
واقع الترجمة ورسائل الأدب المحرومة من الوصول
وتزامناً مع يوم الترجمة العالمي، الذي يوافق 30 سبتمبر من كل عام، تطرح ((البيان)) هذا الملف المهم الذي تناقش من خلاله واقع حركات الترجمة في الوطن العربي ومستقبلها المأمول، مستطلعة آراء عدد من المترجمين العرب والأدباء الذين تُرجمت أعمالهم إلى لغات مختلفة، والذين يحلون ضيوفاً على جلسات مهرجان طيران الإمارات للآداب 2026.
أعمال جيدة
وأكدت نورة الخوري، مؤلفة ومترجمة قصص أطفال إماراتية، أن الأعمال التي تُترجم إلى العربية أكثر بأضعاف كثيرة من الأعمال العربية التي تصل إلى العالمية، وأن ثمة أعمالاً عربية بجودة تنافس العالمية، لكنها لا تصل إلى الخارج، داعية إلى التوسع في عرض أدبنا على الآخر قبل الوصول إلى مرحلة التسويق؛ لجذب اهتمام دور النشر العالمية بشراء حقوق الأدب العربي.
ورأت أن عوامل عدة تنقص حركات الترجمة العربية لتكتسب تأثيرها المطلوب الذي ينعكس على انتشار الأدب العربي ودفعه إلى العالمية، موضحة أن أبرزها: حضور الناشر العربي والوكالات الأدبية العربية في الشرق والغرب، واستخدامهم أدوات التسويق بشكل صحيح، واختيار أعمال قوية محكمة، ومن ثم تكليف مترجمين متمكنين ليعملوا على الترجمة وصقلها، والتوسع في اللغات المرجو الترجمة إليها، الشرقية منها والغربية.
ولفتت إلى أهمية دعم الكاتب في بلده والوطن العربي، ودعم دور النشر وبرامج الترجمة، والجدية في إيصال النص العربي إلى الخارج، والاهتمام بالمترجمين وتمكينهم لاختيار أعمال تستحق الترجمة، مشددة على ضرورة سعي المترجمين ذاتهم لانتقاء الأعمال، وتشجيع المترجمين على العمل في اتجاه: العربية إلى لغة ثانية، بدلاً من العكس (اللغة الأخرى إلى العربية)، ورعاية طلاب اللغة لزيادة عدد المترجمين والتنويع في اللغات.
وعن تصورها تجاه ترجمة العمل الأدبي، وإن كانت تراها صورة مطابقة للنص الأصلي أم إبداعاً موازياً، قالت نورة: ((الترجمة نقل للعمل الأصلي، إنها مرآة لثقافة ما في قالب يحافظ على هوية النص بلغة أخرى، هي صورة مطابقة لفحوى العمل بإبداع لغوي من المترجم))، مشيرة إلى أن المترجم يلجأ في المجمل إلى اختيار المفردات والتراكيب التي يفهمها الآخر من خلال القراءة بلغته؛ وأنه لذلك ينبغي أن تكون الترجمة سلسة حتى يستمتع بها المتلقي.
وأيدت الرأي القائل بأن أحكام النقاد على العمل الأدبي الواحد تتأثر بتعدد ترجماته، وأن كل ترجمة ذاتية ولها طابعها الخاص، ومن ثم فإن تلقي الناقد يخضع لذوقه الشخصي أيضاً، مبينة رؤيتها الخاصة في كيفية التعامل مع النص المترجم بإنصاف في تلك الحال، من خلال قراءة الأوراق النقدية ومقارنتها بعضها ببعض.
جهود انتقائية
من جانبها أوضحت المترجمة المصرية ضي رحمي أنه برغم الجهود المتزايدة في العقود الأخيرة، لا يزال حضور الأدب العربي في المشهد العالمي محدوداً، مشيرة إلى أن كثيراً مما يُترجم يظل انتقائياً، ويخضع لاختيارات دور نشر أجنبية أو مبادرات فردية، فلا يعكس التنوع الحقيقي للمشهد العربي، ولا يقدم صورته الكاملة.
وأكدت أن الترجمة بحاجة إلى مؤسسات داعمة بتمويل مستدام، وانخراط مباشر مع دور النشر العالمية، واختيار أعمال تعكس روح المجتمعات العربية بتعددها، لافتة إلى أن تأهيل مترجمين يمتلكون وعياً بالثقافتين وحساً إبداعياً أمر حاسم، إلى جانب بناء شبكات علاقات ثقافية مع مهرجانات ووكالات أدبية وجامعات، ما يخلق طلباً حقيقياً على الأدب العربي بدلاً من انتظار مبادرات متفرقة.
ورأت أن النص الأدبي شبكة من رموز وإيقاعات لا يمكن نقلها بالترجمة الحرفية، وأن الترجمة الأدبية إبداع موازٍ، وعمل ثانٍ يحافظ على الجوهر الجمالي للنص في لغة جديدة، بحيث لا يكون المترجم مجرد وسيط لغوي، بل هو شريك إبداعي يوازي دور الكاتب، مؤكدة أن الأحكام النقدية تتباين بحسب جودة الترجمة، وقد يبدو النص مختلفاً في كل نسخة.
وقالت ضي: ((تعدد الترجمات ظاهرة صحية؛ لأنها تتيح قراءات متعددة للنص، لكن التعامل بإنصاف يتطلب نقداً مقارناً يكشف مواطن القوة والضعف، إلى جانب الاعتراف بدور المترجم بوصفه شريكاً إبداعياً يشارك النص في صياغة معناه، لا مجرد وسيط لغوي ينقله من لغة إلى أخرى)).
