الفنانة التشكيلية شاليمار شربتلي.. ريشتي تحمل حب الوطن إلى العالم... والفن هو لغتي للتواصل الإنساني.

(MENAFN- Global Advertising) الفنانة التشكيلية شاليمار شربتلي.. ريشتي تحمل حب الوطن إلى العالم... والفن هو لغتي للتواصل الإنساني.
في زمنٍ تتقاطع فيه الفنون مع التحولات الثقافية الكبرى التي تشهدها المملكة العربية السعودية، تبرز الفنانة العالمية شاليمار شربتلي بوصفها واحدة من أهم رموز الفن التشكيلي المعاصر، ووجهاً مشرّفاً للإبداع السعودي على الساحة الدولية.
رحلتها لم تبدأ من الصالات الفخمة أو المتاحف الشهيرة، بل من مرسم صغير في القاهرة احتضن طفلة تمسك بالريشة بشغفٍ فطري، لتشق طريقها نحو العالمية بثقة وإصرار، وتصبح أول فنانة عربية تعرض أعمالها في متحف اللوفر في باريس، وتُدخل مفهوماً جديداً إلى العالم تحت عنوان «الفن المتحرك»، حيث تلتقي الريشة مع المعدن واللون بالحركة.
شاليمار شربتلي ليست مجرد فنانة ترسم الجمال، بل سفيرة للفن والإنسانية، استطاعت من خلال أعمالها أن تجعل من الألوان جسراً للتواصل بين الثقافات، ومن فنّها رسالة تعبّر عن النهضة الفنية والثقافية التي تعيشها المملكة في ظل رؤية 2030، حيث أصبح الفن ركناً أساسياً من ركائز التنمية والتواصل الحضاري.
في هذا الحوار، تكشف الفنانة شربتلي عن تفاصيل تجربتها ومسيرتها، وعن رؤيتها للفن بوصفه رسالة وحياة، وتحدّثنا عن علاقتها بمتحف اللوفر، وبداياتها المبكرة، ومفهومها للنجاح، ورؤيتها لمستقبل الفن السعودي في ظل التحولات الكبرى التي تشهدها البلاد.
الجذور والبدايات
• هل وصلت شاليمار إلى تحقيق طموحها وأحلامها في مجال الفن التشكيلي؟ وكيف كانت البدايات؟
لستُ من أولئك الذين يرسمون طريق أحلامهم بخطة مسبقة، فالفن بالنسبة لي لم يكن هدفاً، بل حالة شعورية ونداء داخلي رافقني منذ طفولتي. الموهبة سبقت الوعي، وتصدّرت مشاعري قبل أن أعرف معنى الطموح. لم أحلم يوماً أن أرسم على السيارات أو الملابس، أو أن أصل إلى “الفورمولا”، كانت تلك المحطات تأتي إليّ كما لو أنها امتداد طبيعي لعلاقة صادقة بيني وبين الريشة.
حياتي، تماماً كألواني، فوضى جميلة ومدروسة في آنٍ واحد. الحلم الوحيد الذي تمنّيته بوضوح كان أن أصل إلى متحف اللوفر، لأن الفن في نظري لا يُقاس بالمكان بقدر ما يُقاس بالوصول إلى وجدان الناس، واللوفر كان بالنسبة لي رمزاً لهذا الحلم الإنساني الكبير.
أبصرتُ النور في أتيليه والدتي "خريجة الفنون الجميلة"، على أنغام عبد الحليم وفيروز ووردة؛ هناك تفتّحت أول بذرة من الخيال في داخلي. منذ أن أمسكتُ بالفرشاة وأنا في الثالثة من عمري، كنت أرسم العالم كما أراه، لا كما يُفرض عليّ أن أراه.
انطلقت رحلتي من القاهرة وأنا في الثالثة عشرة، حين أخذت بعض لوحاتي وذهبت إلى الفنان الكبير عبدالعال، لأتفاجأ بعدها بصورتي على غلاف مجلة “صباح الخير”.
