
التراث من أوساكا إلى أبوظبي
أدهشني حضور سمو الشيخ خالد بن محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي، الذي حمل إلى جناح الإمارات في أوساكا دلالات أبعد من كونه فعالية دبلوماسية أو ثقافية؛ فقد بدا المشهد لوحة فلسفية، تعكس التقاء الماضي العريق بالطموح الكوني، تحت راية توجهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، الذي يضع الإنسان والمعرفة والهوية في مقدمة المشروع الوطني.
أرى أن كل لحظة من لحظات يوم الإمارات في أوساكا تظهر كيف تتحول الهوية إلى ممارسة حيّة، تتجسد في الحرف اليدوية، وفي ورش العمل التي جمعت الأجيال، وفي الأغاني الشعبية التي رافقت خطوات الوفود، وفي حوارات شبابية، تنبض بفكر جديد، كانت الصورة أن الهوية كيان نابض بالاستمرار، يتطور ويزدهر كلما تفاعل مع العالم. الشباب الإماراتي في المعرض يحملون مسؤولية كبرى بوعي وثقة؛ فقد مثلوا الدولة وجهاً حضارياً رحباً، وأدوا دورهم سفراء للقيم الوطنية أمام العالم. كانوا يشرحون لزوار المعرض معنى التراث والابتكار معاً، ويقدمون الإمارات نموذجاً متوازناً يجمع بين التكنولوجيا المتقدمة والأصالة المتجذرة.
هنا تتجلى جوهر رؤية قائد الوطن أن التراث يشكل جذوراً عميقة تمتد في الأرض، وأن الشباب يمثلون الأغصان التي تتفتح نحو السماء. هذا التكامل يضمن أن مسيرة الدولة لا تنقطع، وأن ماضيها يمد حاضرها بالصلابة، وحاضرها يمد مستقبلها بالأمل، وهذه، حسب وجهة نظري، خطوة استراتيجية تصوغ من جديد موقع الإمارات في العالم، فالمعارض الكبرى مثل إكسبو هي منصات للمعرفة والحوار الحضاري، وهي أيضاً مختبرات لبناء علاقات إنسانية قائمة على التعاون. تضيء صورة الدولة موجهاً رئيسياً للقيم الإنسانية المشتركة، ومركزاً يزاوج بين الإبداع المعاصر والتجربة التاريخية.
المكان الثاني، هو أبوظبي الحبيبة، حيث تابعت مبادرة دائرة الثقافة والسياحة، التي تستكمل هذا التوجه برؤية لا تقل عمقاً، فالندوات التي أطلقتها لدعم حماية التراث الثقافي والطبيعي تجسد صيانة حقيقية للذاكرة الجماعية، وهي بمثابة ورش لصياغة المستقبل، حيث يتعلم العاملون في مجالات الثقافة والآثار والبيئة كيف يحافظون على الهوية، ويعززونها في مواجهة تحديات العصر، وهنا يظهر الانسجام الفريد بين الداخل والخارج: جناح الإمارات في أوساكا يجسد الوجه الدولي للحوار الحضاري، بينما الندوات في أبوظبي ترسخ البناء المعرفي، الذي يحمي هذا الحوار من الانقطاع. في كلا الاتجاهين هناك إصرار على أن الهوية إرث حيّ ومسؤولية مشتركة، ومصدر للفرص الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
لقد بينت التجارب التاريخية أن الأمم التي وثقت بشبابها وفتحت لهم الأبواب صنعت مستقبلها بيدها، وأن الدول التي احتضنت تراثها، وأعطته مكانته استمرت قوية رغم تحولات الزمن. والإمارات اليوم تكتب هذه القاعدة بمداد جديد، فهي تمسك بالماضي لتضيء الحاضر، وتفتح الحاضر لتبني المستقبل، كما أرادها المغفور له، بإذن الله تعالى، الشيخ زايد بن سلطان، طيب الله ثراه.
من هذا المنظور، تتضح معاني فلسفية عميقة، فالمشاركة في أوساكا بعد أكثر من نصف قرن على مشاركة الإمارات الأولى تحمل رمزية أن الإمارات تنمو باستمرار، وتراكم خبراتها جيلاً بعد جيل، وتعود إلى العالم بثقة أكبر وحضور أوسع، أما سلسلة الندوات التي تنظمها أبوظبي، وكذلك الدور الكبير، الذي تقوم به وزارة الثقافة في تسجيل عناصر التراث غير المادي في سجل وطني شامل، وكل الفعاليات التراثية الأخرى، فتعلن أن حماية التراث ليست واجباً محلياً فقط بل التزاماً إنسانياً يربط المجتمع الإماراتي بالمجتمع الدولي في مشروع واحد: صون ذاكرة البشرية.
ليتني كنت في أوساكا وأبوظبي في اللحظة ذاتها، وفي كل فعالية ومكان يعمل بجد لكتابة فصل جديد من كتاب تراث الإمارات العريق، كتاب بأحرف من نور، يرسخ قيم الإنسان الإماراتي وهويته، على هدى رؤية القيادة الحكيمة، التي توجهنا دائماً إلى أن الاستثمار في الإنسان هو الاستثمار الحقيقي، وأن الهوية الوطنية يجب أن تصبح طاقة خلاقة، تُبنى بها مؤسسات الثقافة والتعليم والابتكار، فلسفتها تمكين الشباب ليكونوا القادة الجدد، ورسالتها صون التراث ليظل مرجعاً أخلاقياً وروحياً، والانفتاح على العالم ليبقى الحوار الحضاري عنواناً لمسيرتنا.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
محمد المنيع عمدة الفنانين الخليجيين سلامات...
الأردن يرحب باعتراف البرتغال بدولة فلسطينية...
2.58 مليون اشتراك كهرباء في الأردن...
حدث وتاريخ.. 22 سبتمبر...
الحوسبة الكمية والفائقة في واجهة واحدة...
نحل السيلوفان يقاوم البرد القارس...