"موسوعة شعراء الإمارات" لبلال البدور مائة شاعر وشاعر في عوالم القصيدة العمودية تحفظهم الذاكرة

(MENAFN- Al-Bayan) ليس التأريخ للشعراء وحفظ أسمائهم في معاجم من حادث التآليف، فهو تالد الحضور متأصل في الثقافة العربية الإسلامية في ما يُعرف بكتب التراجم، وقد ازدهر هذا الفن في العصر العباسي خاصة لكثرة الأعلام في مختلف العلوم وظهور الحاجة إلى حفظ أسمائهم وأخبارهم.

وامتد من الكتب العامة إلى الكتب الخاصة التي تهتم بفرع من الأعلام مثل الصحابة والمتصوفة والمحدثين والوعاظ واللغويين والنحاة والفلاسفة والأطباء والحكماء وغيرهم، أما التراجم للشعراء فيكفي أن نذكر في هذا السياق ((طبقات فحول الشعراء)) للجمحي، و((الشعر والشعراء)) لابن قتيبة، و((طبقات الشعراء)) لابن المعتز، وصولاً إلى كتاب ((المؤتلف والمختلف في أسماء الشعراء وكناهم وأنسابهم وبعض شعرهم)) للآمدي، و((معجم الشعراء)) للمرزباني.

وتواصل هذا العلم في العصر الحديث فانتشرت الموسوعات والمعاجم المهتمة بالتعريف بالشعراء مثل ((معجم الشعراء منذ عصر النهضة)) لإميل يعقوب، وغيره من المعاجم التي اهتمت بشعراء قطر ما أو مدينة ما.

في هذا الإطار المعرفي تأتي ((موسوعة شعراء الإمارات)) لبلال البدور الصادرة في جزئها الأول المخصص للشعر العمودي بدبي سنة 2013، لتمثل إضافة نوعية إلى موسوعات ومعاجم الأعلام، وإلى الأدب الإماراتي والشعر منه خاصة.

ويمكن أن نرجع أهمية هذه الموسوعة إلى عدة أسباب منها:

أولاً- التوثيق للشعر الإماراتي وحفظ تاريخ أعلامه من الضياع ونقله من الذاكرة الشفوية إلى المكتوب والرقمي. ما يسهم في دعم الهوية الوطنية بالحفاظ على رموزها وآدابها وثقافتها.

- ثانياً، تمثل هذه الموسوعة مرجعاً مهماً للباحثين في الشعر الإماراتي تمكنهم من معرفة أعلامه، وتسهل الوصول إليهم ومعرفة سيرهم وأعمالهم. فتكون منطلقاً لكل دراسة نقدية في الشعر الإماراتي.

صدر بلال البدور ((موسوعة شعراء الإمارات)) بعتبتين على غاية من الأهمية، أولاهما ((التمهيد)) وفيه يقدم لنا البدور حكاية الموسوعة.

وهي عتبة تجمع بين الذاتي والموضوعي، الذاتي عبر عنه من خلال ذكره بعض المحطات المهمة في حياته، مثل الدراسة في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، والعمل الدبلوماسي، وعلاقته بالمرحوم عبد العزيز بن علي العويس، لكن هذا الذاتي يحضر لخدمة الموضوعي، والمتمثل في أن الاهتمام بالموسوعة وبداية العمل عليها ليس آنياً إنما رافق الكاتب منذ تخرجه أواسط السبعينيات، وأن معرفته بالشعر الإماراتي تخول له كتابة هذه الموسوعة، التي تعد عملاً وطنياً حافظاً للهوية.

ورحلة الجمع والتثبت أخذت من الكاتب زمناً طويلاً، استطاع خلالها جمع ما تسنى له من شعر إماراتي من موارد مختلفة مشافهة عن طريق الأصدقاء الذين نقل عنهم ما يعرفون من الشعراء والشعر أو عن طريق الصحف المحلية والعربية وما نشرته في فترات زمنية مختلفة أو عن طريق الدواوين المطبوعة التي توفرت للكاتب.

كما يكشف عن تردده في تبويب هذه الموسوعة، ويعلل أسباب اختياره للتبويب الذي انتهت إليه، وفوائده.

ويفسر أسباب اختياره هذا الجزء الأول ليكون للقصيدة العمودية، واعداً أن تكتمل الموسعة بأجزاء أخرى تضم شعر التفعيلة والشعر الحر وجزءاً يخصصه للشواعر الإماراتيات، وهو عمل موسوعي واعد.

إن هذه العتبة الأولى تكشف عن آليات الجمع وتاريخه وخبرة الجامع باللغة العربية وبشعراء الإمارات.

