
العالم بحاجة إلى نموذج جديد للاستثمار في الأسواق الناشئة
يواجه الاقتصاد العالمي اختلالاً عميقاً، فلا يزال رأس المال يتركز في عدد قليل من الأسواق، بينما لا تزال احتياطيات هائلة من الإمكانات البشرية في البلدان النامية غير مستغلة بالكامل.
وخلال العقد المقبل، سينضم 1.2 مليار شاب - معظمهم في الاقتصادات الناشئة والنامية - إلى سوق العمل، بينما لن تُولّد الهياكل الاقتصادية الحالية سوى 420 مليون وظيفة جديدة فقط.
وهذا ليس مجرد تحدٍّ إنمائي، بل هو خطر هيكلي على الاقتصاد العالمي، فالبطالة ونقص العمل بهذا الحجم، يُرهقان الأنظمة السياسية، ويُغذّيان الهجرة، ويكشفان عن هشاشة سلاسل التوريد العالمية.
ويتطلب الحجم الضخم لهذا التحدي تطوراً جذرياً في كيفية ربط البنك الدولي والمؤسسات متعددة الأطراف الأخرى لرأس المال الخاص بأهداف التنمية.
وعندما لا يُخصّص المستثمرون المؤسسيون الذين يديرون 400 تريليون دولار، سوى جزء ضئيل فقط من هذه الأموال للأسواق، التي يعيش فيها 85 % من البشرية، فإن النتيجة ليست مجرد فرصة ضائعة، بل هو بالتأكيد خطرٌ نظامي.
لهذا السبب، تحوّل نهج مؤسسة التمويل الدولية من الاحتفاظ بالقروض في ميزانيتها العمومية، إلى تجميعها في أوراق مالية تُلبي متطلبات المستثمرين المؤسسيين، مع خلق فرص العمل والنمو اللذين يُعززان الاستقرار.
ومُؤخراً، أصدرت مؤسسة التمويل الدولية، ذراع مجموعة البنك الدولي المُختصة بالقطاع الخاص، عملية توريق بقيمة 510 ملايين دولار للأسواق الناشئة، وهي الأولى من نوعها من بنك تنمية متعدد الأطراف.
ويُظهر هذا الإصدار أن تمويل التنمية يُمكن، بل يجب، أن يخدم غرضين: توجيه رأس المال الخاص إلى حيث تشتد الحاجة إليه، مع توفير العوائد، وتنويع المحافظ الاستثمارية للمستثمرين الذين يسعون إليها. إنها أكثر من مُجرد مُعاملة مالية، فهي إثبات للمفهوم.
وبالنسبة للبعض، هناك شكوك، فكثيراً ما باءت المحاولات السابقة لتعبئة رأس المال الخاص من أجل التنمية بالفشل، سواءً بسبب أزمات العملة، أو تحديات الحوكمة، أو عدم مُواءمة الحوافز بين أهداف التنمية وعوائد الاستثمار.
يُشير النقاد، وهم على حق، إلى الفجوة المُستمرة بين الخطاب وتدفقات رأس المال، ويشيرون إلى أن عقوداً من المبادرات لم تُحدث فرقاً يُذكر في الاستثمار المؤسسي في الأسواق الناشئة.
لذلك، أخذت مؤسسة التمويل الدولية هياكل أسواق رأس المال المُجرّبة، وطبقتها على تمويل التنمية. وقد جمعت المؤسسة أجزاءً من قروض عالية الجودة، صادرة عن مؤسسة التمويل الدولية من 57 مقترضاً من مختلف محافظها الاستثمارية، تغطي قطاعات التصنيع والبنية التحتية والتكنولوجيا والرعاية الصحية، وقامت المؤسسة بهيكلتها في أوراق مالية من الدرجة الاستثمارية، حاصلة على تصنيف AAA للشريحة الأولى.
وقد تولى جولدمان ساكس الترتيب للصفقة، وأدرجتها بورصة لندن، ما جعل الاستثمار في الأسواق الناشئة سهلاً، كشراء سندات الشركات.
ومن خلال نموذج ((التأسيس للتوزيع))، تنتقل مؤسسة التمويل الدولية من الاحتفاظ بالقروض في دفاترها إلى تجميع محافظها القائمة في أوراق مالية.
وبإثباتها إمكانية تجميع القروض من بنك تنمية متعدد الأطراف، وهيكلتها وتصنيفها وفقاً لممارسات سوق رأس المال القياسية، فإن المؤسسة تنشئ بذلك نموذجاً يمكن للآخرين اتباعه.
سيعزز كل إصدار لاحق معرفة السوق، ويعزز السيولة، ويخفض تكلفة رأس المال للمقترضين من البلدان النامية، مع منحهم في الوقت نفسه قنوات تمويل جديدة كلياً. لكن ربما يكون التحول الأكثر تأثيراً هو:
كل دولار تقوم المؤسسة بتوريقه، يمكن إعادة استثماره مراراً وتكراراً. بإعادة تدوير رأس المال بدلاً من حبسه، تزيد المؤسسة من تأثيرها التنموي. ومع ذلك، فيجب الانتباه إلى أن التوريق لا يعالج سوى جانب واحد من المشكلة.
وهناك خمس عقبات رئيسة أمام الاستثمار في الأسواق الناشئة: عدم اليقين التنظيمي، والمخاطر السياسية، وتقلبات أسعار الصرف، وغياب حماية الخسارة الأولى، وعدم كفاية حقوق الملكية الثانوية.
يدمج البنك الدولي الآن تأمين المخاطر السياسية مع التمويل، بهدف مضاعفة التغطية ثلاث مرات لتصل إلى 20 مليار دولار بحلول عام 2030.
وتعمل مؤسسة التمويل الدولية على تطوير آليات تمويل بالعملة المحلية، تُمكّن المقترضين من الحصول على رأس المال بعملاتهم المحلية، ما يحميهم من تقلبات أسعار الصرف التي قوضت تاريخياً استثمارات الأسواق الناشئة.
إن الخيار الذي يواجه العالم المالي واضح: إما الاستمرار في تركيز رأس المال في الأسواق المُشبعة، بينما تتزايد الضغوط الديموغرافية في أماكن أخرى، أو السعي إلى إعادة تشكيل كيفية تدفق الاستثمار عالمياً.
ولن يصل هذا السوق إلى الحجم المطلوب، إلا عندما يُدرك المستثمرون المؤسسيون أن الأسواق الناشئة تُوفر الآن ما تحتاجه كل محفظة استثمارية: تنويع حقيقي، وإمكانية الوصول إلى النمو الذي سيُحدد معالم العقد المقبل.
وهكذا، فإن السؤال الآن ليس ما إذا كان رأس المال سيتدفق في نهاية المطاف إلى الأسواق الناشئة، بل ما إذا كنا سنتحرك بالسرعة الكافية لتحويل التحدي الديموغرافي اليوم، إلى ازدهار مشترك غداً.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
الكهرباء تهبط من السماء.. اليابان تنقل طاقة الشمس إلى الأرض بلا أسل...
منة شلبي تُقبّل يد يسرا أمام الجمهور وتتصدّر الترند.. ما الذي حدث؟ في...
14.5 مليار درهم تصرفات العقارات في دبي خلال أسبوع...
وزير المالية السوري: لن ننتظر المؤسسات الدولية لتنفيذ إصلاحاتنا...
سفير مصر فى لندن يلتقى وزير الدولة البريطانى للشرق الأوسط...
القضية الفلسطينية والمنطقة في مفترق طرق غامض!...