كانت أمي أول من احتضن موهبتي وآمنت بها، ووالدي كان فخوراً بي إلى الحد الذي قال فيه لمجلة “الرجل”: «أنا ابنتي الفنانة التشكيلية». هذا الدعم المبكر شكّل أساساً متيناً لشخصيتي الفنية.
كما كنت محظوظة بلقاء قامات أدبية كبيرة مثل يوسف إدريس، وإحسان عبد القدوس، وفاروق جويدة، وصلاح طاهر، كنت بالنسبة لهم "الصديقة الصغيرة"، لكنهم فتحوا أمامي أبواب الفكر والإبداع، فامتلأت ذاكرتي بمخزون إنساني وجمالي جعلني أرى الفن ليس مجرد مهنة، بل طريقة حياة ونمط تفكير.
متحف اللوفر
• حدثينا عن مشاركتك في المعارض التي يحتضنها متحف اللوفر في باريس؟
أعتبر مشاركتي في متحف اللوفر بباريس من المحطات المهمة في مسيرتي الفنية، ليس فقط لأنها تجربة عالمية مميزة، بل لأنها تعكس حضور الفن السعودي الجديد الذي أصبح جزءاً من المشهد الإبداعي الدولي.
كانت البداية حين عُرضت سيارة “بورش” قمت برسمها بنفسي عند المدخل الرئيسي للّوفر، وكانت تلك المرة الأولى في تاريخ المتحف التي يُعرض فيها عمل فني متحرك بهذا الشكل. بعدها اختار المتحف في عام 2015 لوحتين من أعمالي لعرضهما ضمن قاعاته المتميزة، كما تم اختيار لوحتي "قبلة" لتكون ضمن الملصق الدعائي الرسمي للمعرض إلى جانب عشرة فنانين فقط من بين أكثر من 450 فناناً من حول العالم، وهو تكريم كبير أفتخر به كفنانة عربية وسعودية.
وفي العام التالي عرض المتحف مجموعة من أعمالي التي تنتمي إلى فن "الموفينغ آرت"، حيث قدمت لوحاتي على البورسلين والفازات والأعمدة والأكواب في تجربة هدفت إلى جعل الفن جزءاً من الحياة اليومية.
أما في عام 2021، فكانت مشاركتي الخامسة على التوالي في معرض "آرت شوبينج" بمتحف اللوفر، وقدمت خلاله ثلاث لوحات جديدة، تم اختيار إحداها مجدداً ضمن الأعمال الدعائية الرسمية للمعرض.
بالنسبة لي، هذه المشاركات ليست نجاحاً فردياً فحسب، بل هي تجسيد للتحول الثقافي الكبير الذي تعيشه المملكة اليوم في ظل رؤية 2030، حيث أصبح الفن جزءاً من التنمية الوطنية ومصدراً للقوة الناعمة التي تعكس وجه المملكة الحضاري وتبني جسور التواصل مع العالم. أشعر أن كل إنجاز أحققه في الخارج هو في جوهره امتداد لنهضة وطنية تؤمن بأن الإبداع لغة عالمية تليق بمكانة السعودية الجديدة على الساحة الدولية.
من فكرة إلى ثورة فنية على عجلات
• ما الذي ألهمك فكرة الرسم على السيارات؟
بدأت الفكرة حين كنت أسير في الشوارع وأشعر بالملل من ألوان السيارات النمطية: الأسود والأبيض والأحمر. قلت لنفسي: لماذا لا تكون السيارات لوحات فنية متنقلة؟
في عام 2013، عرضت الفكرة على شقيقي ماجد، وهو يمتلك توكيلات سيارات عدة في جدة، فشجعني على تنفيذها مستخدمة طلاء «الدوكو» سريع الجفاف.
كانت التجربة الأولى مع سيارة بورش 911 كاريرا، واستغرقت نحو أسبوعين لإنهائها. أتذكر أنني شغّلت أغنية «فاتت جنبنا» لعبد الحليم حافظ وبدأت أرسم بثقة وإيمان. وفي النهاية، كانت النتيجة مذهلة: أول سيارة فنية تُعرض في تاريخ مونديال باريس للسيارات عام 2014، وأصبحت من أكثر السيارات مشاهدة في العالم.
