
مسنات في الأردن يواجهن وحش الهشاشة الاقتصادية
تشعر أم محمود بالمثل تجاه طلب المساعدة: "لا شيء يخفف من قلقي سوى أن لدي منزلا أعيش فيه - على الأقل لا أستأجر. كيف سأعيش إذا كنت أستأجر؟ لم أستطع أبدا أن أطلب من الناس قطعة خبز، حتى لو كنت جائعا".
الناطق الإعلامي للصندوق يؤكد إمكانية حصولهن على معونة وفق معايير صندوق المعونة لعام 2023م تتعلق بخط الفقر المطقع في الأردن، وعدم وجود ابن معيل للمسنة، او ابن يتجاوز دخله الشهري 350 دينارا، وقيمة الأصول والعقارات المسجلة باسم الأرملة باستثناء مسكنها.
*يظهر الرسم التالي نسبة الترمل في الأردن والمنتفعات من صندوق المعونة الوطنية وفق ورقة حقائ المجلس الوطني للسكان.
مع مرور الأشهر، أدركت أم محمود أن انتظار التفات الدولة لأحولها لن ينقذها، فحاولت الصمود، قررت أن تبدأ مشروعا منزليا صغيرا لصناعة المربيات والأجبان، وتسويقها للجارات والمعارف، تقول:" هذا المشروع يسد بعض المصاريف، لكنه يتطلب جهد يفوق طاقتي" فبعد مرور عامين من المشروع بدا مرهقاـ واستنزف قواها الجسدية، إذ يتطلب الوقوف لساعات طويلة، وحمل الأواني الثقيلة، تقول:" كل ما أحمل طنجرة أتذكر تحذير الدكتورقال لا تحملي أوزان، مفاصلي ما تحتمل، وقال لا تبذلي جهد لينفع العلاج".
لقد مر ما يقارب من 15 عاما، ولم تتخذ الأمهات الأرامل بعد أي إجراء للمطالبة بحقوقهن، كما أن أي منظمة مجتمع مدني معنية بحقوق المرأة في الأردن لم تبذل جهدا لتسليط الضوء على وضعهم، علاوة على ذلك، وفقا لمصدر في مؤسسة الضمان الاجتماعي، بلغ عدد المطلقات اللواتي يتقاسمن راتب تقاعد والدهن – المتقاعد لدى الضمان – مع أمهات تجاوزن الستين عامًا 32 حالة خلال عام 2024، ولا تتوفر لدى المؤسسة إحصاءات حول الوضع الاقتصادي لأيٍّ منهن، وهو ما لا يتوافر أيضا لدى صندوق المعونة الوطنية لتقدير حجم الشريحة المتضررة بدقة.
تعد اللجنة الوطنية لشؤون المرأة واحدة من أبرز الجهات المخولة بدراسة التشريعات والقوانين في الأردن، وتقديم مقترحات، فحسب م. مها العلي الأمينة العامة للجنة يقتصر دور اللجنة بموجب المهام المسند إليها رقم 11 لسنة 2025م في تقديم مقترحات ورفعها إلى الجهات المعنية، وعليه تصدر التشريعات وتصبح نافذة بعد مرورها بالقنوات الدستورية، منوهه العلي أن المقترحات التي تقدمها اللجنة لا تعد ملزمة للجهات المعنية بالأخذ بها.
ولقد خاطبت اللجنة في العام 2018 رئاسة الوزراء بشأن إعادة النظر في استحقاق الأرملة العاملة لتقاعد زوجها، بسؤالها عن قضية لا تقل حساسية حول حالة أم محمود والحاجة رقية وكل من يعشن تلك الظروف، تقول أن القاعدة القانونية هي قاعدة عامة مجردة، تخاطب كل أفراد المجتمع لا تخاطب شخص بعينه، قابلة للتطبيق على جميع الوقائع التي تحقق شروطها، وتضيف أنه وبغياب إحصاءات حجم الشريحة المتضررة لا يمكن الحكم عودة لقاعدة القانون، وعليه ترى اختلاف الحالات فمرة تكون الأم الطرف الأضعف وأحيانا الابنة المطلقة هي الأكثر حاجة للحماية الاجتماعية.
هشاشة اقتصادية وأثار نفسية
وفي حين أن أم محمود والحاجة رقية تجاوزتان من الناحية الفنية خط الفقر الوطني الرسمي في الأردن (100 دينار أردني للشخص الواحد شهريا)، من منظور نوعية الحياة، فإن المبلغ الذي يتلقاه اليوم غير كاف لتغطية احتياجاتهما الأساسية، ما يدخلهن في هشاشة اقتصادية.
