
عائشة الكعبي: الأدب خشبة خلاصنا في زمن "التوحش الرقمي"
ومن هذا المنطلق، حاورت صحيفة ((البيان)) الأديبة الإماراتية عائشة الكعبي، حيث نقترب في تفاصيل ومحطات الحديث معها، من حكايتها مع القص والأدب، بموازاة جهودها في دعم أصحاب الهمم عبر مبادرات ومشاريع رائدة.
ما حكايتك مع القص وعوالمه. وكيف ولجت هذا المضمار؟
علاقتي بالقص تعود إلى ما قبل الكتاب.. تعود إلى نزهات الصباح الباكر التي كنت أرافق فيها عمتي إلى المراعي تقود قطعان الماشية من قريتنا الصغيرة إلى حدود القرية المجاورة، تسمعني أثناءها أجمل الحكايات، ثم تصمت لفترة طويلة لتترك لي الوقت لتأليف أغنياتي الأولى.. تلك التي كنت أعود مسرعة لأُسمعها لأخواتي. إنما حين عدت بالزمن إلى الوراء لم أجد طفلة مغرمة بالكتابة في الواقع، حتى أني لم أكن من فئة الفتيات اللاتي تستهويهن كتابة مذكراتهن اليومية وتدوين أسرارهن الصغيرة بين دفتي كراسة مزركشة. لقد استهوتني القراءة والقراءة فحسب، دونما تخطيط مني أو طمع في أن أتقمص مهنة أولئك العظماء الذين بلوروا فكري وقادوني إلى عوالمهم الساحرة منذ الصغر. بدأت القراءة في سن مبكرة جداً وكما قال أوسكار وايلد:
((إن ما تقرؤه دون أن تكون مجبراً عليه هو الذي سيحدد ما أنت مجبراً على أن تكونه)). نعم، تلك حقيقة. فقد نزعت لقراءة ما كنت مجبولة على ألا يستهويني سواه: ((الأدب)). قرأت لكبار الأدباء العرب وأنا في سن لم تمكني بعد من الوقوف على شواطئ المعنى، فما بالكم بالإبحار فيه. ورويداً رويداً عرفت طريقي إلى الأدب المترجم الذي استهواني كثيراً وبخاصة الأدب الروسي. ولم تكن لي آنذاك أي تجارب في الكتابة عدا تلك المقالات الإنشائية التي كانت معلمتي تثني كثيراً عليها وتلك المسرحيات المدرسية التي كنت أكتبها وأمثلها وأخرجها أيضاً مدفوعة بطاقة من المواهب الأخرى التي حركت في داخلي حب الفن والموسيقى والإبداع.
اكتشاف الذات
ما أقرب قصصك إلى قلبك؟
كل قصة كتبتها تحمل جزءاً ما من ذاتي أسهم في خلقها، وأنا أعتز بكل نص أكتبه وأعتقد أن هذه النصوص تحاكي النسخة التي أكون عليها وقت كتابة النص، باهتماماتي وعقائدي وميولي. إنما هناك قصة مثلت بوابة الولوج للأدب من جديد بعد أن كنت توقفت عن الكتابة بسبب سفري إلى الولايات المتحدة الأمريكية في بعثة دراسية، وهي الفترة التي أطلقت عليها فيما بعد ((سنون البيات الأدبي))، كنت في تلك الأثناء أمر بمرحلة إعادة اكتشاف الذات، كنت قد تزوجت وأصبحت أُمّاً فترددت كثيراً في العودة لتلمس الكلمة والمعنى، حينها كتبت قصة بعنوان ((علياء مهددة بالانقراض))، تحكي عن عوالم الغربة الإنسانية، فكانت هي بوصلتي التي موضعتني مجدداً على خريطة الكتابة.
كيف يمكن أن يؤدي الأدب دوره ونحن نعيش زمن توحش الواقع الافتراضي وسيطرة السوشيال ميديا؟
الأدب هو صاحب اليد الطولى في تحريرنا من العبودية المختارة للواقع الافتراضي، وسوف يظل الوسيلة الأعمق لتدوين ما يستجد على وجه الإنسانية من تضاريس أمعنت التقنيات الحديثة في نحتها. وذلك لأن الأدب يُعنى بالفطرة البشرية ويعيننا على الرجوع إليها. صحيح أن وسائل التواصل الاجتماعي تفتح أفواهها لالتهام ما تبقى من بساطتنا ووقتنا كذلك، لكنها في الوقت ذاته أداة مفيدة في تعزيز الشغف للقراءة والكتابة بطرق جديدة أيضاً. إن للأدب القدرة على مواجهة هذا ((التوحش الرقمي)) عبر تكريس القيم الإنسانية، واستحضار الجماليات التي تعيدنا إلى معنى الكلمة وأثرها. وعلى الأديب أن يوظف أدوات العصر من دون أن يفقد أصالة الكلمة.