الفن المتحرك... رسالة جمال وحياة
• كيف تصفين العلاقة بين الفن والسيارات؟
السيارة بالنسبة لي ليست آلة معدنية، بل لوحة بيضاء متحركة يمكن أن تنشر الفرح والجمال في الشوارع. الله سبحانه وتعالى خلق الكون بألوان مبهجة، ولم يخلقه بالأسود والأبيض فقط، لذلك علينا أن نُدخل الجمال في تفاصيل الحياة اليومية، سواء عبر السيارات أو الأزياء أو الخزف أو حتى العمارة.
مفهوم النجاح
• ما هو النجاح بالنسبة لك؟
"النجاح بالنسبة لي ليس شهرةً أو جائزةً أو تصفيقاً مؤقتاً، بل هو قدرتك على ترك أثر حقيقي في الوعي الإنساني من خلال ما تقدمه. أؤمن أن الفنان الناجح هو من يستطيع أن يحرّك مشاعر الآخرين، وأن يزرع فيهم فكرة، أو لحظة جمال، أو إلهام يدوم. النجاح في نظري هو أن يكون عملك صادقاً، نابعاً من داخلك، وقادراً على التواصل مع الإنسان أينما كان."
"طوال مسيرتي، لم أنظر إلى الفن كمهنة، بل كرسالة ومسؤولية. النجاح الحقيقي هو أن تكون أميناً لهذه الرسالة، وأن تستخدم موهبتك في خدمة القيم الإنسانية والجمال، وأن تظل قريباً من الناس مهما اتسعت دائرة حضورك. فالريشة، حين تنبع من صدق الإحساس، تصبح أصدق من أي كلمات."
لم أشعر يوماً أنني وصلت إلى «النجاح» بمعناه التقليدي. بالنسبة لي، النجاح هو أن تكون إنساناً صادقاً، تترك أثراً طيباً في قلوب الآخرين.
أقيس نجاحي من خلال دوري كأم لابنتي، وكابنة لوالديّ. أتساءل دوماً: هل كنت ابنة صالحة؟ هل أنا إنسانة جيدة؟ هذا أهم من أي تكريم أو جائزة، الفنان الحقيقي لا يعيش بالغرور ولا بالغيرة، بل بالعطاء، لأن الفن الحقيقي يزدهر بالحب لا بالمنافسة.
الفن في السعودية
كيف تقيمين المشهد الفني في المملكة اليوم؟
المشهد الفني في المملكة يعيش اليوم مرحلة استثنائية بكل المقاييس. ما نشهده ليس مجرد نشاط فني متزايد، بل تحول ثقافي شامل يتناغم مع مستهدفات رؤية المملكة 2030، التي وضعت الثقافة والفنون ضمن ركائز التنمية الوطنية. يمكنني القول إن الفن التشكيلي السعودي يعيش عصره الذهبي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.
خلال الأعوام الأخيرة لمسنا أثر العمل المؤسسي الذي تقوده وزارة الثقافة وهيئة الفنون البصرية، واللتان أسستا منظومة متكاملة لدعم الفنانين من خلال برامج المنح والإقامات الفنية والمعارض الكبرى مثل بينالي الدرعية للفنون المعاصرة وبينالي الفنون الإسلامية في جدة. هذه المبادرات أعادت صياغة حضور الفنان السعودي، وجعلت من المملكة مركزاً جاذباً للحوار الفني العالمي.
الفن في ضوء رؤية 2030
• كيف تنظرين إلى أثر رؤية المملكة 2030 على الفن والمجتمع؟
رؤية المملكة 2030 لم تغيّر فقط شكل الاقتصاد، بل أعادت تشكيل الوعي الجمعي للمجتمع السعودي، وفتحت أمام الفن آفاقاً غير مسبوقة. للمرة الأولى أصبحنا نعيش واقعاً يُعامل فيه الفن بوصفه قيمة وطنية وثقافية واقتصادية، لا ترفاً أو نشاطاً هامشياً. لقد وضعت الرؤية الثقافة في قلب التنمية، ومنحت الفنانين مساحة حقيقية للتعبير والمشاركة في صياغة المشهد الحضاري الجديد للمملكة.
