
وفاة جورجيو أرماني.. أسطورة الأناقة والذوق الرفيع
لم يكن أرماني مجرد مصمم أزياء، بل كان مهندساً للجمال، نحت شخصية جديدة للأناقة الإيطالية، ونقلها من مجرد صناعة إلى أيقونة عالمية.
بعبقرية فريدة، أعاد صياغة البدلات الكلاسيكية، فحررها من صرامتها ليمنحها انسيابية عصرية، وابتكر تصميماً يليق بقوة المرأة العاملة وبساطة الرجل الأنيق، مؤكداً أن الأسلوب هو الجوهر.
لم يتوقف تأثير أرماني عند حدود الأقمشة والقصّات، فقد كان رائداً حقيقياً في جوانب متعددة من عالم الموضة، كان له الفضل في الارتقاء بأزياء السجادة الحمراء في هوليوود من مجرد ملابس إلى تحف فنية، فجعلها منصة للتعبير عن الذوق الرفيع.
كما اتخذ موقفاً شجاعاً ومثيراً للجدل في عام 2006، عندما أصبح أول مصمم يمنع العارضات النحيفات جداً من السير على منصات عروضه، وذلك بعد وفاة العارضة آنا كارولينا ريستون من فقدان الشهية العصبي، مؤكداً بذلك التزامه بالصحة والجمال الطبيعي.
وفي وصفٍ لنهجه المبتكر، كتب ألكسندر فيوري في مجلة ذا فاينانشال تايمز في إحدى آخر المقابلات معه: "لقد ألبس النساء بدلات رسمية لا تقل ثورية عن تصاميم شانيل، مما خلق ملابس قوية وواثقة ساهمت في دعم الثورة الاجتماعية للمرأة العاملة في الثمانينيات.
وعلى النقيض من ذلك، قام بتبسيط أزياء الرجال، ففكك الخياطة التقليدية بطريقة أثرت على كيفية صناعة كل بدلة في العالم تقريباً".
وُلد جورجيو أرماني في عام 1934 في بلدة بياتشينزا بشمال إيطاليا، ولم يجد شغفه الحقيقي في عالم الموضة إلا في سن متأخرة.
بعد دراسة الطب وقضاء فترة في الجيش، بدأ رحلته المهنية في عام 1957، عندما عمل كمنسق لواجهات متجر "لا ريناشينتي" التاريخي في ميلانو، لتبدأ بذلك علاقته الأبدية بعاصمة الموضة الإيطالية.
وفي عام 1964، منح المصمم نينو تشيروتي فرصة لأرماني، الذي كان حينها مشترياً في "لا ريناشينتي"، ليصمم أزياء رجالية.
وفي هذه الوظيفة، أتقن أرماني ما سيعرف به لاحقاً: السترات "غير المهيكلة" التي تمنح الجسد حرية الحركة والأناقة في آن واحد.
وفي عام 1975، وبإلهام من شريك حياته ورفيق دربه سيرجيو غاليوتي، أسس أرماني علامته التجارية الخاصة.
حققت مجموعته الأولى للأزياء الرجالية نجاحاً فورياً في الولايات المتحدة، حيث تم بيعها في متجر "بارنيز نيويورك" عام 1976.
وسرعان ما تبعتها مجموعة أزياء نسائية قدمت إطلالة ثورية "ثنائية الجنس" كسرت القوالب النمطية. وكما قال أرماني لاحقاً: "كنت أول من خفف صورة الرجال، وقسّى صورة النساء".
جذبت تصاميمه انتباه هوليوود، وبلغت ذروة شهرتها عندما ارتدى ريتشارد غير بدلة أرماني في فيلم "أميركان جيغولو" عام 1980، محولاً البدلة إلى رمز للمكانة الاجتماعية.
أدى هذا النجاح إلى منافسة شرسة مع المصمم جياني فيرساتشي، حيث تناقض أسلوب أرماني الهادئ مع أسلوب فيرساتشي المبهر.
وفي عام 1985، توفي غاليوتي بسبب الإيدز، تاركاً أرماني المساهم الوحيد في الشركة.
ورغم الفقد، واصل أرماني توسيع إمبراطوريته، مطلقاً خطوطاً فرعية ناجحة مثل "إمبوريو أرماني" و"أرماني جينز". وعن علاقته مع غاليوتي، قال أرماني في مقابلة لمجلة فانيتي فير في عام 2000: "الحب مصطلح مختزل للغاية. لقد كان تواطؤاً كبيراً تجاه الحياة وبقية العالم".
