على سيادة أوكرانيا، وعدم تقديم تنازلات أمنية استراتيجية لروسيا. معظم عواصم الاتحاد لا ترفض المفاوضات، لكنها ترفض ((صفقات)) تلغي مطالب أوكرانيا الأساسية أو تجيز لروسيا مكاسب جغرافية دائمة دون تعويضات، لذلك الانفتاح الأوروبي مشروط ومتحفظ، ويقوده مزيج من دعم عسكري/اقتصادي لأوكرانيا، ورغبة في تجنب تمدد مباشر للصراع إلى أوروبا.

صراع خفي

خبير العلاقات الدولية د. طارق البرديسي، يؤكد لـ((البيان)) أنه لا يوجد صراع مباشر بين الولايات المتحدة وأوروبا حول سبل إنهاء الأزمة، وإنما ((صراع خفي)) غير معلن في الوسائل والإيقاع.

وقال، إن الأهداف واحدة بين الجانبين، وهي ((منع روسيا من التغلغل وفرض مناطق نفوذ جديدة أو تهديد أمن دول الناتو))، لكن إن كان الهدف متطابقاً بين الجانبين إلا أن المقاربة مختلفة، إذ ((تشعر أوروبا بالخطر المباشر ولديها أضرار جمة سواء في الحدود أو اللاجئين أو الطاقة وفواتير تثقل كاهل المواطن الأوروبي، وكل هذه الأضرار لا تشعر بها الولايات المتحدة الأمريكية، بالعكس هي استفادت من الأزمة من خلال تصدير الطاقة لأوروبا بأضعاف سعرها، ومن ثم تسعى دول أوروبا لتسوية عاجلة للأزمة، في حين تتحرك واشنطن على مهل، ليست في عجلة من أمرها، وفق حسابات تحقق مصالحها الاستراتيجية، لكن أوروبا في عجلة لإنهاء هذا الوضع الكارثي)).

اتفاق في الهدف

وأشار البرديسي إلى أن الولايات المتحدة ((تتفق مع أوروبا في الهدف، لكنها ليست في عجلة من أمرها))، مؤكداً أن أوروبا تدفع فاتورة الحرب اقتصادياً وأمنياً، بينما تحقق واشنطن بعض المكاسب من استمرارها. وأضاف أن الخلاف بين الطرفين ((ليس في الجوهر، بل في التوقيت والإيقاع))، فالأوروبيون يريدون إنجاز تسوية عاجلة، بينما الأمريكيون يفضلون تسوية طويلة الأمد تحقق استقراراً مشروطاً، يخدم الناتو والولايات المتحدة.

وبينما يؤكد الخبراء أن أوروبا تبدي ((حرصاً عملياً أكبر)) على التوصل إلى حل سريع نسبياً، نظراً لما تتركه الحرب من تبعات مؤلمة اقتصادياً وجيوسياسياً على القارة، فإن الولايات المتحدة تمتلك أدوات أوسع للتأثير والضغط الدبلوماسي، لكنها توظفها بصورة انتقائية، تبعاً لحسابات داخلية واستراتيجية تحكمها اعتبارات المصالح.

ويشير محللون إلى أن نهج الإدارة الأمريكية، ((سواء في نهايات حقبة بايدن أو مع الرئاسة الثانية لترامب)) يعكس رغبة في إنهاء النزاع، لكن وفق شروط تضمن المصالح السياسية والداخلية لواشنطن، ما يجعلها فاعلاً حاسماً، وإن لم تكن دائماً ((محرك سلام)) من منطلق اقتصادي مباشر، كما هو حال أوروبا.

استرضاء ترامب!

الباحثة السياسية الدكتورة أماني القرم والخبيرة بالشأن الأمريكي، تؤكد لـ((البيان)) أنه لا يمكن الحديث عن تنافس بالمعنى الحرفي للكلمة بين أوروبا والولايات المتحدة، بل ((اختلاف في الرؤية ومسار الحل)) للأزمة الأوكرانية.

وتوضح أن أوروبا ((غير قادرة على حل الأزمة وحدها من دون الولايات المتحدة))، سواء من ناحية الدعم العسكري أو ضمانات الأمن لأوكرانيا، مؤكدة أن ((الاختلاف بين الطرفين ينبع من تفاوت المصالح))، ففي حين تعتبر أوروبا أن أوكرانيا ((مسألة وجودية)) ودولة ((حاجز)) تمثل خط الدفاع الأمامي في مواجهة روسيا، تتراجع أهمية الملف في أولويات إدارة الرئيس ترامب، الذي وصفها سابقاً بأنها ((حرب بايدن)).

وتضيف القرم أن ((أوروبا اليوم تعيش واقعاً جديداً في ظل سياسات ترامب، وأصبحت مقتنعة أن ما كان ممكناً تحقيقه سابقاً لم يعد ممكناً دون دعم أمريكي كامل)).

ولذلك تشير القرم إلى أن أوروبا وأوكرانيا طرحتا مؤخراً ((خطة سلام مرنة))، محورها مجلس يقوده الرئيس ترامب تحت شعار ((السلام من خلال القوة))، في محاولة للموازنة بين إرضاء ترامب عبر منحه الدور المحوري في التفاوض، والحفاظ على الحضور الأوروبي على طاولة الحل، خشية تجاوزها في أي تفاهمات مرتقبة بين ترامب ونظيره الروسي.

MENAFN29102025000110011019ID1110267861

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.