
توماس ميدغلي.. عبقري دمّر الكوكب دون إطلاق رصاصة واحدة!
ميدغلي، المهندس الميكانيكي والكيميائي الذي عمل في شركة جنرال موتورز في عشرينات القرن الماضي، ابتكر مركّب رباعي إيثيل الرصاص كمادة مضافة للبنزين لمنع ظاهرة الطرق في المحركات وتحسين الأداء، ورغم معرفة المجتمع العلمي آنذاك بخطورة الرصاص على الجهاز العصبي، تم تسويق المنتج على نطاق واسع تحت الاسم التجاري "إيثيل" من دون الإشارة إلى مكوّنه السام، وفقا لموقع leravi.
في عام 1924، شهد مصنع في نيوجيرسي حادثة مأساوية أودت بحياة خمسة عمال وأصابت العشرات بالتسمم، لكن ذلك لم يمنع الشركات المنتجة من الاستمرار في الترويج للمادة عالمياً.
وبعد عقود، كشف الجيوكيميائي كلير باترسون عن حجم الكارثة حين لاحظ أثناء أبحاثه في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا تلوثاً واسعاً بالرصاص في عينات الأرض والغلاف الجوي، ما دفعه إلى ابتكار "غرفة النظافة" الحديثة لتفادي أي تلوث في التجارب العلمية.
أظهرت دراساته اللاحقة أن مستويات الرصاص في البيئة ارتفعت بشكل هائل منذ اعتماد البنزين المرصّص، وأن الإنسان الحديث يحمل في عظامه كميات من الرصاص تفوق أضعاف ما كان عليه الحال لدى الأجيال القديمة. هذه النتائج أدت إلى تشديد التشريعات البيئية في الولايات المتحدة والعالم، وصدور قانون الهواء النظيف الذي قضى تدريجياً على استخدام البنزين المرصّص في السبعينات.
تُقدّر الأبحاث الحديثة أن أكثر من نصف الأمريكيين تعرضوا في طفولتهم لنسب مرتفعة من الرصاص، ما تسبب في فقدان جماعي يتجاوز 800 مليون نقطة ذكاء، فضلاً عن ارتباط التعرض المزمن لهذا العنصر بارتفاع معدلات أمراض القلب والوفاة المبكرة.
ولم تتوقف آثار ميدغلي عند ذلك، إذ ابتكر عام 1928 مركّب الفريون (أحد مركّبات الكلوروفلوروكربون) كغاز تبريد آمن مقارنة بالمواد القابلة للاشتعال آنذاك. لكن بعد عقود، اكتُشف أن هذه المركّبات تتسبب في تآكل طبقة الأوزون، ما أدى إلى ظهور ثقب الأوزون فوق القارة القطبية الجنوبية عام 1985.
ردّ العالم على هذه الأزمة بتوقيع بروتوكول مونتريال عام 1987، الذي مثّل نموذجاً ناجحاً للتعاون الدولي في حماية البيئة، وساهم في تعافي طبقة الأوزون تدريجياً.
اختراعات توماس ميدغلي كان لها تأثيرات سلبية كبيرة على صحة البشر، فإضافة تترا إيثيل الرصاص للبنزين ساهمت في تحسين أداء المحركات، لكنها أطلقت كميات كبيرة من الرصاص في الهواء، ما أدى إلى تسمم الدماغ والجهاز العصبي، وارتفاع معدلات الأمراض العصبية والدماغية، خصوصا لدى الأطفال.
كذلك، استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) في الثلاجات والمكيفات أظهر لاحقا آثارا بيئية غير مباشرة على الإنسان من خلال استنزاف طبقة الأوزون، ما زاد من تعرض البشر للأشعة فوق البنفسجية الضارة، وبالتالي زيادة خطر سرطان الجلد ومشاكل العين.
أصبح إرث ميدغلي مثالا صارخا على أن الابتكارات الكيميائية، رغم فوائدها الصناعية، يمكن أن تؤدي إلى أضرار جسيمة للبشر إذا لم تُراعَ آثارها الطويلة المدى على الصحة العامة.
قصة ميدغلي، الذي رحل عام 1944، تبقى درساً مؤلماً في حدود العبقرية البشرية، وتؤكد أن الابتكار بلا مسؤولية أخلاقية قد يتحوّل إلى سلاح ذي حدين. ومع تصاعد التحديات البيئية الحديثة، من تغيّر المناخ إلى الملوثات الصناعية الجديدة، تطرح تجربته سؤالاً جوهرياً: هل تعلمنا حقاً كيف نوازن بين التقدم العلمي وسلامة الصحة؟
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
التحالف الإسلامي يطلق البرنامج الإعلامي إعلاميو السلام لمرشحين من د...
مصر: عباس ونتانياهو يشاركان بقمة شرم الشيخ...
جامعة أبوظبي تتعاون مع مجموعة داماك لتعزيز التميز الأكاديمي والمهني...
محمد بن زايد والرئيس القبرصي يبحثان هاتفياً علاقات البلدين والتطورات ...
ماذا يحدث إذا أُضيئت كل مصابيح الأرض دفعة واحدة؟...
حيلة ذكية لتفريغ صندوق بريد Gmail دون فقدان أي رسالة...