طيف التوحد
تعتنين بخدمة ودعم أصحاب الهمم.. ماذا عن جهودك ومبادراتك بهذا الشأن؟
قضية أصحاب الهمم بالنسبة لي ليست بعيدة عن مساري الشخصي، فأنا أم لطفلين على طيف التوحد، ومن هنا انطلقت مبادراتي لتكون ذات معنى وتجربة حقيقية. في عام 2018 نشرت أول ديوان شعر عربي بثيمة يوميات أم مع طفلها المتوحد وهو ديوان ((نصوص خالية من الغلوتين)) الذي صدر عن دار مدارك.
كما أنتجت أغنية عن أطفال التوحد في عام 2019، وكان هدفي دوماً هو التوعية بالتوحد وخلق مساحات دعم للعائلات، والمشاركة في منصات محلية ودولية معنية بخدمة هذه الفئة الغالية من المجتمع، لكن فكرة كسر عزلة هذه العوائل هو الذي ظل مسيطراً علي كوني وجدت نفسي أغرق في دوامتها بالتدريج لما يتطلبه الاعتناء بهؤلاء الأطفال من وقت وجهد، عكفت جاهدة على التخطيط لمشروع العمر، المشروع الذي أريده أن يكون أثري الطيب الذي أتركه في هذا العالم، ومن هنا بدأت أنسج خيوط مشروعي الذي أودعته كل اهتمامي ومعرفتي وخبرتي الحياتية، فخرج للنور كأول تطبيق تواصل اجتماعي موجه لكل متوحد ولذويهم وكل من يهتم بالتوحد كباحث أو معلم أو معالج أو مقدم خدمات صديقة للتوحد.
((أوتاي)) هو تطبيق اجتماعي يربط هذه الأسر ببعضها البعض وبالمراكز والمعالجين، ليشكل شبكة مجتمعية تساند الأسرة التي تحتضن طفل التوحد وتجسد معنى الترابط المجتمعي والتكافل الذي صاغته لنا قيادتنا الرشيدة حين أعلنت هذا العام ((عام المجتمع)) لتدعم مثل هذه المبادرات. وما أبذله من جهود في هذا المنحى ليس عملاً منفصلاً عن الأدب أو الإعلام، بل يعد امتداداً لرؤية إنسانية أؤمن بها.
نجاح ((أوتاي))
حدثينا عن نجاح ((أوتاي)) وما حققته حتى الآن؟
تُعد ((أوتاي)) منصة رائدة من نوعها على مستوى المنطقة، حيث توفّر بيئة آمنة ومجتمعية تربط الأهالي ببعضهم بعضاً، وتتيح لهم مشاركة تجاربهم اليومية وتبادل النصائح، إضافةً إلى تسهيل الوصول إلى مزوّدي الخدمات الموثوقين من معالجين، مراكز متخصصة، مدارس، وأنشطة صديقة للتوحد.
إن وصول ((أوتاي)) إلى 400 عائلة في فترة قياسية لم يتجاوز ثلاثة أشهر يؤكد أن التطبيق يلبي احتياجاً حقيقياً لأسر أطفال التوحد. هدفنا أن نمنح الأهالي شعور الانتماء والدعم، وأن نوفر لهم منصة إماراتية برؤية عالمية، تعكس قيم مجتمعنا وتسهم في تمكين هذه الفئة الغالية.
ويأتي هذا الإنجاز ليؤكد مكانة ((أوتاي)) كمنصة رائدة تجمع ما بين التكنولوجيا والجانب الإنساني، لتكون صوتاً للعائلات وتجربة ريادية إماراتية تحمل رسالة عالمية نحو مزيد من الشمولية والوعي بقضايا التوحد.
ما الذي تطمحين إليه في مشروعك.. وماذا عن توظيف الأدب مستقبلاً؟
أطمح أن يتحول ((أوتاي)) إلى منصة عالمية تصل إلى كل أسرة تحتاج إلى دعم، وأن يصبح هذا التطبيق الذي صُنع في الإمارات نافذة أمل تسهم في كسر عزلة كل من يريد أن يخلق لطفله المتوحد صوتاً مسموعاً في هذا العالم الصاخب. أما الأدب، فسيظل بالنسبة لي الرافد الروحي والإنساني الذي أعود إليه دائماً. وأسأل الله أن يوفقني في مسعاي كي أوظف القص والسرد الأدبي في مبادرات التوعية، وأن أُدخل البعد الإبداعي في تجارب الدعم الأسري، لأن الأدب ليس مجرد نصوص تُقرأ، بل حياة تُعاش وتُروى.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
توجيه مهم من وزير العمل...
من سيكون خليفة عموتة في الجزيرة الذي ترك الأردن لظروفه الخاصة؟...
غارات أميركية تستهدف صنعاء وصعدة...