يقول الخبير الاقتصادي الأردني، حسام عائش: "عند الحديث عن المساعدات المالية أو الجمع بين المعاشات التقاعدية، فإن الشيء المهم هو التركيز على ما إذا كان دخل الفرد يمكن أن يغطي الحد الأدنى من مستويات المعيشة، مثل الغذاء والسكن والصحة والتعليم والنقل، مع الحفاظ على مستوى أساسي من الكرامة الإنسانية"، ويشير إلى أن تكلفة مستوى المعيشة اللائق في الأردن لشخص واحد تبلغ حوالي 300 دينار شهريا.
" من منظور علم الاجتماع خلف هذا القانون آثارا نفسية واجتماعية عميقة على الأرامل المسنات، فحين ينخفض دخل الأرملة كدخل وحيد لتأمين أساسيات حياتها، يتراجع شعورها بالأمان وتتصاعد حالة القلق والخوف من المستقبل" تقول مستشارة علم الاجتماع الدكتورة ميسون العتوم معلقة على تعديلات قانون الضمان التقاعدي لعام 2010م
مشيرة لمرحلة عمرية تحتاج فيها المرأة إلى الاستقرار لا إلى مزيد من الضغوط، بينما فتح القانون الباب أمام أعراض نفسية كالاكتئاب وفقدان الدافعية، ما يجعلها أكثر هشاشة في مواجهة تحديات الحياة اليومية.
أما الأثار الإجتماعية بحسب العتوم، فلقد ترك القانون بصمته على العلاقات داخل الأسرة نفسها، فبدل أن تبقى العلاقة بين الأرملة وابنتها المطلقة علاقة تضامن وتكافل، تتحولت إلى تنافس على مورد مالي محدود، في مفارقة تقوّض الرابط العاطفي والإجتماعي، وتزرع بذور التوتر والفتور داخل العائلة، فتضعف شبكات الدعم الاجتماعي.
وتكمن المشكلة الأعمق بحسب العتوم في أن التشريعات تصاغ غالبا من زاوية مالية بحتة، دون النظر إلى انعكاساتها النفسية والإجتماعية، وذلك لغياب صوت علماء الاجتماع والنفس عند إعداد مثل هذه القوانين، لذا تخرج قاصرة عن تحقيق العدالة الاجتماعية، مستشهدة بتجارب دولية قدمت نموذجا مختلفا، كما في فرنسا حيث أسهمت رؤى علماء الاجتماع في جعل السياسات أكثر حساسية تجاه الفوارق الفردية وتوزيع الأعباء بعدالة.
لقد وقع الأردن التزامه التزم بالهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة 2030 لإنهاء الفقر والعنف ضد الأرامل وأطفالهن، لكن المجلس الأعلى للسكان أشار إلى أن ملف الترمل وكبار السن لم يحظَ بالاهتمام الكافي محليا، مع ندرة البيانات حول حقوق الأرامل في الميراث والأراضي والحماية الاجتماعية، ودعا إلى سياسات وبرامج جادة لمواجهة الفقر والتمييز، وضمان حقوق الأرامل وفق القانون الدولي .
ولا تزال الأرامل المسنات معرضات للخطر على الرغم من التدابير الأخيرة لتحسين مستويات المعيشة لكبار السن في الأردن. من الاستراتيجات الوطنية منذ 2018 وأحدثها ( 2025-2030) بما يدعوان إليه، مزيد من الحماية ، فلم يصدر بعد أي إجراء لحمايتة المتأثرات بهذا القانون، تعلق أم محمود:" والله يا بنتي النا الله، يمكن ينتبهوا لما تنكسر لي عظمة..".
- أنجزت هذه المادة بدعم من العربي الجديد

إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
ارتفاع التداول العقاري في الأردن 2% منذ مطلع العام ليسجل 5.1 مليار دي...
وصول أجهزة التابلت مدارس الجيزة استعدادا لتسليمه لطلبة أولى ثانوى.. ...
في خطوة مبتكرة لدعم قطاع الأغذية والمشاريع الناشئة، "طلبات" الأردن تطل...
بيت التمويل يستعرض خدماته التمويلية في معرض Auto World Show...
مكالمة هاتفية مسربة تطيح بحكم رئيسة وزراء تايلاند...