
صناعة القدوات ضرورة مجتمعية
وبما أننا نعيش اليوم في زمن ومرحلة لم تمر على البشرية من قبل من حيث تسارع الأحداث والتداخل بين المجتمعات، ومن حيث القدرة وإمكانية التواصل بكل بساطة وسهولة بين الأفراد رغم اختلاف ثقافاتهم ولغاتهم. هذه التطورات تسببت وأسهمت بظهور أفراد وأصوات عالية وصاخبة، أصبحت مؤثرة على أفراد ليس في مجتمعاتها فقط، بل في مناطق جغرافية بعيدة عنها، على أفراد يعيشون في مجتمعات مختلفة، ثقافياً ولغوياً وفكرياً.
كل ذلك يجعلنا ننتبه ونعي أهمية صناعة وإبراز القدوات الحسنة بما يتوافق مع قيمنا وثقافتنا، نحن نريد القدوة صاحبة الأخلاق الحميدة والسوية، المتمسكة بالقيم المجتمعية والوطنية، سلوكها إيجابياً، وفكرها سليماً، تملك الوعي والحكمة، لذا يمكنني أن أعتبر القدوة هي البوصلة التي توجه الشباب نحو الاتجاه الصحيح والسلوك والفكر السليم.
منذ يومين، نظم مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، بالتعاون مع جامعة الإمارات العربية المتحدة، ندوة بعنوان: القدوات المجتمعية:
الأهمية، والمعايير، والأدوار، شارك فيها قامات وطنية وعلمية وقيادات حكومية، الندوة لم تفتح أو تناقش موضوعاً اعتيادياً، بل أثارت تساؤلات مهمة وجوهرية حول صناعة الأمم ليس القدوات فقط، ومن هو القدوة والفرق بينها وبين المؤثر؟ وكيف نصنع القدوات؟ بل لماذا نقتدي بالقدوات؟
حقيقة الحديث عن القدوات لا يعتبر جديداً، لكنه اليوم أكثر أهمية وإلحاحاً، فالعالم والمجتمعات تغيرت، بل تتغير في كل لحظة، وأدوات التأثير تغيرت وتنوعت وفي كل يوم تولد أداة جديدة، وبسببها أصبح لزاماً علينا كأفراد ومؤسسات التركيز والعمل على توعية المجتمع وأفراده، بل أصبح وجود القدوة أكثر أهمية وإلحاحاً.
ولا يعني كثرة الظهور عبر وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي أن الشخص قدوة أو صاحب فكر، من هذا المنطلق، وحتى لا يتساوى الصوت المرتفع الفارغ السطحي مع الصوت الواعي العميق بالفكر والمعرفة، يتوجب على الجميع العمل والتفاعل مع هذه المبادرة لصناعة وإبراز قدوات مجتمعية في المجالات كافة، قدوات علمية وأكاديمية وثقافية وإعلامية، وقدوات في العمل الحكومي والمبادرات المجتمعية، حتى في المجال الرياضي وغيره نحتاج إلى قدوات ومثل عليا.
في دولة الإمارات لم تكن القيم الأخلاقية في يوم ما مسألة هامشية، بل كانت وما زالت في لبّ المشروع التنموي، فقد كان القائد المؤسس المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، قدوة لشعبه.
بل والشعوب الأخرى، ليس لأنه قال، بل لأنه فعل. كان وما زال قدوة لنا بأفعاله وقيمه، بعدله وتسامحه، باحترامه ورحمته، إن القدوة الحقيقية هي من تتحول قيمها إلى سلوك وأفعال لا إلى كلمات رنانة وشعارات جوفاء.
وبالعودة إلى الندوة، لم يفت المشاركون فيها، مناقشة الفرق بين القدوة وأهمية دورها وتأثيرها الإيجابي الحقيقي، وما يطلق عليه اليوم المؤثر، فالقدوة يصنع وعياً ويحرك عقلاً ويرسخ سلوكاً وفعلاً وفكراً.
من وجهة نظري، أتفق مع ما طرح في الندوة ، وأرى أننا فعلاً بحاجة إلى صناعة قدوات يخففون ويواجهون فوضى بعض من يطلق عليهم لقب المؤثرين وسلوكياتهم السلبية وحماقاتهم المدمرة.
القدوة هو النموذج الذي يحتاجه الشباب ويجذبهم بقوة وعمق فكرته، لا بالظهور السطحي الخالي من الفكر والمعرفة، وهنا تكمن أهمية دور المؤسسات الإعلامية والبحثية والأكاديمية والثقافية، في إبراز القدوات، بل المساهمة في صناعتها وتعزيز وجودها وظهورها وتوثيق إنجازاتها وأثرها.
أعجبتني فكرة ومبادرة مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية لإنشاء منصة رقمية لتوثيق القدوات المجتمعية، فكرة نوعية تستحق الدعم والمتابعة، أعتقد أن المبادرة ستسهم في نقل القدوة من السرد المحكي ومن الذاكرة الإنسانية أو الشعبية إلى التوثيق في سجلات وطنية، مع العلم أن القدوة لا تقاس فقط بمؤشرات وأرقام، ربما هذا هو هذا التحدي، لأن مفهوم القدوة مفهوم إنساني وأخلاقي عظيم.
من ما تم طرحه ومناقشته، يتبين لنا أن صناعة القدوات ليست رفاهية فكرية أو مجتمعية، بل هي ركيزة وعنصر يدعم الأمن الفكري والمجتمعي، ويعزز ترسيخ وتعزيز القيم، أي أن صناعة القدوات ضرورة مجتمعية.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
كوشنر وويتكوف يشعران بـ"الخيانة" بعد الغارات الإسرائيلية على العاصمة ا...
إسبانيا تحافظ على موقعها.. والأرجنتين تتجاوز فرنسا في تصنيف فيفا...
باحثون يقومون بتطوير اختبار دم يكشف سرطان الرأس والعنق قبل عقد من الأ...
زعيمة المعارضة الفنزويلية الفائزة بجائزة نوبل للسلام تعرب عن تضامنها م...
عبد العزيز هيكل: البطائح سيعود لنتائجه المعروفة قريباً...
ماجد ناصر: أسعد لحظة عندما وجدت مارادونا أمامي في غرفة ملابس الوصل...