في المشهد الحالي للسلع الفاخرة، الذي تهيمن عليه تكتلات ضخمة مثل "إل في إم إتش" و"كيرينغ"، بقي أرماني واحداً من المصممين القلائل الذين احتفظوا بالملكية الكاملة لشركاتهم.
وتحت إدارته، توسعت إمبراطوريته من شركة أزياء إلى علامة تجارية عالمية تشمل مستحضرات التجميل، والمنتجات المنزلية، وحتى الفنادق الفاخرة، محققة أرباحاً سنوية تجاوزت ملياري جنيه إسترليني.
وفي عام 2011، افتتح مجمعاً ضخماً في ميلانو يضم متاجر، وفندقاً فاخراً، ونادياً ليلياً، وذلك بعد عام من افتتاح فندق أرماني دبي في برج خليفة.
كما امتد شغفه إلى عالم الرياضة، حيث اشترى فريق كرة السلة "أوليمبيا ميلانو" عام 2008، وأطلق خط ملابس "إي إيه 7" الذي صمم أزياء الفريق الإيطالي لدورات الألعاب الأولمبية.
ورغم وفاته، فإن إرثه مستمر، فدقة خياطته وتصاميمه الخالدة خلقت سوقاً رائجة لتصاميمه الكلاسيكية المستعملة، وما زالت بدلاته النسائية تُلهم النجمات مثل كيت بلانشيت حتى اليوم.
في يونيو 2025، كان غياب أرماني عن عرض علامته التجارية في أسبوع الموضة الرجالية في ميلانو بمثابة إشارة قوية، حيث كانت المرة الأولى في مسيرته التي يتغيب فيها عن حدث أزيائه الخاص. وفي ذلك الوقت، أصدرت الشركة بياناً يفيد بأنه كان "يتعافى حالياً في المنزل"، دون تحديد حالته الصحية.
وفي بيان مؤثر، أعلنت مجموعة أرماني أن "السنيور أرماني"، ، توفي بسلام محاطاً بأحبائه"، مؤكدة أنه "عمل حتى أيامه الأخيرة، مكرساً نفسه للشركة، ومجموعات الأزياء، والعديد من المشاريع المستقبلية".
كما وصفه البيان بأنه كان "لا يكلّ حتى النهاية"، و"مدفوعاً بفضول لا هوادة فيه واهتمام عميق بالحاضر وبالناس".
وفي بيان آخر نيابة عن عائلته وموظفيه، جاء: "في هذه الشركة، لطالما شعرنا بأننا جزء من عائلة... اليوم، وبمشاعر عميقة، نشعر بالفراغ الذي تركه من أسس هذه العائلة ورعاها، ولكن بروحِه على وجه التحديد، نلتزم نحن بحماية ما بناه والمضي قدماً بشركته تخليداً لذكراه، باحترام، ومسؤولية، وحب".
لم يكن أرماني مجرد مصمم، بل كان أيقونة ثقافية حازت على العديد من الأوسمة، منها "الضابط الأكبر من وسام الاستحقاق للجمهورية الإيطالية" في عام 2021، وجائزة الإنجاز مدى الحياة من مجلس مصممي الأزياء الأمريكيين، كما تم تعيينه سفيراً للنوايا الحسنة لوكالة الأمم المتحدة للاجئين (UNHCR) في عام 2002.
وبينما ترك رحيله فراغاً كبيراً، فإن إرثه باقٍ، ففي كل بدلة أنيقة، وفي كل تفصيل دقيق، تكمن قصة رجل لم يكن يصنع الملابس، بل كان يصنع التاريخ.
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
عبادة الكسبة يُحقق الفوز في أولى نزالاته ببطولة العالم للملاكمة
زلزال شدته 6.2 درجة يضرب جنوب شرقي أفغانستان
ارتفاع أغلب أسواق الأسهم الأوروبية عند الإغلاق
خبراء أمميون: على الدول إيقاف إسرائيل قبل إسكات جميع الصحفيين في غزة
جدة تستضيف سيريدو ٢٠٢٥ الثلاثاء المقبل
شاهد - جيش الاحتلال ينشر صورة يزعم أنها لأبو عبيدة