الثقافة تُدار بلا اقتصاد

(MENAFN- Al-Bayan) يُنظر إلى المشاريع الثقافية، حتى اليوم، على أنها من مسؤوليات الجهات الحكومية وحدها، بينما يغيب عنها القطاع الخاص، وكأن الثقافة لا تَعِد بعائد مادي أو تأثير ملموس، والتجربة العالمية أثبتت العكس تماماً، فصناعات النشر والمحتوى، ومجلات الأطفال، ومنصات الترجمة، ودور النشر الرقمية، كلها قطاعات خاصة تدرّ أرباحاً وتخلق فرص عمل، وتسهم في الناتج القومي كما تفعل السياحة والتقنية.

ما زال الاستثمار في القطاعات الثقافية غائباً عن المشهد الإماراتي، فالثقافة تُدار بلا اقتصاد، وكأنها مغامرة غير مأمونة، رغم الحراك الكبير في معارض الكتب والمهرجانات والفعاليات، إلا أن هذه المشاريع لا تعامل كصناعة خاصة يمكنها أن تدرّ عائداً اقتصادياً، بل كأنها مبادرات موسمية تقوم بها المؤسسات الرسمية وحدها.

من أبرز الأمثلة على غياب الاستثمار الثقافي في الإمارات مجلات الأطفال، برؤية تربوية معاصرة، على الرغم أن التجربة الغربية كمثال أثبتت أن المحتوى الموجه للطفل يمكن أن يكون استثماراً ناجحاً، حين يُبنى على الفكرة والفن والتقنية، فأعادوا بناء مجلات الأطفال بمقاربة إعلامية وفنية حديثة، فكانت البداية في صناعة ثقافية ضخمة تمتد إلى الرسوم المتحركة، والقصص، والتطبيقات، والكتب الصوتية.

الأمر نفسه ينطبق على الترجمة الأدبية، التي لا تزال تعتمد على جهود أفراد، بينما تغيب عنها رؤية استثمارية تجعلها صناعة قائمة بذاتها، ولنرى كيف نجحت مؤسسات غربية في تحويل الترجمة إلى قطاع تجاري مزدهر، لأنهم أدركوا أن كل ترجمة تعيد إنتاج النص تفتح له سوقاً جديدة.

إن دعم الشركات والمستثمرين لكتب الأطفال وترجمة الروايات والقصص العربية إلى لغات أخرى، ليس عملاً خيرياً، بل قوة ناعمة للثقافة الإماراتية وتوسيع للأسواق الثقافية العربية في العالم، ورافد اقتصادي حقيقي لا يقل أهمية عن القطاعات الأخرى، وآن الأوان أن يؤمن القطاع الخاص بأن المغامرة في الثقافة هي المغامرة الأجمل، لأنها استثمار في الإنسان قبل كل شيء، ففي الوقت الذي تحولت فيه الثقافة في دول عديدة إلى قطاع اقتصادي مستدام ما زالت لدينا تُعامل كترف ثقافي، أو نشاط جانبي، لا كقيمة إنتاجية قابلة للنمو، ورغم الحراك الثقافي الواسع في الإمارات من معارض كتب، ومهرجانات، ومتاحف، ومنصات سردية وإبداعية.. إلا أن فكرة المستثمر الاقتصادي في الثقافة ما تزال محدودة، وبحاجة إلى روح التجارة الواعية.

لا يمكن للثقافة أن تزدهر في بيئة تعتمد فقط على الدعم المؤسسي الموسمي، بل تحتاج إلى منظور اقتصادي ضمن مؤسسات خاصة كبرى، ترى في الثقافة مجالاً جاداً للاستثمار، خصوصاً الإمارات ببنيتها التحتية، وتشريعاتها، والوعي المجتمعي، لكنها ما زالت بحاجة إلى مغامرة ثقافية استثمارية، تعيد الثقة في قدرة الثقافة على تحقيق عائد مالي حقيقي، فما زالت الثقافة تُدار بلا اقتصاد.

MENAFN29102025000110011019ID1110267746

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.

آخر الأخبار