
الاعتبار من فتنة "الربيع"
لقد انخدع الكثيرون آنذاك ببريق الشعارات التي رفعت، فظنوا أن الإصلاح يأتي عبر الميادين والشوارع، وأن التغيير يكون بالصدام مع الدولة ومؤسساتها، فاستبد الحماس بالعقول، وغابت عن النفوس روح التروي والاتزان، وامتلأت الساحات بالهتافات الجياشة، وتدافعت الجموع وهي تتوهم انبثاق فجر جديد.
ولكن سرعان ما تبددت كل هذه الأحلام والآمال، وتحولت الساحات إلى ميادين نزاع ودمار، وعلا صوت الفوضى في كل مكان. لقد أصبح ما سمي ((الربيع العربي)) براكين ثائرة تقذف لهب الفوضى والانقسام والانهيار في تلك المجتمعات، دول كانت آمنة مستقرة تهاوت بنيتها التحتية، وتقطعت أوصال مجتمعاتها، وتدخلت في شؤونها الأيادي العابثة من الخارج تحت ذرائع شتى، وقتل من أبنائها من قتل، وتشرد الملايين منهم وهجروا، ولم يسلم من ذلك لا طفل ولا امرأة ولا عجوز.
وفي مقابل هذه الحالة الأليمة، نجت دول أخرى بفضل حكمة قيادتها ووعي شعوبها التي أدركت خطورة الفتن، ومغبة العبث بأمن الأوطان واستقرارها، وما يجلبه ذلك من المآسي التي كان واقع المجتمعات الأخرى خير شاهد عليها، ونتيجة وعيها الرشيد وإيمانها بمصالحها الوطنية العليا ازداد تماسكها وتلاحمها، والتفافها خلف قيادتها، لينكسر على هذا الجدار الوطني المنيع كل الخطط الفوضوية التي حاك خيوطها الفوضويون في ظلام دهاليزهم الحالكة.
ومن دروس تلك الفتنة التي ينبغي الاعتبار بها أن من أهم مظاهر الإصلاح الحقيقي المحافظة على الأوطان، وحماية وحدتها واستقرارها، وصيانة مؤسساتها ومكتسباتها، وتوطيد العلاقة المثلى بين الحاكم والمحكوم.
ليكون قائماً على الاحترام والمحبة والثقة والتلاحم والتعاون وتكامل الجهود بين القيادة والمجتمع فيما فيه رفعة الوطن وسعادة الجميع، إيماناً بأن الأمن قاعدة النهضة، وأن الاستقرار هو الركيزة التي تقوم عليه التنمية والازدهار، وأن الوحدة الوطنية ضرورة وأساس، وأن التناصح وتقديم المقترحات لعلاج أمر ما لها أبوابها الآمنة، التي لا ينبغي القفز عليها إلى وسائل تهدم ولا تبني، وتفسد ولا تصلح.
ومن الدروس المهمة كذلك، من واقع تلك الفتنة، أن الإصلاح لا يأتي عبر الشوارع التي يتسلل إليها من شاء، ويدخلها من هب ودب، فيركب موجة المظاهرات الفئات المنتفعة والتيارات الأيديولوجية والتنظيمات المتطرفة، التي تتخذ من الشعارات وقوداً لمآربها.
وقد أثبت الواقع أن الغضب حين يوجه بلا وعي يتحول إلى طاقة تدميرية، وأن التغيير الذي لا يبنى على بصيرة يصنع فوضى وضياعاً، وأن الصدام مع الدولة والمؤسسات ومحاولة فرض الرؤى والأجندات من خلال الشوارع والميادين يخلق فوضى وصراعات لا تؤمن مغبتها.
ومما ينبغي الاعتبار به كذلك أن العاطفة وحدها لا تصنع المستقبل، وأن الانفعال لا يغني عن الوعي، فالأوطان لا تصنع بالهتافات والمظاهرات، وإنما بالعقول والسواعد البناءة وبلغة الحوار المشترك وتكامل الجهود.
ومن أهم الدروس كذلك أن ندرك خطورة الإعلام في صناعة الفتن، فكم لعبت القنوات والمنصات الإلكترونية أدواراً سلبية لتضليل الرأي العام، فخلطت الحق بالباطل، ونقلت الأحداث بانتقائية، وروجت الإشاعات، وكان لذلك أسوأ الأثر في التأجيج والتحريض.
لقد ذكر العلماء والحكماء قديماً أن الفتنة حين تقبل لا يعرفها إلا أهل البصيرة، وإذا أدبرت أدركها الجميع، وقد عرف الجميع الآثار المدمرة لما سمي ((الربيع))، ورأوا ذلك بأنفسهم رأي العين، والعاقل يعتبر بما جرى، فلا يسمح لتلك الفتن بأن تعود بأثواب جديدة أو شعارات زائفة، ليسلم مجتمعه، وينجو وطنه، وتبقى المكتسبات والإنجازات لأجيال الحاضر والمستقبل.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
كيفية تجهيز سيارتك لفصل الشتاء: خطوات أساسية لضمان السلامة...
الكشف عن الحالة الصحية لترامب بعد إجرائه فحصه الطبي...
ترامب: اتفاق وقف إطلاق النار في غزة سيصمد.. وعودة المحتجزين الاثنين...
جدة بيوتي ويك يختتم فعالياته ضمن موسم جدة وسط إقبال جماهيري وعروض مبت...