فرنسا على فوهة بركان.. صراع ماكرون الأخير للبقاء في الإليزيه

(MENAFN- Al-Bayan) ">بات المشهد السياسي الفرنسي مرادفاً لـ ((الأزمة المزمنة)). ففي الوقت الذي يواجه فيه الرئيس إيمانويل ماكرون دعوات متصاعدة للاستقالة أو حل البرلمان، وتمر حكومته بحالة من عدم الاستقرار غير المسبوق (حيث تم تعيين خمسة رؤساء وزراء في أقل من عامين)، يبدو مستقبل سلطته محكوماً بصراع ثلاثي الأبعاد: ضغوط برلمانية خانقة، تدهور اقتصادي مقلق، وتحديات شخصية تتعلق بشرعيته وقدرته على الحكم.

الضغط البرلماني والهاوية الدستورية
إن رفض ماكرون التام للاستقالة أو الدعوة لانتخابات تشريعية مبكرة، كما صرح من مصر، يؤكد عزمه على التمسك بولايته حتى عام 2027. إلا أن هذا التحدي يزيد من حالة الشلل السياسي (Political Paralysis) في الجمعية الوطنية، حيث يفتقد معسكر ماكرون الوسطي لـ الأغلبية المطلقة في البرلمان منذ الانتخابات التشريعية المبكرة التي دعا إليها في عام 2024. هذه الهشاشة تجعل تمرير أي تشريع، لا سيما الموازنة التقشفية التي تهدف لخفض العجز، أمراً شبه مستحيل دون الاستخدام المتكرر للمادة 49.3 من الدستور، التي تسمح بتمرير القوانين دون تصويت ما لم يتم سحب الثقة من الحكومة.

خطر سحب الثقة المتكرر
تعكس اقتراحات سحب الثقة الأخيرة (والتي أسقطت حكومات متعاقبة مثل حكومة فرانسوا بايرو) حجم التآكل في شرعية الرئيس. ورغم أن اقتراحين لسحب الثقة قد لا يحظيان بالإجماع الكافي للإطاحة بالحكومة الجديدة بشكل فوري، فإن خطر توحد المعارضة بين أقصى اليمين (التجمع الوطني) وأقصى اليسار (فرنسا الأبية) يبقى قائماً ويهدد بالإطاحة بالحكومات تباعاً، مما يغرق البلاد في دوامة لا نهائية من عدم الاستقرار.
لكن بالمقابل نجد الرئيس إيمانويل ماكرون يراهن على استمرار انقسام المعارضة وعلى عدم قدرتها على التوحد خلف اسم واحد لخوض انتخابات رئاسية مبكرة. هدفه هو شراء الوقت حتى نهاية ولايته، مع الاعتماد على تكنوقراط لتسيير الأعمال قدر الإمكان.

رجل أوروبا المريض
لكن ما يفسد مخططات ماكرون في كسب الوقت في مواجهة التحديات السياسية وتكتلات البرلمان أن الأزمة السياسية تتفاقم بتزامنها مع تحديات اقتصادية كبرى تثير قلق الأسواق الأوروبية والمستثمرين، حيث تجاوز الدين العام الفرنسي 114% من الناتج المحلي الإجمالي (ما يعادل نحو 3.3 تريليونات يورو)، ما يجعلها من أعلى الدول ديناً في منطقة اليورو. كما أن العجز المالي يظل أعلى بكثير من المستهدف، ما يضع فرنسا تحت ضغط الامتثال لقواعد الاتحاد الأوروبي.
تحاول الحكومات المتعاقبة تمرير إصلاحات تقشفية قاسية (مثل تخفيضات بقيمة 44 مليار يورو) لخفض الإنفاق الحكومي الذي يعد الأعلى في أوروبا. لكن هذه الخطط تثير غضباً شعبياً واجتماعياً واسعاً، وتقابل برفض برلماني، ما يزيد من صعوبة الخروج من الأزمة الاقتصادية.
بالمقابل أدى عدم اليقين السياسي إلى ارتفاع عوائد السندات الحكومية الفرنسية وتراجع في مؤشر كاك 40 (CAC 40)، ما يشير إلى أن المستثمرين بدأوا يفقدون الثقة في قدرة فرنسا على الوفاء بالتزاماتها المالية وإدارة ديونها.

ماكرون (2025-2027)
كل هذه القراءات والمؤشرات الاقتصادية والواقع الجيوسياسي المحيط بفرنسا يجعل الرئيس إيمانويل ماكرون يواجه وضعاً يمكن وصفه بـ ((الحكومة المستحيلة))، حيث إن خياراته محدودة للغاية وأفضل الخيارات الموضوع والمطروح من معظم ألوان الطيف السياسي وعقلاء وحكماء فرنسا هو الاستقالة ليحفظ ما تبقى من إرثه السياسي والشخصي. وتنظيم انتخابات رئاسية جديدة خلال 20-35 يوماً، أو اللجوء إلى انتخابات تشريعية جديدة قد تمنح فوز ((التجمع الوطني)) أغلبية، ويرفع المسؤولية عن ماكرون، لكنها مخاطرة ضخمة؛ يمكن أن تؤدي إلى فوز ساحق لليمين المتطرف (الذي قد يزيد من عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي). والحل الأخير هو حكومة تكنوقراطيةوهو يوفر استقراراً ظاهرياً ومؤقتاً لتمرير الموازنة. لكن الواقع يقول إن الحكومة لا تملك شرعية برلمانية، وستكون معرضة للسقوط الفوري باقتراح سحب ثقة آخر.

نهج التحدي والمناورة
من المرجح أن يواصل ماكرون نهج التحدي والمناورة حتى عام 2027، مراهناً على أن خصومه لن يتمكنوا من توفير البديل المستقر. لكن هذا النهج يجعل فرنسا في حالة من ((الجمود المؤسسي))، حيث يكون الرئيس في السلطة ولكن بلا قدرة حقيقية على الحكم وتمرير الإصلاحات الضرورية. التحدي الأكبر ليس في بقائه في الإليزيه، بل في الحفاظ على استقرار فرنسا الاقتصادي ودورها القيادي في الاتحاد الأوروبي وسط هذه الفوضى السياسية غير المسبوقة.

MENAFN14102025000110011019ID1110192162

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.