
المخطوطات الأدبية.. حكايا مشوقة في طريقها إلى الاختفاء
كل هذه التفاصيل الجميلة، التي تسرد لنا سيرة النص البديع الذي خطف قلوبنا، وحكايا معاناة صاحبه في تأليفه وإنجازه، قد تكون في طريقها إلى الاختفاء، مع تزايد الاعتماد في تدوين النصوص الأدبية على وسائل التقنية الحديثة من حواسيب وأجهزة لوحية وهواتف ذكية، الأمر الذي يفضي إلى تساؤلات كثيرة تحيط بمصير المسودات المخطوطة ومستقبلها في العصر الراهن.
وأوضحت الكاتبة مريم الغفلي لـ((البيان)) أن المسودات الأدبية كانت مرجعاً مهماً للكاتب ولغيره، ودلالة على مراحل تشكُّل الأفكار وانبثاقها وتحولها إلى تحفة أدبية، مشيرةً إلى أنها تبدأ بخربشات ورؤوس أقلام، وخطوةً خطوةً تجرى عليها التعديلات التي تُلبسها ثوباً قشيباً من التنسيق والتدقيق، فيخرج نص نهائي بعد مخاض.
وقالت: ((تفيد المسودات في استقصاء الرحلة التاريخية للكاتب، وتُحفظ كأرشيف خاص به، وهي دليل على جدَّة عمله وجهده المبذول، وبصمة لخطه وأدواته تكشف تطور النصوص ونضجها))، لافتةً إلى أنه مع التكنولوجيا، أصبحت الكتابة تتم في أي مكان وزمان دون الحاجة إلى ورقة وقلم، وبمجرد بزوغ الفكرة يستخرج المبدع الهاتف ويخطها في المفكرة، ويعدل وينسق إلكترونياً.
وأكدت أن هذا التطور اختصر الوقت بلا شك، لكن بات الأرشيف الآن إلكترونياً فقط، يوضح متى أنشئ الملف، لكنه يفتقد روح الأديب وبصمة يديه ودفء الورقة والقلم، مضيفةً: ((الأجهزة الحديثة ساعدتني على سرعة الإنجاز، وعندما تطرأ فكرة أُسرع إلى تدوينها في مفكرة الهاتف وأرسلها عبر الإيميل إلى نفسي، ومع ذلك لا أستغني عن استخراج نسخة مطبوعة للتصحيح)).
ورأت أن غياب فكرة المسودات الورقية يؤثر سلباً في دراسة مراحل نشأة النص واستقصائها؛ فلا توجد وثائق ورقية تثبت المسار منذ البداية حتى النهاية، وإن كان هناك من لا يزالون يستعملون الورقة والقلم، مؤكدةً ضرورة مسايرة ظروف العصر المختلف والأخذ بمستجداته، وأن المهم مداومة الكاتب على الكتابة مع الاستعانة بوسائل التكنولوجيا.
من جانبها، استبعدت الكاتبة هيا صالح القول بأن المسودات الأدبية فقدت قيمتها، وإنما خفَّ بريقها في زمن الشاشات التي تلتهم أجزاء واسعة من حياتنا، موضحةً أن المسودة هي البذرة الأولى التي انبثق عنها غصن الإبداع وأوراقه، وهي الارتباك الجميل الذي يسبق اكتمال المعنى.
وقالت هيا: ((صحيحٌ أن التكنولوجيا أتاحت لنا نصوصاً مصقولة ومشذبة في لحظة، لكن المسودات ما زالت تحمل حرارة اليد التي خطَّت أولى الأفكار، وقيمتها ليست في شكلها، بل في روحها، بمعنى أنها تمثل ما يشبه السجل الحي لصراع الأديب مع اللغة، وخطواته الحذرة على طريق القبض على المعنى)).
وعن الأسلوب الذي تتبعه في تدوين نصِّها الأدبي، ذكرت أنها تحب أن تبدأ بالورقة والقلم، كأنها تستدعي الكلمات من صمت بعيد، وتحررها من جمودها لتنساب حيةً على الورق، تنبض بالدفء، وتعبق برائحة الحبر التي تحمل طقوس البوح الأولى، مضيفةً: ((هنا أشعر أن الفكرة لدي بدأت تتبلور ببطء، وتتفتح على مهل، ثم حين أرى أن فكرتي اشتد عودها وأصبحت قابلة للانطلاق أنقلها إلى الحاسوب لأصقلها، وأبدِّل مواقع جملها، وأمنحها ترتيباً يحاكي ما أفكر فيه وأشعر به)).
وأكدت أن اختفاء فكرة مسودات الأعمال الأدبية قد يؤثر بالسلب في دراسة أساليب الأدباء ومناهج إبداعهم؛ لأن اختفاء المسودات أشبه باختفاء خرائط الرحلات القديمة التي كان يسجِّل عليها الرحَّالة مساراتهم الوعرة وأخطاءهم الفادحة واكتشافاتهم المذهلة، وأنه من دونها، نرى النص كجزيرة معزولة بلا شواطئ، ولا نعرف التيارات التي جرفته إليها، ولا العواصف التي صقلت صخوره، مردفةً: ((باعتقادي أن المسودات تكشف لنا كيف ينمو النص، كيف يخطئ الكاتب ويصحّح، كيف يمحو ثم يعود إلى ما محاه، إنها نافذة نطل منها على مختبر الروح، فإذا انغلقت، خسر النقد والأدب معاً أداة ثمينة لفهم جوهر الإبداع، لا مظهره وحسب)).
ولفتت الكاتبة سارة فاروق إلى ضرورة أن نوظف التكنولوجيا في جميع المجالات في هذا الزمن؛ لأن التكنولوجيا مجرد وسيلة، مؤكدةً أن الإبداع يكمن في الكاتب والأديب بغض النظر عن اختلاف طرق الكتابة وتعددها؛ وأن الجوهر يكمن في الكاتب الذي يجب عليه أن يستغل التكنولوجيا لخدمته، ومن ثم فالوسيلة لا تؤثر في أسلوب النص وقيمته.
وقالت سارة: ((لست مقيدة بطريقة معينة، أكتب بالورق أحياناً، وأكتب بأجهزة الحاسوب كثيراً، وأعتقد بأن الحاسوب هو الأفضل، أو الأجهزة اللوحية التي تعطي تجربة الورق نفسها في تحليل عناصر المحتوى الأدبي، لكن استخدام التكنولوجيا أفضل في حفظ المحتوى وضمان عدم ضياعه وسهولة نشره)).
وبشأن تأثير اختفاء فكرة مسودات الأعمال الأدبية بالسلب في دراسة أساليب الأدباء ومناهج إبداعهم، أوضحت أن الأمر على العكس من ذلك؛ لأن كل الطرق لها وقتها الخاص، وأنه حان الوقت للخروج من الصندوق ومواكبة التطور التكنولوجي المعاصر.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
أسواق جازان الشعبية مقصد للصناعات الحرفية...
إسرائيل تحذر رعاياها من السفر إلى مصر والأردن وتركيا...
وزارة الطاقة تنظم ورشة تدريبية حول بناء قواعد بيانات مشاريع التعدين...
مشادة حادة بين إلهان عمر ونائبة دعت لترحيلها إلى الصومال...
"العربية للطيران" تزيد رحلات بوكيت إلى ثلاث رحلات يوميا...
أمير دولة قطر يزور الأردن اليوم...