مسار واحد
ولفتت الكاتبة القصصية والشاعرة المغربية، سُكينة حبيب الله، إلى أن حركة الترجمة في الوطن العربي ما زالت تتحرك بقوة في مسار واحد، بحيث يُنقل بكثافة ما يُكتب بالخارج أكثر مما يُنقل ما يُكتب بالداخل، منوهة بأن هناك حركات ترجمة تنتعش أخيراً، جعلت أسماء عربية كثيرة، لا سيما شابة، تجد لها أماكن في رفوف المكتبات العالمية.
وقالت سُكينة: ((أراقب بإعجاب كبير انتعاش ترجمة الأدب في بعض دولنا العربية، والخليجية تحديداً، إلى لغات العالم. ثمة جهد ودعم مؤسساتي ورؤية حقيقة واعية تقف خلف هذا. أتابع أصدقائي من هناك، وهم يترجمون إلى اليابانية والصينية والكورية وغيرها من اللغات دون حاجة إلى استلال جائزة ضخمة، كي تكون تأشيرتهم إلى الترجمة، هذا ما يُفترض به أن يحصل، أن يوضع الأدب على الخريطة)).
ووصفت ترجمة العمل الأدبي بأنها ((عملية إبداع شاقة لا تخلو من مخاطرة ومتعة))، مشبهة تلك الممارسة بـ((الآركيولوجي)) (علم الآثار)؛ إذ يعيد المترجم بناء عوالم النصوص وتخيلها انطلاقاً من الكلمات، ويستنطق أعماق الكاتب دون أن يشهده أو يقابله، ويغوص في ثقافة بلدان ويتشربها، ويعيش حيوات كثيرة بشكل مكثف، كل هذا لتفتح أخيراً أمامه مغارة النص، ويدخل القراء إليها.
واعتبرت القراءة في أساسها عملية متحيزة، يختلف فيها أحياناً حكم الشخص الواحد على النص الواحد إذا قرأه مرتين، مضيفة: ((ما بالك بترجمات متعددة لنص واحد؟! فليس مهمة الناقد إنصاف النص في رأيي، ولكن الإنصات إليه، وهو عند الإنصات إلى نص مترجم، يصيخ السمع إلى صوتين دفعة واحدة، ويظهر تمكن المترجم ودربته في قدرته على التمييز بينهما)).
محاولات مؤسسية
وكشفت الدكتورة شهلا العجيلي، كاتبة وأكاديمية سورية - أردنية، وأستاذة الأدب الحديث والدراسات الثقافية في الجامعة الأمريكية في مادبا في الأردن، أن هناك محاولات مؤسسية عديدة لترجمة الأعمال الأدبية، لا سيما من المؤسسات الثقافية التي لها علاقة بالجوائز الإبداعية، والتي جاءت بديلة لعمل اتحادات الكتَّاب في المراحل السابقة، لكنها لا تغطي النتاج الإبداعي العربي الكبير.
وقالت شهلا: ((نحتاج إلى دعم أكبر للترجمة، ومبادرات أكبر حكومية وخاصة، لدعم الأعمال الأدبية التي تستحق أن تصل إلى المتلقي في أنحاء العالم، والتي تقدم رؤية جمالية عميقة لثقافتنا، وتقدم قضايا الفرد العربي وإشكالياته عبر الفن، من غير المحاباة المناطقية أو الشخصية))، مؤكدة أنه مع ذلك لا بد من القول إن القوائم الطويلة والقصيرة للجوائز العربية - العالمية، التي نشأت منذ مطلع الألفية الثالثة، نبهت كلاً من المترجمين، ودور النشر العالمية إلى الحالة الإبداعية العربية، وكذلك أسهمت مشاركات الناشرين العرب في معارض الكتب العالمية مثل معرض لندن، ومعرض فرانكفورت في ذلك.
غياب الدقة
ورأت أن ما ينقص حركات الترجمة العربية هو الدقة في انتقاء النصوص من جهة، والمبادرات الواسعة ذات التمويل الكبير، والعلاقات الثقافية العالمية الجيدة، إضافة إلى الإعلام القوي الذي يخدم الترجمات، مشيرة إلى أن ترجمة العمل الأدبي هي إبداع يتيحه كل من النص الأصلي والمعرفة بالسياقات الثقافية للغتين، وأن اللغة هي المصدر والهدف، مشددة على ضرورة الحساسية اللغوية والثقافية لدى المترجم، وقدرته على البحث والتقصي.
وأضافت: ((لا شك أن هناك ترجمات ترفع العمل الأصلي، وأخرى تقلل من جمالياته وأهميته، والنقد الجادّ فيصل في هذا الإطار))، لافتة إلى أن هناك أعمالاً أدبية تكون رائجة في لغتها الأصلية، لكنها لا تصلح للترجمة أو تبدو أقل قيمة في الترجمة، لا سيما في السرد؛ لأنها تعتمد أصلاً على جماليات اللغة، لا العلاقات السردية.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
هذه الوظيفة لن يمسّها الذكاء الاصطناعي أبداً.. وبيل غيتس يكشف السر!...
دراسة تتوقع نمواً سريعاً لاقتصاد الإنترنت في ألمانيا...
البحرين وإيطاليا.. علاقات صداقة وتعاون تاريخية وثيقة:التوقيع على شراك...
المؤتمر والمعرض الدولي للتكرير 2025 ينطلق اليوم في البحرين...
جامعة حمد بن خليفة تختتم مؤتمر أخلاقيات الذكاء الاصطناعي...
وفد مملكة البحرين يشارك في مؤتمر الملاحة الفضائية الدولي 2025 في سيد...