ما أحدثته الرؤية يتجاوز الدعم المادي والمؤسسي، لأنها أعادت تعريف دور الفنان في المجتمع. أصبح للفنان التشكيلي اليوم مكانته واحترامه، وصوته في التعبير عن القيم الجمالية والإنسانية التي تعيشها المملكة في تحولها الكبير. الفن اليوم وسيلة لبناء الهوية وتعزيز الانتماء، وأداة تواصل مع العالم تعكس عمقنا الحضاري وتنوعنا الثقافي.
أنا مؤمنة بأن ما نشهده هو ثورة ثقافية ناعمة تضع الإنسان في مركز الاهتمام وتحتفي بالإبداع كقوة من قوى المملكة الناعمة. لقد ترسّخت القناعة بأن كل لوحة ومنحوتة سعودية هي جزء من قصة وطن يتجدد وينظر إلى المستقبل بثقة وجمال.
نهضة فنية كبرى
• ما الذي تمثله لكِ هذه النهضة الفنية على الصعيد الشخصي؟
النجاحات التي حققتها في المحافل الدولية ليست إنجازاً شخصياً فحسب، بل هي جزء من النهضة الفنية الكبرى التي تشهدها المملكة في ظل رؤية 2030. ما نعيشه اليوم هو ولادة حقيقية لعصر ثقافي جديد، يضع الفن في صميم الهوية الوطنية ويمنحه مكانته كقوة ناعمة تعكس صورتنا للعالم. كل جائزة، وكل معرض، وكل لوحة تُعرض في الخارج هي صوت للوطن ورسالة بأن السعودية أصبحت مركزاً مؤثراً في المشهد الفني العالمي.
الجوائز والتكريمات الفنية
ريشة سعودية تتوّجها الجوائز العالمية
تميّزت مسيرة الفنانة السعودية العالمية شاليمار شربتلي بتنوّع إبداعاتها واتساع حضورها على الساحة الدولية، ما أهلها لنيل عدد من الجوائز المرموقة التي تشكّل علامات مضيئة في سجلها الفني.
جائزة هنري ماتيس
في عام 2019، تُوّجت شاليمار شربتلي بـ جائزة "ماتيس" الفرنسية، إحدى أرفع الجوائز الفنية في العالم، بعد منافسة جمعت أكثر من 500 فنان تشكيلي من 36 دولة. وتعد هذه الجائزة تكريماً لنهجها الإبداعي المتفرّد الذي يجمع بين الأصالة والتجديد، حيث يُعد الفنان الفرنسي هنري ماتيس (1869–1954) أحد أبرز رموز الحداثة في الفن التشكيلي، ومن أكثر الفنانين تأثيراً في القرن العشرين.
جائزة صالون الخريف الفرنسي
وفي محطة مهمة أخرى، حققت شربتلي إنجازاً تاريخياً بفوزها بـ الجائزة الشرفية الأولى "جائزة حفيد رينوار" في صالون الخريف الفرنسي بدورته رقم 106، لتكون أول فنانة عربية تحصد هذه الجائزة المرموقة. وقد شاركت بثلاث لوحات جديدة خصيصاً لهذه المناسبة، بعد تلقيها الدعوة الرسمية من رئيس الصالون، الذي يُعد أعرق المعارض الفنية في العالم، وسبق أن شهد أعمال أساطير الفن مثل بيكاسو، وماتيس، ورودان، وغوغان. جاء هذا التكريم تأكيداً لمكانتها التشكيلية البارزة في المشهد العالمي.
جائزة جامعة الدول العربية
كما كرّمت جامعة الدول العربية الفنانة شاليمار شربتلي بمنحها جائزة "الشخصية المبدعة والأكثر إنسانية"، تقديراً لدورها الريادي في استخدام الفن كجسر للحوار الإنساني، ورسالتها التي توظّف الجمال في خدمة القيم النبيلة وتعزيز صورة الفنان العربي في المحافل الدولية.

MENAFN11102025004361009251ID1110181568

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.