أما العتبة الثانية فتمثلت في مقدمة هذه الموسوعة، وهي مقدمة تاريخية استطاعت أن ترصد بدايات الشعر الإماراتي وتحولاته، كما تعتبر مقدمة فنية في تصنيفها للشعر الإماراتي من خلال اتجاهاته وخصائصه. وهي بلا شك بشكليها تقدم للمهتم بالشعر الإماراتي والباحث مرتكزاً أولياً للبحث والعمل.

تحدث البدور في بداية مقدمته عن العلاقة الجدلية بين المبدع شاعراً أو ناثراً والناقد، وما يمكن أن تحدثه هذه الحركة الجدلية من تطور للأدب والنقد معاً، وانطلاقاً من هذه الرؤية يأتي الاشتغال بهذه الموسوعة وهذه المقدمة باعتبارها عملاً نقدياً.

وتعرض إلى مركزية الشعر في الأدب الإماراتي إذا ما قورن بالنثر، ولعل ذلك يرجع إلى ارتباط الشعر بالفطرة والقريحة وارتباط الكتابة النثرية بالتعليم والانفتاح على الثقافات الأخرى، لذلك بدأت القصة الإمارتية مع أحمد بن علي العويس في خمسينيات القرن العشرين وبدأت الرواية مع راشد عبدالله بروايته ((شاهندة)) في سبعينيات القرن العشرين.

تأريخ وجذور

يرجع البدور إلى تاريخ بعيد في التأريخ للشعر الإماراتي، بداية من ابن دريد صاحب المقصورة المتوفى سنة 321 هـ. وأحمد بن ماجد في القرن التاسع، ولكن الحركة الشعرية الفعلية ستبدأ نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، بعد أن ضاع ما قيل قبلها لغياب التدوين والتوثيق والاعتماد على الذاكرة في نقل الشعر ففُقد أغلبه.

يُصنف كاتب الموسوعة الشعر الإماراتي إلى صنفين أساسيين، الشعر النبطي والشعر الفصيح. ويشير الباحث إلى شيوع الشعر النبطي وانتشاره أكثر من الشعر الفصيح، لأسباب لعل من أهمها ارتباط هذا الشعر باللغة المتداولة المستعملة وهو متاح للمتعلمين كما هو متاح لغيرهم.

وقد كُتب في الشعر النبطي في أغراض مختلفة، ومازال رائجاً إلى اليوم رغم انتشار التعليم وانتشار الشعر الفصيح.

ورغم صعوبة تحديد أيهما كانت له الأسبقية في الظهور، فإن شعراء الشعر النبطي يفوقون نظراءهم في الفصيح. ((والشاعر والأديب حمد بن خليفة بو شهاب قد ضمن سفره العظيم)) تراثنا من الشعر الشعبي ((في جزءيه، أسماء ونماذج لعدد 99 من شعراء النبط)). (ص،11 )

أما في تقديمه للشعر الفصيح فيذكر الأسباب التي حالت دون توثيقه توثيقاً دقيقاً ولعل أهمها يرجع إلى عدم اهتمام الشعراء أنفسهم بتوثيق شعرهم وتعويلهم على الذاكرة أو على وريقات للتداول فيما بينهم، ووفاة الحفظة الذين يحفظون هذا الشعر، وتأخر الحركة الصحفية في الإمارات، وتعويل البعض على النشر في صحف أجنبية، وتأخر حركة الطباعة وانتشار دور النشر.

كما تعرض البدور في هذا التقديم إلى الدراسات النقدية التي تناولت هذا الشعر وأسهمت في توثيقه منذ بداية السبعينيات. رغم اعتماد عدد منها في دراساته على المنقولات الشفوية لهذا الشعر، وسقوط العديد من الشعراء من أبحاثهم. وهذه النقائص التي شابت الدراسات الأولى خاصة كانت من بين الدوافع إلى إصدار هذه الموسوعة.

وينتهي الكاتب في مقدمته إلى ما يسميه ((المدارس الشعرية عند شعراء الفصيح))، وقسمها إلى ثلاث مدارس: مدرسة الأصالة والمحافظة، ومدرسة الأصالة المتطورة، ومدرسة التجديد. ومن التجوز اعتبارها مدارس بقدر ما هي اتجاهات شعرية تقاسم أصحابها سمات أسلوبية مخصوصة دون تنظيم أو اجتماع في جمعية أو رابطة أو مدرسة.

المدرسة الأولى مثلها شعراء الجيل الأول وقد حافظوا في نظمهم على شكل القصيدة التقليدية وأغراضها، محاكاة ومعارضة، وقد عدد كاتب الموسوعة أهم الشعراء في هذه المدرسة وذكر نماذج من شعرهم، وهم أقرب إلى الإحيائيين في الشعر العربي الحديث.

أما مدرسة الأصالة المتطورة، وهم من الشعراء الذين حافظوا على الأشكال التقليدية للقصيدة التقليدية، لكنهم تناولوا قضايا عصرهم ومعجمه، وهم بعبارة أخرى من الإحيائيين المجددين.

