خطوات في حقل الألغام!

(MENAFN- Al-Bayan) يقول علي عزت بيجوفيتش: ((يا بُني، لا تنسَ، لم يكن الغرب في يومٍ من الأيام مُتحضِّراً، فمدنيّتُه اليوم قائمة على الاستعمار وسفك الدماء ودموع الأبرياء وآهات المعذّبين))، وكلمة ((الاستعمار)) تحديداً لا يبدو أبداً أنها يمكن أن تختفي من ذهنية الغربي الجشع، فهي بوصلته التي توجّهه، ولئن كانت في الماضي رديفة للبنادق والدماء، فهي الآن مخملية ناعمة، تلعب بالعواطف، كما تلعب الريح بسُنبلةٍ يتيمة!

هَوَس الغربي دوماً هو المال والسلطة، ومن أجل ذلك لم يتورع يوماً في اجتياح الدنيا بعساكره، حاملاً معه الموت والدمار والرعب، لأجل أن يسرق كل شيء ثمين لدى الآخر، ثم يكسو جرائمه بسردياتٍ كاذبة، وتستبدل مروياتُه البنادقَ بالمحبة، والسيوفَ بالتحضر، والخرابَ بالتحرر والمساواة، وملأوا الشاشات والمكتبات والعقول البسيطة بهذه الأكاذيب، وأصبح الباطل حقّاً والحق باطلاً، والمجرم بطلاً والضحية رجعياً متحجراً!

هَوَس اكتناز الأموال بعد انحسار موجات الاستعمار المسلح، لبس قناعاً جديداً، وأعاد ترتيب قِطع الأُحجية، حتى يصل لهدفه، دون إطلاق رصاصة واحدة، أو إنفاق دولارات وجنيهات كثيرة لتجهيز جندي مجرم، فكل الرجال تقريباً يكسبون أجراً ما، إما لوظيفة أو حِرفة أو إرث أو غيره، والعبقرية هنا في كيفية أخذ أكبر حصة من هذه الأموال التي يملكونها مقابل شيء لا يستحق، فلا معنى أن تبيع منتجاً كَلَّفَ 50 دولاراً بستين دولاراً، فالربح هنا يسير، ولا يكفي الكروش الجشعة، بل المهم أن تبيعه بألف دولار، ولكن كيف يمكن ذلك؟

الرجل غالباً، كما نقول في لهجتنا ((ما يفرّق سعونه))، ويُستبعَد أن يضيع أمواله على أمور يبدو سعرها مبالغاً فيه للغاية، لأنه مسؤول في الغالب عن أُسْرةٍ يَعولها، والضروريات لا يمكن التفريط فيها من أجل كماليات، وما دام الوضع كذلك، فلا بُد من نقل الأموال إلى طرفٍ آخر، أكثر ميلاً للبحث عن الكماليات، وأسرع للتأثر بالرسائل التي تلعب على وتر التميّز والاختلاف والاستقلالية!

لكن هذا ((النقل)) لا بد أن يُدعَّم بـ ((قضية)) وجودية، حتى لا يحدث تراجع في منتصف الطريق، لذلك، لم يكن غريباً أبداً أن نجد ماركة عالمية معروفة، ترفع شعار تمكين المرأة ((Women's Empowerment))، وشركة عالمية منافسة لها ترفع ((لنكن كلنا نسويين))((We Should All Be Feminists))، فالمرأة لا بد أن تتساوى مع الرجل في الحصول على الوظائف، وأن تستقل بدخلها عنه تماماً، فبيتُك وعائلتك سيدتي لا تستحق نقودك، لكن نحن نستحقها، فهلمّي إلينا!

بحسب دراسة شركة ((Bain & Company))، فإن حجم سوق الرفاهية (والذي يشمل سلع الموضة والمجوهرات والسفر الفاخر)، بلغ 1.48 تريليون يورو عام 2024، ويُتوقَّع أن يبلغ 2.5 تريليون يورو بحلول 2030، حيث تمثّل النساء، حسب الدراسة، ودراسة أخرى لشركة ((McKinsey))، بين 80 – 85% من الإنفاق العالمي على هذه المنتجات الشخصية، وتشير دراسة ثالثة لـ ((Harvard Review))، إلى أن النساء يسيطرن على 20 تريليون دولار من الإنفاق الاستهلاكي السنوي حالياً، وهو ما يُشكِّل 40% من الثروة العالمية، ويُتوقَّع أن يصل إلى 28 تريليون في السنوات الخمس القادمة!

إن شاشات الهواتف الذكية وتطبيقاتها التي تكاد أن توفّر لك حليب العصفور، تعيث في مستقبل الأُسَر والأمَم فساداً، ففيديوهات التسوّق وعرض المنتجات لا تتوقف لحظة في غزو أعين الجميع، وتحديداً النساء، والشراء يتم بضغطة زر لمرة واحدة، أو مرتين فقط، ليصل صندوق علاء الدين في الغد لباب المنزل، لشراء ما لا يحتاج الإنسان، ولكن الشعوذة الإلكترونية، إن صحّ التشبيه، تجعل المرء يشعر أنه لا بد أن ينفق ما دخل لحسابه البنكي سريعاً، لشراء ما يُعرَض عليه، فهي آخر قطعة، أو أول منتج، أو لا يملك سواها إلا أميرة بلاد الواق واق!

نعلم أنّ في النساء من تحمل على عاتقها مسؤولية بيت كامل، ومنهن مَن هي خير سند لزوجها أو أبيها، ومنهن من لم تخلب بصرها منتجات الماركات العالمية – التي فضحها الصينيون بأن الحقيبة تُباع بثلاثين ألف دولار وأكثر، بينما تُصنَّع بالصين بألف ومئتي دولار فقط- ولكن هناك شريحة كبيرة، كأنها عاهدت نفسها ألا يدخل درهم لحسابها، إلا وتفزع به سريعاً لمضارب بني فيتون، ومضارب بني شانيل!

لو توقفت النساء عن هذا البذخ، وتوجهت نقودها للضروريات، ولدعم أُسرها، أو للادخار والاستثمار في ما يعود لها بنفع، لحمَلَت هذه المتاجر، التي كادت أن تنافس البقالات عدداً ((قشّها))، ولرأينا أثر ذلك بشكل إيجابي في اقتصاد البلد، قبل أن يؤثر إيجاباً في تماسك الأُسر، ولخرج الاستعمار المخملي بخفي حنين، فهل نفهم اللعبة!

MENAFN14102025000110011019ID1110197197

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.