بعد القصف: هل غزة تحت وصاية جديدة أم أن الحرب تنتقل إلى الإقليم؟ بقلم سالي أبو عياش

(MENAFN- Palestine News Network ) منذ اندلاع العدوان على غزة في أكتوبر 2023، لم تكن الرؤية واضحة إذ بدا أن هذه الحرب كسابقاتها على قطاع غزة، ولكن اليوم أتضح أن ما يُسمى حرب غزة لم تكن سوى شرارة أولىفي حرب إقليمية مفتوحة. فمع أول صاروخ سقط في الجنوباللبناني وأول تهديد صدر من طهران، تحوّل الصراع منمواجهة بين المقاومة والاحتلال إلى حرب متعددة الجبهات تمتدمن غزة إلى لبنان، اليمن مروراً بسوريا والعراق والبحرالأحمر.

واليوم، رغم إعلان وقف إطلاق النار، لا يبدو أن المنطقة تعيشسلاماً حقيقياً. فالقصف على جنوب لبنان لم يتوقف بالكامل،وغزة ما زالت تتعرض لضربات متقطعة، وكأن الاحتلال يذكّرالجميع أن الحرب يمكن أن تعود في أي لحظة وترامب صرح بذلك "أن القوات الإسرائيلية "يمكن أن تعود إلى الشوارع (في غزة) بمجرد أن أنطق بالكلمة".

إضافة إلى التهديدات الإيرانية الأخيرة تزيد المشهد غموضا،خصوصا مع استمرار الغارات الإسرائيلية في العمقالسوري، ما يوحي بأن الهدوء الحالي ليس إلا واجهة هشةلبركان تحت الرماد.

يحاول الاحتلال أن يثبت أنه خرج منتصراً رغم فشله فيتحقيق أهدافه في غزة، تبقي جبهة الشمال مشتعلة. وبينالطرفين، تتدخل واشنطن لتمنع الانفجار الكبير، دون إرادةحقيقية لإيقاف النزيف.

ما نعيشه اليوم ليس نهاية الحرب، بل تحوّل في شكلهاوأدواتها. فالمعارك انتقلت من شوارع غزة المدمّرة إلى الخطوطالحدودية في الجنوب اللبناني، ومن التصريحات العسكريةإلى مفاوضات الغرف المغلقة، لكن الصراع ذاته لم يتغير: صراع على الأرض، والهوية، والسيادة، والبقاء.

السؤال لم يعد مجرد تساؤل نظري، بل أصبح ملحاً وواقعياً: في ظل هذا الهدوء الهش، متى ستبدأ الجولة التالية، وأين؟وهل ستكون غزة مجدداً مركز الصراع، أم ستنتقل أدواتالحرب إلى جبهات جديدة في الإقليم؟

الواقع الميداني والسياسي يوحي بأن أي لحظة يمكن أنتفضي إلى انفجار جديد، وأن هذه الجولة لم تُغلق بعد، مايجعل كل اتفاق هدنة مؤقتاً للانتظار فقط.
ما بعد الحرب: ملامح اليوم التالي في غزة

تتضح ملامح اليوم التالي من خلال الواقع الميداني نفسهفحركة حماس لم تختفِ لا عسكرياً ولا إدارياً، بل عادتكتائب القسام إلى الانتشار في القطاع، تملأ الفراغ الأمنيفي المناطق التي انسحب منها جيش الاحتلال، وتفرض النظامفي وجه العصابات واللصوص الذين حاولوا استغلال الفوضىوالسطو على قوافل المساعدات.

هذه الحملة التي نفذتها القسام ضد الجماعات الخارجة عنالقانون التي كانت تُراهن عليها أطراف إسرائيلية وأمريكيةلتكون نواة إدارة جديدة للقطاع شكّلت صفعة قوية لمشروعاليوم التالي الإسرائيلي الأمريكي، الذي يسعى لفرض وصايةدولية على غزة، أشبه بانتداب استعماري جديد، لا يقلّ سوءاعن الانتداب البريطاني قبل مئة عام.