أما المجددون فمن الذين اكتسبوا قدراً من العلم وتمكنوا من التجديد في القصيدة، ومنهم: الشيخ صقر بن سلطان القاسمي، وتميزوا بخروجهم على النمط التقليدي بناء ومعجماً وصوراً.

تمثل هذه المقدمة مقدمة نقدية تأصيلية تسعى إلى تأصيل الشعر الإماراتي والبحث في تحولاته عبر التاريخ، ثم تصنفه، وتحدد أهم مدارسه وخصائص كل مدرسة، وهي معطيات مهمة للباحث في الشعر الإماراتي تمكنه من معرفة خارطة هذا الشعر وأبرز أعلامه.

من خصائص ((موسوعة شعراء الإمارات))

قدم البدور في ((موسوعة شعراء الإمارات مائة شاعر وشاعر))، عاشوا بين سنة 1875 تاريخ ميلاد الشاعر مبارك بن حمد العقيلي إلى تاريخ كتابة الموسوعة، فالعديد من الشعراء من الذين قدمتهم الموسوعة على قيد الحياة ومعاصرون للكاتب.

فمن آخر القرن التاسع عشر وعلى امتداد القرن العشرين والقرن الواحد والعشرين، يعرف كاتب الموسوعة بشعراء الإمارات الذين كتبوا باللغة العربية الفصحى. الشعراء الذين أصدروا دواوين أو مجموعات شعرية، والشعراء الذين كتبوا في الصحف والمجلات ولم يتسن لهم نشر أعمالهم في كتاب، وشعراء ظلت أشعارهم قيد التداول الشفوي والذاكرة.

الترتيب: رتب بلال البدور موسوعته ترتيباً ألفبائياً فبدأها بالهمزة وكان إبراهيم علي النعيمي أول الشعراء المذكورين في الموسوعة وأنهاها بحرف الهاء فانتهت الموسوعة بالشاعر هاشل الغيث.

وهذا الترتيب يساعد الباحث في الحصول على مدخل الشاعر الذي يريد الوصول إليه بسرعة ويسر أكبر. فهو ترتيب عملي أكثر من الطرق الأخرى التي كانت مطروحة على الكاتب وفكر في ترتيب الموسوعة وفقهها، مثل الترتيب التاريخي أو حسب المدارس وغيرها. وهو ترتيب يحاكي الموسوعات العالمية التي قدمت للشعراء.

طريقة تقديم الشاعر: يصدر المدخل باسم الشاعر، ثم يقدم الشاعر باسمه كاملاً، ويذكر تاريخ مولده، ومكان ولادته، وتحصيله العلمي، إن وجد، وأهم الدواوين التي كتبها وتاريخ صدورها، وأهم الأشكال الشعرية التي كتب فيها، والأغراض التي تناولها. ومشاركته الشعرية وعضويته في المنظمات والجمعيات الأدبية، وغيرها من التفاصيل التي تخص سيرة كل شاعر.

لا تخلو المداخل التعريفية من آراء نقدية لكاتب الموسوعة تبين أهم ما يميز شعرية الشاعر المترجم له:

يقول متحدثاً عن الشاعر إبراهيم محمد إبراهيم ((له حضوره الشعري البارز، لغته سليمة، ومعانيه قوية وجديدة، يعزف على وتر الوطنية والقومية، فكره واضح غير مشوش)) (ص 31).

ولافت تعليق كاتب الموسوعة في المدخل الذي خصه لنفسه: ((مُقل في قرض الشعر وإن كان شعره تغلب عليه الصنعة أحياناً)) (ص 115)

ثم ينتهي المدخل بذكر نماذج من شعر الشاعر المعرف به، من مقطوعات أو قصيدة وصولاً إلى تقديم قصائد متعددة قد تتجاوز الثلاث. وهي نماذج تمكن من معرفة أسلوب الشاعر وطرائق نظمه والأغراض التي كتب فيها، وتقدم تعريفاً شافياً للمهتم وبداية ينطلق منها الباحث.

قرن ونصف القرن

يقدم هذا الجزء الأول من موسوعة الشعراء الإماراتيين مائة شاعر وشاعر من شعراء القصيدة العمودية في الإمارات العربية المتحدة، على مدى أكثر من قرن ونصف، يترجم لسيرهم ويقدم دواوينهم ويعرف بقصائدهم.

في انتظار استكمال بقية الأجزاء التي ستقدم باكتمالها خدمة جليلة للأدب الإماراتي وللدراسات الأكاديمية المهتمة بالشعر الإماراتي خاصة والخليجي والعربي عامة.

أ.د. محمد الصالح البوعمراني(جامعة الوصل، دبي، الإمارات العربية المتحدة)

MENAFN14102025000110011019ID1110195773

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.