
الهروب بملعقة.. عبقرية إجرامية تحدت أسوار ألكتراز
وفي هذه القلعة التي لا تعرف الرحمة، حيث تصرخ الرياح في القضبان، كان هناك ثلاثة رجال على وشك أن يكتبوا فصلاً جديداً في تاريخ الجريمة الأمريكية، مستخدمين أذكى خطة هروب عرفها السجن في تاريخه الممتد لثلاثين عاماً.
لم يكونوا سجناء عاديين. كان على رأسهم العقل المدبّر، فرانك لي موريس، اليتيم الذي أُدين بأول جريمة له في الثالثة عشرة من عمره، وقضى حياته كلها متنقلاً بين السجون، لا يرى جدرانها سوى تحديات تنتظر من يكسرها، كان عالماً بجغرافيا الزنازين، وخبيراً بضعف البشر.
انضم إليه الأخوان جون وكلارنس أنغلين، المتهمان بسرقة البنوك، اللذان عرفهما موريس في زنازين سابقة. ومعهم آلان ويست، الذي كان سجيناً في ألكتراز منذ عام 1957. جمعتهم صداقة قديمة، ومؤامرة جديدة.
وفي ظلمة الليل، بعيداً عن أعين الحراس، بدأت الخطة المعقدة تأخذ شكلها. على مدى أشهر، استخدم الرجال ملاعق معدنية مهربة من قاعة الطعام و"مثقاباً" مصنوعاً من محرك مكنسة كهربائية وشفرات منشار قديمة، لينحتوا بهدوء الخرسانة المتضررة من الملح حول فتحات التهوية.
كان موريس يعزف على الأكورديون خلال "ساعة الموسيقى" اليومية لإخفاء صوت الحفر، بينما كانت الملعقة تلتهم الخرسانة، وتحررهم من قيدها، سنتيمتراً بعد سنتيمتر. تحوّلت زنازينهم إلى ورش عمل سرية.
استخدموا مجلات المكتبة لصنع شبكات تهوية وهمية من الورق المعجن، لإخفاء الثقوب التي حفروها.
أما داخل الممرات المظلمة، فكانت أياديهم تعمل على تحفة الهروب: قارب مطاطي مؤقت بحجم 6×14 قدماً، وسترات نجاة مصنوعة من أكثر من 50 معطف مطر مسروق.
وللتأكد من أن كذبهم سيصدقه الحراس، قاموا بنحت "رؤوس" شبيهة برؤوسهم من الصابون ومعجون الأسنان وورق المرحاض، وألصقوا عليها شعراً حقيقياً من صالون الحلاقة، ثم وضعوها في أسرّتهم الملتفة بالبطانيات، لتخدع كل من يمر.
في ليلة 11 يونيو 1962، كانت الساعة قد حانت. ترك الثلاثة رؤوسهم الوهمية في الأسرّة كشواهد صامتة على جرأتهم، وزحفوا عبر الثقوب التي صنعوها. لكن القدر كان يخبئ لآلان ويست نهاية مختلفة، فعندما حاول الخروج، وجد أن الفتحة كانت أضيق مما توقع، وبقيت الخطة حكراً على الثلاثة.
ركضوا فوق سطح المبنى، والقارب المؤقت معهم، على مرأى من برج الحراسة، ثم تسللوا إلى الخارج عبر أنبوب صرف، وعبروا ساحة السجن، ثم تسلقوا سياجين متتاليين من الأسلاك الشائكة، وانزلقوا من المنحدر الحاد إلى شاطئ الجزيرة.
وعند حافة المياه الغادرة، ضخوا الهواء في قاربهم واختفوا في ظلام الليل. لم يُكتشف أمر هروبهم إلا في صباح اليوم التالي، عندما انطلقت صفارات الإنذار الحادة التي أيقظت الجزيرة بأسرها.
انطلقت حملة مطاردة واسعة شارك فيها مئات من أفراد إنفاذ القانون، لكن الأدلة الوحيدة التي عُثر عليها كانت مجدافاً، وقطعة من القارب المطاطي، وحزمة من الأغراض الشخصية للأخوين أنغلين.
اعتقدت السلطات أن الرجال الثلاثة قد لقوا حتفهم في المياه الغادرة للخليج. وقال مدير السجن، ريتشارد ويلارد، في مقابلة عام 1964: "هل تعتقد أنك قد تنجح؟".
لكن الشكوك لم تفارق القصة أبداً، رغم إعلان وفاتهم قانونياً في عام 1979، لم يتم العثور على جثثهم، وتدفقت التكهنات حول مصيرهم.
وفي عام 2018، ظهرت مفاجأة مدوية: رسالة غامضة وصلت إلى شرطة سان فرانسيسكو، يدعي كاتبها أنه جون أنغلين، ويؤكد فيها أن الثلاثة نجحوا في الهروب، وعاشوا في الخفاء لسنوات طويلة.
ورغم عدم تمكن مكتب التحقيقات الفيدرالي من التحقق من صحة الرسالة، إلا أنها أعادت إحياء الأسطورة، وبقيت القضية مفتوحة.
فهل نجحوا حقاً في الهروب من "الصخرة" إلى الحرية؟ أم أنهم غرقوا في لجة الخليج الباردة، تاركين وراءهم قصة جريمة لا يزال فصلها الأخير لم يُكتب بعد؟
إخلاء المسؤولية القانونية:
تعمل شركة "شبكة الشرق الأوسط
وشمال أفريقيا للخدمات المالية" على توفير المعلومات "كما هي" دون أي
تعهدات أو ضمانات... سواء صريحة أو ضمنية.إذ أن هذا يعد إخلاء لمسؤوليتنا
من ممارسات الخصوصية أو المحتوى الخاص بالمواقع المرفقة ضمن شبكتنا بما
يشمل الصور ومقاطع الفيديو. لأية استفسارات تتعلق باستخدام وإعادة استخدام
مصدر المعلومات هذه يرجى التواصل مع مزود المقال المذكور أعلاه.
الأخبار الأكثر تداولاً
الرئيس التونسى: القوى الاستعمارية القديمة ما تزال تحاول فرض سيطرتها على إفريقيا
مسؤول أممي يحذر من التصعيد الإسرائيلي في غزة وضم الضفة الغربية
مهرجان برويكستسيا الأول يشعل موسكو بالعروض الضوئية والموسيقى والفن الرقمي
ميد تراجع زخم مشاريع البناء في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال يوليو 2025
وزير الأوقاف ومحافظ الشرقية يفتتحان اليوم أعمال تطوير مسجد الفتح بالزقازيق
أوروبا تستلهم من القطاع الزراعي نموذجاً لخفض فواتير الطاقة