
"دبلوماسية التهديد والوعيد".. هل تصلح لإنهاء الأزمات؟
وخلال الأشهر الماضية، وفي أكثر من مناسبة، خرج الرئيس ترامب مؤكداً قرب التوصل لاتفاق حاسم للحرب في غزة، وكذلك الحال بالنسبة للحرب في أوكرانيا، ولا سيما بعد لقائه الاستثنائي مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين.
غير أنه وبعد مرور تسعة أشهر على عودته للبيت الأبيض، لم ينجح الرئيس الأمريكي في الوفاء بتلك التعهدات، رغم وعود تالية بقرب التوصل لاتفاقات لحلحلة الأزمات القائمة.
لكن مزيجاً من الشكوك التي تلف دور الولايات المتحدة كوسيط يُمكن الاعتماد عليه، وبين التطورات الميدانية والجيوسياسية المعقدة في تلك الملفات، أحبط جهود إطفاء النيران، لتمضي واشنطن في سياسة ((التهديد والوعيد)) كسلاحٍ من أجل تسوية تلك الحروب، سواء في غزة أم في أوكرانيا.. فهل تنجح تلك السياسة فيما فشلت فيه الجهود الدبلوماسية؟
تضمنت تلك التهديدات على سبيل المثال التلويح بفرض المزيد من العقوبات على روسيا وكذلك تهديداته المختلفة لكييف، بالتوازي مع حث حلفائه على الطرف الآخر من الأطلسي للتصعيد ضد الدول التي تشتري الطاقة الروسية (لا سيما الصين والهند) وغيرها من الأدوات.
كما وسّع نطاق تهديداته لحركة حماس والتي توعدها بـ ((الجحيم)) و((عواقب وخيمة)) في غير مناسبة، آخرها في تصريحاته للصحافيين بالبيت الأبيض هذا الأسبوع، عندما قال إن الحركة ستواجه ((ورطة حقيقية)) حال استخدام المحتجزين كدروع بشرية.
تهديد بلا جدوىيقول أستاذ العلوم السياسية، أيمن الرقب لـ((البيان))، إن ترامب يواصل منذ منتصف ديسمبر إطلاق التهديدات تجاه غزة، لكنه لم ينجح في تحقيق أي اختراق لا في الملف الأوكراني ولا في القضية الفلسطينية، مؤكداً أنّ التهديدات لروسيا لم تُجدِ نفعاً، والتهديدات للشعب الفلسطيني لم تحقق شيئاً.
ويضيف: ((إذا كان ترامب يسعى إلى التأثير في المشهد السياسي أو يتطلع إلى جائزة نوبل للسلام، فعليه أن يمارس ضغطاً حقيقياً على إسرائيل للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
وأن تُعلن الإدارة الأمريكية بوضوح أن الحرب على غزة يجب أن تتوقف، مع فتح آفاق سياسية جادة أمام الفلسطينيين.. أما الحديث عن الاستثمار في غزة وتحويلها إلى مشاريع عقارية، فهو يؤكد غياب النية لتحقيق السلام.
ويكشف أنّ واشنطن ماضية في سياسة التضليل، الأمر الذي لن يقود إلا إلى مزيد من الإخفاقات)). ويشير الرقب إلى أنّ ترامب لا يمتلك خطة واضحة، موضحاً أنه ينظر إلى القضايا الدولية بعقلية التاجر الباحث عن الصفقات، لا بعقلية القائد الذي يسعى إلى السلام.
ويرى أنّ رؤيته ضحلة، وأنّ ما يطرحه مجرد احتمالات مرشحة للفشل ما دام يرفض ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف عدوانها على غزة. ويختم الرقب بالقول: ((لقد آن الأوان لتغيير جذري في الرؤية الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية، لأن استمرار الوضع الراهن لم يعد مقبولاً لا من الشعب الفلسطيني ولا من غيره)).