حرب الوجود وسقوط الرواية

الحرب الأخيرة، أو ما يُسمّى مجازاً حرب الوجود، لم تعد حرباًضد الفلسطينيين فحسب، بل ضد الزمن نفسه. كل قذيفةتطلقها إسرائيل ترتدّ إلى صدرها، وكل ضحية تسقط هناكتُضيف عاماً جديداً إلى شيخوخة المشروع الصهيوني.
فالعالم لم يعد يصدّق رواية الضحية الخالدة، ولا يرى فيجيشٍ يقتل الأطفال إلا جيشاً فقد البوصلة والضمير.

ففشل مشروع التهجير، الذي أراد تغيير التوازن الديموغرافيفي فلسطين التاريخية، دفع الاحتلال وشركائه لطرح مشروعالوصاية على غزة تحت مسمى السلام العالمي هدفه الحقيقيليس السلام، بل إعادة صياغة الفلسطيني ككائن بلا هوية،يعيش في منطقة بلا سيادة، مقابل وعد بالإعمار والهدوء.

إعادة إعمار غزة: وصاية جديدة أم تغيير ديمغرافي مقصود؟

ربما الهدف من مشهد الإعمار المقترح يبدو واضحا: شطباحتساب سكان قطاع غزة من إجمالي سكان فلسطينالتاريخية، عبر تقسيم القطاع إلى مناطق تُدار بشكل مختلف. هناك مناطق ستبقى تحت سيطرة حماس والمقاومة ولن تدخلفي خطط الإعمار، وأخرى ستُعتبر قاعدة لـغزة الجديدة أوالمدينة النموذجية، التي سيُبنى منها الجزء الأول في مدينةرفح، وفق وصف المخططين بأنها خالية من“الإرهاب والتطرف.فالفكرة ليست جديدة؛ فهي مستلهمة من نموذج تقسيمالخليل عام 1997 (H1/H2)، حيث أُعيد التفاوض على مااتفق عليه في أوسلو وقُسّم المدينة بين السلطة الفلسطينيةوالإدارة الإسرائيلية، ليصبح التقسيم أداة لتفتيت السيطرةالفلسطينية.
وفي هذا المخطط الجديد، ستُشارك قوات عربية وإسلاميةوربما في الانتشار الأمني داخل القطاع، مع قيادة أمريكيةوإسرائيلية لمراحل الإعمار. ما يبدو كمشروع إعمار وتحسينللقطاع في الواقع هو محاولة لفرض وصاية جديدة وتغيير دائمفي بنية وهوية سكان غزة، وتحويل المدينة إلى مساحة يُعادتصميمها وفق مصالح دولية، بعيداً عن إرادة أهلها.

لقد أسقطت المقاومة الفلسطينية مخطط التهجير بالإبادة، وهوإنجاز يوازي في قيمته التاريخية نكبة 1948 والآن، تقع علىعاتق القوى الفلسطينية والعربية والإسلامية مهمة إسقاطمشروع الوصاية الدولي الذي يهدد الهوية والكيان الفلسطينيبرمّته. فما يُقدَّم تحت لافتة السلام والازدهار ليس سوىاستعمارٍ جديدٍ بلغة ناعمة. والمهمة اليوم ليست فقط حماية غزةمن العدوان، بل حماية فلسطين من النسيان.

فتحت ركام المدن، ما زالت الحرب تتنفس في الإقليم برمته،وما زال الفلسطيني يحرس ذاكرته بقبضةٍ من صبرٍ وأمل. غزة،رغم القصف والهدن المؤقتة، تبقى رمز المقاومة والحياة،والوصاية لن تمرّ ما دام الشعب يحافظ على هويته.

MENAFN17102025000205011050ID1110212973

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.