
خور دبي.. شريان تواصل إنساني وحضاري وثقافي
ولا شك أن خور دبي كان ويبقى في هذا الميدان دعامة جوهرية ومرتكزاً أساسياً، إذ مثل ويمثل مقوماً حضارياً غنياً يعزز سير انفتاح المدينة ورسوخها وجهة عالمية لأبناء الشعوب كافة.
ومن المؤكد أن قادة دب ، وعوا، منذ العهود القديمة، أهمية الخور وأدواره الحياتية والجمالية والثقافية والإنسانية، فأولوه كبير العناية، وبات في نهاية المطاف معلماً وعنواناً رئيساً لحكاية فرادة المدينة وهوية المكان وشخصيته.
ومن المؤكد أن هذه الحال انسحبت على ماهيات الواقع والحراك الثقافي في دب ، إذ نجد أن خريطتها الثقافية ترتبط بنيوياً بسيرة الخور على امتداد مراحل وأعوام عديدة، حيث إنه برز ويبقى عنواناً للتفاعل الإنساني والحضاري وموئلاً ثقافياً وحياتياً عاماً ثرياً.
لعل دبي واحدة من المدن التي أسهمت الجغرافيا في صوغ سيرتها، بموازاة الفكر النير لقادتها وهمة الإبداع والإنجاز الوضاءة النابضة فيها أبداً.
فهي هبة ((الخور)) الذي شكل منذ القدم ميناءً طبيعياً فريداً وملهماً، لا بل إن تاريخ الخور أكثر غنى مما يُعتقد، فهو تاريخ يعود إلى آلاف السنين، حيث عُرف في العصور القديمة، فكثير من الحضارات القديمة العريقة وعت أهميته ومكانته وأولته كبير الاهتمام، كما تؤكد المصادر، كما أنه لطالما مثل موقعاً للغوص بحثاً عن اللؤلؤ.
وهكذا نجد أن تاريخه وحاضره مطرزان بقصص تلاقح الحضارات والتميز والتواصل.
إن خور دبي أحد المكونات والمعالم الجغرافية المهمة في دبي، وكذا شريان تجاري وحضاري وثقافي وإنساني فريد، إذ إنه ليس مجرد لسان بحري، بل هو يحتضن قصصاً حضارية بهية على ضفتيه ويبلور ثقافات وسير أبناء الشعوب، على الدوام، وذلك منذ غابر الزمان.
ثقافة المكانمن اللافت أن بانورما وتنويعات الأنشطة التي احتضنها الخور حافظت على وجودها وتأثيرها في ثقافة المكان إلى اليوم، فلا أحد يمكن أن يغفل أثر مهن مثل صيد الأسماك والغوص بحثاً عن اللؤلؤ والتجارة، في حياة المدينة، البين والمؤثر إلى اليوم ضمن عناصر الثقافة المحلية وفي المفردات التراثية، رغم تراجع حضور بعض هذه المهن في الحياة اليومية إلى الحدود الدنيا.
لقد توزع تأثير هذه المهن التي فرضها الخور على قاطني ضفافه في الحياة العامة، ويمكن تلمسه اليوم في عدة مجالات وفي عناصر شخصية دبي وثقافتها.
أثر عميقإن العناصر التي مدّ بها الخور الثقافة المحلية، تتعدى إلى فسيفساء معانٍ حضارية أكثر تأثيراً، فمن المرجح أن ((الخور)) الذي كان يستقبل المراكب منذ القدم، ويمتد عميقاً في البر، إلى جانب التجارة، قد خلق جملة معطيات رئيسية.
كما أن أهمية الخور تمتد في أبعادها إلى آفاق ومضامين الاقتصاد الإبداعي العصرية، بموازاة تنويع وترسيخ مفردات وألوان التواصل الحضاري من خلال تقبل الآخرين والانفتاح على منتجاتهم، والاحتكاك بعاداتهم وطبائعهم.
ولا شك أن التناغم والتلاقح الثقافي والتواصل الذي تبدى وأثمر من خلال استقبال دبي الآخرين وتركزها ملتقى حضارياً وتجارياً عالمياً أسهم الخور فيه بشكل محوري، يمثل نواة لما نراه في دبي اليوم من تقدم في قطاعات إبداعية عديدة.
موئليقول الباحث عبدالله بن جاسم المطيري: ((قبل الحديث عما نشأ حول الخور من بيوت للثقافة، يجدر بنا الحديث عن الخور نفسه، فقد كان منطقة يتجمع بها التجار وأصحاب السفن، من سفن غوص، وسفن سفر، أو سفن تجارة ونقل بضائع، وسفن صيد، وكان السواد الأعظم من العاملين على هذه السفن على دراية تامة بالحكايات، والقصص التي تتناول الأحداث التي مرت بها المنطقة، سواء كانت نزاعات أو حوادث مفجعة، مثل حالات الغرق وغيره، وقد ترتب عن كل هذا المخزون، أدباء وشعراء، تناولوا بما كتبوه هذه الأحداث، وعن تطور الحياة التجارية، وعن مختلف الأشياء، مثل المعاناة مع الغوص، وظروف الصيد وخلافه، لا سيما وأن رحلات هذه السفن لم تقتصر على منطقة الخليج، بل وصلت إلى أقاصي الأماكن، مثل الصين والشرق الأفريقي، وقد اقتبسوا من كل هذه التجارب ومن تلك الثقافات الكثير)).
وتابع المطيري: ((إضافة إلى أن العديد من أبناء هذه المناطق كانوا يفدون على متن سفنهم إلى الخور، وكان كل واحد منهم يحمل ثقافته معه، ونشأ من ذلك مجالس للشعر والأدب، يتم فيها تذاكر الحكايات والقصص والأخبار، ولهذا فإن ((الخروفة))، كنوع أدبي شعبي، لم تظهر من فراغ، بل هي من الأشياء التي كان للخور دور رئيسي في ظهورها.
إن دور الخور لم يقتصر على احتضان الأماكن ذات العلاقة بالثقافة فقط، بل كان له دور رئيسي في ظهور الشعراء والأدباء، وبلورة الألوان الأدبية، وصياغة نوع من الحراك الثقافي، والشاهد على ذلك أن أول مكتبة حكومية رسمية افتتحت في العام 1963، نشأت على الخور، هذا عدا عن المكتبات الخاصة والتجارية)).
وختم المطيري: ((هنا يتوجب الحديث عن أهمية أدوار الحاكم والحكومة، إذ إنها نقلت المبادرات الثقافية الخاصة والفردية إلى توجه رسمي، وجدير بنا في الصدد أن نتحدث عن جهود المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، طيب الله ثراه، الذي أعتبره أول مثقف، والمحرك الرئيسي للثقافة في دبي، إذ استعان ببعض الدول العربية، التي لها باع في مجال الثقافة والعلم، وكتب إلى وزارات الثقافة العربية يدعوهم إلى دعم مكتبة دبي بإصداراتها، واطلعت شخصياً على أكثر من 30 رسالة كتبها، رحمه الله، في هذا الشأن، وبجهوده هذه، أصبحت المكتبة، والتي تطل على الخور، منارة علم ومركز إشعاع ثقافي)).
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
"الأحمر" يلون الجولة السادسة.. 7 بطاقات طرد في 6 مباريات...
ماكرون يدعو لتشكيل بعثة دولية لغزة بالتعاون مع مصر والأردن...