نقاط القوة والضعفعلى الجانب الآخر، يرى محللون أن سياسة التهديد والوعيد ربما تحمل بعض نقاط القوة مثل تحقيق نتائج تكتيكية سريعة أو إرسال رسائل واضحة للأطراف المعنية، لكنها في الوقت نفسه تواجه نقاط ضعف خطيرة، أبرزها محدودية فعاليتها في النزاعات الطويلة والمعقدة، واحتمال التصعيد بدلًا من التهدئة، إضافة إلى أنها لا تعالج جذور الأزمات.
هذه السياسة يمكن أن تكون جزءاً من استراتيجية شاملة لإدارة الأزمات، لكنها ((لا تصلح أن تكون الأداة الوحيدة)). بينما تتطلب الحلول المستدامة مقاربة متعددة الأبعاد تشمل الدبلوماسية الدولية والضغوط الاقتصادية المدروسة، علاوة على الحوافز الأمنية، والمشاركة الفعالة للأطراف الإقليمية والدولية، وهو ما ينطبق على النزاعات المستعصية مثل غزة وأوكرانيا.
هذا ما يؤكده الباحث المتخصص في العلاقات الدولية وتحليل السياسات العامة، أبو بكر الديب، لدى حديثه مع ((البيان))، والذي يقول إن السياسة الأمريكية الحديثة، خصوصاً في عهد الرئيس دونالد ترامب، عُرفت باتباع نهج يقوم على ((التهديد والوعيد المباشر))، سواء من خلال الضغط الاقتصادي والعسكري وكذلك التلويح بالمواجهة؛ بهدف تحقيق أهداف سياسية أو استراتيجية قصيرة المدى.
هذا النهج - وفق الديب - قد ينجح أحياناً في المواقف البسيطة أو غير المعقدة، عندما يكون الطرف الآخر ضعيفاً أو قابلاً للاستجابة المباشرة للضغط، كما حدث في بعض التجارب التاريخية المرتبطة بفرض العقوبات على دول صغيرة أو عبر مفاوضات ثنائية محدودة.
لكن في المقابل وفي النزاعات ذات الطابع المعقد سياسياً وجيوستراتيجياً، مثل الحرب على غزة أو في أوكرانيا ((يتطلب الأمر أدوات أكثر شمولاً وتعقيداً تتجاوز مجرد لغة التهديد.
نزاع معقديضيف الديب: ((الحالة في غزة تُعد مثالاً واضحاً لذلك، حيث يتسم النزاع بطابع معقد ومتجذر منذ عقود.. ومن ثم فإن سياسة التهديد قد تحقق نتائج محدودة مثل فرض هدنة مؤقتة.
لكنها غير قادرة على معالجة القضايا الجوهرية للصراع مثل الأرض واللاجئين والقدس والوضع الإنساني.. بل إن الاعتماد المفرط على هذه السياسة قد يؤدي إلى تصعيد النزاع وتعزيز موقف الفصائل المسلحة بدلاً من تهدئته)).
بينما الحرب في أوكرانيا تمثل بدورها تحدياً مختلفاً؛ إذ تواجه روسيا كقوة كبرى دولة أصغر مدعومة من الغرب، في إطار صراع يمس المصالح الاستراتيجية والأمنية الدولية.
والتهديدات الأمريكية هنا، مثل فرض عقوبات أو سحب الدعم، قد تحمل تأثيراً رمزياً أو سياسياً، لكنها تظل محدودة وغير كافية لإحداث تغيير جذري في مسار الحرب، بل قد تدفع روسيا نحو ((تشديد موقفها العسكري أو تعزيز تحالفاتها الدولية)).
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
"إيدج" تعرض جيلاً جديداً من أنظمة الطائرات غير المأهولة...
سرقة عينات من الذهب بقيمة 700 ألف دولار من متحف في باريس...
أسواق جازان الشعبية مقصد للصناعات الحرفية...
مساندة تصبح الشريك الأول لبرنامج عزم التابع لصندوق الاستثمارات العامة ...